23 ديسمبر، 2024 2:19 م

رمضانيات / 9 ــ سعد البزاز !

رمضانيات / 9 ــ سعد البزاز !

عندما قررت الخروج من العراق كان المنفذ الوحيد للعراقيين في بداية العقد التسعيني هو الاردن ! فهي الدولة الوحيدة التي تسمح بدخول العراقيين آنذاك ! وبعد وصولي الى عمّان بايام قليلة مع مجموعة من الاصدقاء الذين كان الجوع والألم ينخر بأحشائهم ! أصطحبني الصديق الشاعر حسن مجيد الصحن الى غاليري الفينيق وعند الباب تقف سيارة مارسيدس سوداء اللون ، كانت مائدة البياتي عامرة بالاصدقاء والاعداء !  لمحت شخصاً قبل دخولي الفينيق يمد يده للبياتي مودعاً اياه بعد أن جلس معه ساعة أو أكثر ، كان ذلك عام 1995 ، الرجل يشبه صدام حسين أو عزت الدوري بقيافته التي هي عبارة عن بذلة رسمية مع ربطة عنق وفوقهما العباءة العربية ، ذاتها التي يرتديها صدام حسين ! وأضافة الى هذه العباءة كانت سجارة ( جروت الكوبية ) تقف ما بين شفتيه ! وكأنك تشاهد صدام حسين في عمّان !
عرفته وهو يحاول الصعود الى سيارته ، أنه سعد البزاز ! كان علي الشلاه مديرا للفينيق يقف متحدثا معه ! حتى صرخ صديقي حسن الصحن بقوة ، الامر الذي أخرج البزاز مبلغ المئة دولارا لتكون من حصة الشاعر الصحن ! وتبين لاحقاً أن الصحن يقيم بالاردن قبلنا بسنوات ويمّر بظروف أستثنائية من الجوع والقهر والعمل الشاق الذي لا يقدر عليه ، كما وأن مرض القرحة الذي يرافق الصحن لا يسمح له بالجوع !
ويبدو أن سعد البزاز يعرف ظروفه ولهذا بعث له ورقة المئة دولار !
 خرج سعد البزاز من العراق بعد أن وضعت حرب الخليج الثانية أوزارها ، وبعد أن كتب كتابه الشهير آنذاك ( حرب تلد أخرى ) ثم كتب ( رماد الحروب ) وكذلك كتب ( الجنرالات آخر من يعلم ) ، وكانت كتبه من الحجم الكبير وبمئات الصفحات ، والحق يقال أنا وغيري قرأنا قسماً منها وكانت رائعة بالاسلوب والمعلومات المهمة التي تتحدث عن الكثير من الخفايا داخل نظام حزب البعث الذي يراسه صدام حسين ! الرجل البزاز هو أبن النظام وقد عين بمناصب عديدة أذكر منها مدير المركز الثقافي العراقي في لندن ومدير عام الاذاعة والتلفزيون وكان آخرها رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية ! لكنه أرتد على النظام في كتابه ( حرب تلد آخرى ) وهرب الى عمّان وكان له مكتباً انيقاً وسكرتيرة وكانت كتبه تعود له بايرادات مالية كبيرة ، خاصة وأن اغلبها تترجم الى لغات عالمية وبالتالي سيحصل على حقوق الطبع ! في العام 1996 ذهب البزاز الى مهرجان الجنادرية السنوي الذي تقيمه المملكة العربية السعودية برفقة شاعر العرب الاكبر الجواهري وعبد الوهاب البياتي ، وفبرك البزاز خبر إسقاط الجنسية عن الجواهري والبياتي وهو كذلك ! الأمر الذي أنشغلت الصحافة العربية وحتى العالمية بهذا الخبر في ذلك الوقت ! وسرعان ما كذبت السفارة العراقية داخل عمّان خبر أسقاط الجنسية ، لكني وأصدقاء آخرين كنا نرى البياتي وقد صدق الموضوع أو أراد أن تكون ضجة تحت هذا العنوان ! خاصة وأن الجواهري قطبها الأول ! وأستمرت الزيارات للمملكة العربية السعودية من قبل سعد البزاز ، وعلى ما يبدو ثمة أتصالات رتبت لافتتاح جريدة الزمان التي فاتح بمشروعها البياتي في واحدة من الجلسات الليلية لكن البياتي دائما ما يكون بعيدا عن مثل تلك المشاريع التي يعرف من يقف وراءها ! 
البزاز سعد كان قد انتهى من الترتيبات اللوجستية لفتح الجريدة في لندن لتكون المنافس القوي والحقيقي لصحف مثل الحياة والقدس العربي والشرق الاوسط التي تصدر في لندن . ولعل أسم جريدة الزمان لم يكٌ جديدا فهو أسم قديم لجريدة عراقية كانت تصدر في ثلاثينات القرن الماضي ! لكن بالمقابل هو اسم جميل . سافر سعد البزاز الى لندن ليبدأ مشروع الجريدة واصدر عام 1997 العدد صفر ثم استمرت الى يومنا هذا ، كنت أحد المراسلين للجريدة من عمّان واقضي ساعات طويلة وأنا أجلس على كرسيه في مكتبه الخاص الذي أصبح مكتبا للجريدة ، أجهز المواد الثقافية التي أحصل عليها من بعض الاصدقاء وأقوم بارسالها مع السكرتيرة عبر الفاكس الى لندن !
غادرنا الاردن الواحد بعد الآخر وبعد سنوات تلت سقوط النظام العراقي ، وسعد البزاز مشروعه تطور الى فضائية ليفتح قناة الشرقية ويكون المدير العام لمؤوسسة الزمان ومازال ، لكن الغريب في الموضوع أن سعد البزاز الذي كان مع النظام وابنه المدلل ، وخرج منه ليكون معارضا ! يقوم عبر قناة الشرقية بمساعدة الكثير من الفقراء والايتام والمحتاجين وبخاصة في شهر رمضان .  ما يقوم به البزاز تعجز عنه حكومة المالكي التي تسرق ثروات الشعب ! لكن بالمقابل يوجه الاعلام البزازي عبر قناة الشرقية ميوله الواضحة والصريحة المليئة بالطائفية والعرقية والمناطقية ! تحاول قناة الشرقية تدمير المجتمع العراقي وتسميته حسب الطوائف والاعراق بطريقة مخزية ! كذلك نلاحظ في سياسة القناة التي يشرف عليها البزاز ميوله الكبير والحنين الواضح لايام صدام حسين ونظام البعث ! كيف للبزاز الذي انشق عن النظام وكتب بالضد منه أن يحاول انصافه !
والسؤال الذي ظل فاغراً فمه هو من أين لسعد البزاز كل هذه الاموال والثروات الطائلة التي لديه ، مرة سمعت البياتي رحمه الله قال ليّ ان البزاز تأتيه صكوك بملايين الدولارات من دول الخليج العربي وبخاصة من المملكة السعودية التي يحكمها آل سعود ! ترى ما هو الغرض من ذلك ؟!
في قناة الشرقية يهب البزاز البيوت للفقراء والرواتب الشهرية للعوائل الفقيرة ، وقد استحدث مؤخراً جائزة مالية كبيرة مع قلادة ذهبية أسماها ( قلادة الابداع ) لكنه كرم فيها عبد الرزاق عبد الواحد والعديد من رموز النظام السابق الذين طبلوا ومجدوا للطاغية صدام أيام حكمه ، وكانوا السبب الرئيسي في تدمير العراق بعد نفخهم بقربة الرئيس المثقوبة ! بينما كتّاب جريدة الزمان لم تصلهم حقوقهم المالية في الكتابة !!
نحتاج في العراق الى أشخاص بعيدين عن الطائفية وبعيدين عن الحنين الى النظام السابق ! وبعيدين عن اللعب بمشاعر الناس الفقراء الذين يعيشوا تحت خط الفقر ! علينا أن نبني عراقنا بالناس المخلص للوطن لا أن نطبل للطائفية التي تمزق البلاد والعباد ! العراق ومنذ أن وجد على الارض تعيش فيه اقوام واعراق وديانات مختلفة لكن اخلاصهم  ووحدتهم في عراق واحد موحد !! .