لا اعرف لماذا كلما تابعت اخبار الساسة العراقيين وأحزابهم المتنفذة، تذكرت بائع “الرقي” ذلك الذي كان يقف عند اول مدخل الشارع المؤدي الى محل سكني.
كنت صغيراً جداً وانا اعود من مدرستي مثقلاً بالواجبات المدرسية والدفاتر والكتب التي حين كبرت علمت ان لا فائدة منها.. فعند وصولي الى اول الشارع اجد ذلك الرجل المفتول العضلات والعريض المنكبين يقف عند باب سقيفته التي بناها تجاوزاً على رصيف الشارع دون إذن حكومي او انساني ، كان يقف وبيده سكين يكاد لمعانها يخطف أنظار المارة في ذلك الشارع الكابوس. وينادي بصوت أجش يصم السمع ( رگي ع السچين) ( رگي ع السچين) يقترب منه من لا يعرفه ليشتري منه وفقاً للاتفاق اَي بعد الوزن يجب ان تشرُط الرقية بتلك السكين التي كان يحكم الإمساك بها بكف يده ويطوقها بأصابعه الكبيرة.. فأنا كانت الرقية حمراء تبسم وقال للزبون ” الف عافية ” وان كانت بيضاء لا طعم فيها. قال له خذها فأنها نصيبك وقدرك، متجاهلاً ذلك الشرط الذي ابرمه بصوته واشترطه على نفسه وان حاول احدهم مطالبته باسترداد مبلغ ما أراد شرائه ، تدخل جلاوزته الثلاثة ورابعهم كلبهم الذي كان لا يقل خطورة وإساءة عن صاحبه..
فصورة الكلب وصاحبته ذو السقيفة العشوائية والجلاوزة بقيت نائمة في أرشيف طفولتي حتى ايقضتها أحزاب السلطة التي تولت الحكم على العراق ما بعد 2003 م وليومنا هذا..!
فجميعهم ينادون بذلك الصوت الاجش نفسه . ان ما نريده منهم وما نرغب فيه ونتماه سيكون. ولكن بعد ان يتمكنوا يظهروا لنا قباحتهم ويطلقون العنان لحلاوزتهم وينهشون لحمنا وبلادنا بكلابهم. فتصبح المسافة بيننا وبينهم تقاس بالمستحيل واللاممكن .. كوّن سقيفتهم كتلك السقيفة العشوائية التي بنيت على رصيف المارة وبقيت سنين وسنين ولَم يجرا أحداً منا على الإطاحة بها او التفكير بقلع اعمدتها الصنمية حتى يتسنى لنا إعطاء الشارع حقه والرصيف مكانته.
متى تنطلق الثورة..؟!