22 ديسمبر، 2024 5:24 م

رقي سامراء بين التزويق والتسويق!!

رقي سامراء بين التزويق والتسويق!!

تصلني صور جميلة من علوة سامراء وهي تزدحم بسيارات محملة بالرقي , ويبدو المنظر بهيجا , والذي يراه يشعر بفيض النعمة وجهد الفلاح.
ومنذ طفولتي في المدينة وحتى مغادرتها بعد الإعدادية , وهذا المنظر يتكرر ويبدو أنه لا يزال على حاله , فما هي المشكلة في ذلك؟!!
المنظر ذاته أعادني إلى تلك الأيام التي ينتظر الفلاح فيها مَن يشتري منه الرقي ويبقى طيلة النهار بلا مشتري لكساد البضاعة , فيبدأ عند المساء ببيعها بأبخس الأثمان لكي يتخلص منها ويعود إلى أهله , ولهذا كانت أكوام الرقي تنتشر على أرصفة الشوارع.
والعلة في غياب آليات التسويق التي تضمن إنسياب البضاعة إلى المستهلك , وهذا العناء تسبب بتفاقم الإحباط وفقدان المحفزات وإهمال الزراعة لأنها لا تسد كلفتها.
ومنذ قوانين الإصلاح الزراعي التي في جوهرها قرارات سياسية وليست إقتصادية , تدهورت الزراعة وتدمرت الأرض وجاعت العباد.
فالعراق قبل تلك القوانين كان فائض الإنتاج الزراعي , ويصدر المحاصيل إلى الدول المجاورة , وبعدها صار يستورد ما يأكل , ذلك أن تلك القوانين قد أسقطت منظومة إنتاجية متكاملة , بكافة مفرداتها ومهاراتها الإنتاجية والتسويقية , أي أنها قضت على شركات زراعية ذات قدرات إنتاجية عالمية.
فالزراعة تحتاج إلى منظومة متكاملة ويأتي في مقدمتها الآليات التسويقية التي تؤمّن بيع الإنتاج وإيصاله للمستهلك , بينما عرض المنتوج في العلاوي المحلية ما هو إلا مرحلة بدائية جدا من التسويق لا يمكنها أن تأتي بمردود مهم للفلاح.
وعليه فأن رؤية رقي سامراء معروضا في العلوة يثير الحزن والألم لأن نتيجة هذا العرض تعني كساد البضاعة وإنعدام قدرات تسويقها , وسيعود الفلاح إلى بيته محبطا ومتأسفا.
ففي السابق كان رقي سامراء يصل إلى الدول المجاورة ويُعرض في معظم أسواق العراق , أما اليوم وبعد عقود وعقود تجدنا بلا قدرة على تسويق ما ننتجه , وهذا يشمل جميع المحاصيل الزراعية في مناطق العراق كافة.
فالواقع المعاصر يؤكد بأن أي مزرعة عبارة عن شركة , وهذا هو المعمول به في الدول المتقدمة , وهذه الشركة عليها أن تتصرف بكل مهارات ومتطلبات الشركة , وتكون ضمن تركيبة تسويقية ذات قيمة إقتصادية متنامية.
فالإقطاع كان آفة ذات إنتاجية هائلة , وقانون الإصلاح الزراعي آفة كبرى بلا إنتاجية تكفي لإطعام أهل البلاد!!
فهل لدينا القدرة على تسويق ما ننتج؟
وهل وصلنا إلى الإقتناع بأن علينا أن نطعم أنفسنا ولا نبّذر أو نبدد طعامنا؟!!