23 ديسمبر، 2024 2:07 ص

رفع المظالم .. أولاً

رفع المظالم .. أولاً

حركة الإصلاح التي تشهدها البلاد على خلفية التظاهرات الشعبية تعيد بعض الأمل للتغيير الذي بات يشكل مطلباً عاماً بعد 12 سنة عجافاً، قضاها العراقي بين الخوف والجوع والظلم والحرمان.
وإذا كان الفساد هو العنوان العريض للويلات التي جرت على البلاد، فلابد أن نضع أولويات لمحاربة هذا الفساد، والتي تبدأ من المؤسسة القضائية، لضمان سلامة الإجراءات اللاحقة، والإطمئنان على سير العدالة.
ومن هنا نحتاج الى فتح ملفات المعتقلين، فهناك أبرياء كثيرون غيبتهم السجون، و طالهم التعذيب حتى إعترفوا على أنفسهم بجنايات لم يقترفوها، فيما ظل آخرون رهائن المحبس من دون محاكمة، ومات بعضهم قبل أن يعرف مصيره، أو تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه.
ومن أغرب حملات الدهم والإعتقال تلك التي طالت بعض رجالات القضاء الواقف من المحامين بتهمة الدفاع عن سجناء، ليقطعوا بذلك دابر كل من ” تسول” له نفسه التوكل عن متهم حكم عليه بالإدانة  قبل مثوله أمام هيئة المحكمة، وبهذا لم يعد المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، فهو مدان مسبقاً، وعلى الهيئات القضائية إتخاذ الإجراءات الشكلية للإدانة!.
وفيما نادى المتظاهرون بإصلاح السلطة القضائية، سارعت رئاسة الجمهورية بالمصادقة على أحكام الإعدام، وكان الأولى بها أن تعيد النظر بكل هذه القرارات، ولاسيما أن منظمات وهيئات حقوقية محلية ودولية قد طعنت بأحكام الإعدام خاصة ورأت أنها تفتقد لشروط المحاكمة العادلة، خصوصاً أن أكثرها إستند على إعترافات إنتزعت بالإكراه، وأن المتهمين لم يحصلوا على حق الدفاع عن أنفسهم بالطرق القانونية المعروفة، ناهيك عن أن إجراءات الضبط والإحضار والإحتجاز، أصلاً  شابها الكثير من التجاوزات، إن لم نقل أنها تمت بخلاف القانون .
ولسنا هنا بصدد التعميم، وإنما فكرة الإصلاح التي إنطلقت في البلاد تتطلب أن نواجه أية ظاهرة حرفت النظام المؤسسي للدولة العراقية عن مسارها، وكانت النتيجة هذا الواقع المأساوي الذي تسعى جماهير الشعب المتظاهر الى تغييره، وإزالة آثاره التي باتت تشكل خطراً على كيان الوطن، ونسيجه المجتمعي.
الإصلاح القضائي، لايقف عند حدود السجون وما يجري فيها، لكن يؤشر الى حجم الفساد الذي إنعكس على بقية المؤسسات نتيجة ضعف السلطة القضائية، وإنطوائها تحت عناوين أخرى، ما إضطرها الى التستر عن صفقات مشبوهة وتجاوزات لم تقف بوجهها بل العكس أضفت لها الشرعية.
رفع المظالم، خطوة أولى وأساسية في حملة الإصلاح، تبدأ من السجون، من خلال إصدار قانون العفو العام، وإنصاف الأبرياء، وإعادة النظر بكل الإجراءات المتعلقة بالتوقيف والتحقيق، بموجب الدستور، ومنع إنتهاك حقوق الإنسان تحت أي ظرف، وقطع دابر أية جهة تتجاوز على القانون بقوة السلاح.
الفساد متشعب، ولابد من تفكيكه، وملاحقة كل أدواته من دون إستثناء، أو تحفظ، وهذا لن يكون الا إذا صدقت النيات، وصلح العمل، والفرصة لاتأتي الا مرة واحدة، والحليم تكفيه الإشارة.