23 ديسمبر، 2024 6:08 ص

رفعت وزهاء وخالد وانا

رفعت وزهاء وخالد وانا

رفعت هو المعماري العراقي الكبير رفعت كامل الجادرجي , وزهاء ( التي اصبح اسمها زها بعد ان ترجمه المترجمون مرجّعا من الانكليزية الى العربية لعدم وجود الهمزة لدى الانكليز ولا عند غير الانكليز) هي المعمارية العالمية زهاء محمد حديد , وخالد هو الدكتور المعماري خالد السلطاني – نجم التنظير المعماري العراقي في السنوات العشرين الاخيرة و مؤرّخ العمارة العراقية, وانا (البعيد كل البعد عن المعماريين كافة , والقريب من بوشكين وغوغول وتولستوي ودستويفسكي وتشيخوف , و القريب كذلك من العراقيين الذين مرّوا بموسكو) هو انا الذي (انحشرت!) بين هذه الاسماء الشهيرة من المعماريين العراقيين الكبار بمحض الصدفة الغريبة ليس الا, واليكم قصة هذه القصة الطريفة.
استلمت مرة رسالة الكترونية من الدكتور خالد السلطاني , والذي تمتد صداقتي معه اكثر من نصف قرن من الزمان , فقد كنّا سوية طلبة في موسكو عام 1960 , واستمرت علاقات الصداقة في بغداد السبعينات والثمانينات والتسعينات , والتقينا في الاردن عندما اتخذ ابو الوليد قراره الشجاع والحاسم بالخروج من العراق في تلك الاوقات العصيبة , ولازلنا لحد الان نتابع بعضنا البعض عن بعد وعن قرب ايضا . الرسالة الالكترونية التي استلمتها من د. خالد كانت تطلب منّي ان اكتب في حدود ثلاثين كلمة عن رفعت الجادرجي , كي يدخلها د. خالد في كتابه الذي كان يعدّه آنذاك بمناسبة الذكرى التسعين لولادة رفعت , وقد اختار د. خالد مجموعة من زملائه للكتابة عن رفعت خارج المعماريين , كي يضفي على الكتاب مسحة طريفة على ما يبدو , من اجل ان يكون هذا الكتاب مختلفا عن الكتب التقليدية الصارمة والمحددة عن المعماريين وفن العمارة . كانت الرسالة بالنسبة لي غريبة بعض الشئ , فهي بعيدة كل البعد عن العوالم التي اكتب فيها ,اذ ما الذي استطيع ان اكتبه عن هذا المعماري الكبير وانا غارق باجواء الادب الروسي وتاريخه ومسيرته وابطاله ورجالاته , او وانا المشغول بتسجيل تاريخ زملائي العراقيين الذين مرّوا بموسكو والذين لم يكتب أحد عنهم بتاتا رغم انهم صنعوا ولا يزالون يصنعون تاريخ العلاقات الانسانية بين الشعبين العراقي والروسي , وهي أهم عندي من العلاقات السياسية الرسمية , اذ اني ارى , ان هذه العلاقات بالذات هي التي تخلق التواصل بين الشعبين قبل كل شئ , او وانا – اخيرا – ابحث عن قصائد ملائمة من الشعر العالمي المعاصر بالروسية كي اترجمها و اقدمها للقارئ العربي , لأني اؤمن ان ترجمة الشعر تعني الصياغة الموسيقية العربية للنص المترجم بغض النظر عن كل العوامل والقواعد الصارمة للترجمة , التي يضعها ( النقاد اللؤماء!) حسب تعبير عبد الوهاب البياتي . رسالة د. خالد السلطاني حيرتّني , وبما اني لا أقدر ان أعتذر لهذا الصديق الحبيب , فقد تركت كل خططي وأعمالي حول الادب الروسي وتاريخ العراقيين في موسكو والشعر العالمي باللغة الروسية , وجلست – متوترا- لكتابة تلك الثلاثين كلمة , التي طلبها السلطاني منيّ , وبعد اللتي واللتيا , كتبت له تلك الكلمة, وارسلتها له بالبريد الالكتروني ايضا , وتنفست الصعداء كما يقول التعبير العربي . ومرّت الايام والشهور , ونسيت تلك الكلمة وانا في زحمة الحياة ومرارتها. ومرة , وبعد عدة سنوات , تحدثنا هاتفيا , فسألت د. خالد هل نشر تلك الكلمة , فأجابني انه – وفي زحمة الحياة ايضا- لا يتذكر , فقلت له , انها عزيزة عليّ , فهل تمانع من نشرها حتى ولو انك نشرتها في حينه , فقال انه سيكون سعيدا جدا بذلك , لأن الكتابة عن فن العمارة محصورة تقريبا بالمعماريين اساسا , وان نشرها سيوسّع دائرة الاهتمام بهذا الفن, وهكذا قررت نشر تلك السطور بغض النظر عن كونه نشرها ام لا في كتابه ذاك , وذلك من اجل ان يكون صديقي سعيدا …
ثلاثون كلمة حول رفعت الجادرجي
كامل الجادرجي ومحمد حديد من ابناء الحزب الوطني الديمقراطي
العتيد في المملكة العراقية الهاشمية, وقد تركا بصماتهما في مسيرة الاحداث السياسية آنذاك. أفل نجم الجادرجي بعد اعلان الجمهورية العراقية , لكن نجم حديد استمر بالتألق في مجالات المال والاقتصاد والسياسة في الجمهورية الاولى.
رفعت ابن كامل الجادرجي وزهاء ابنة محمد حديد تألقا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين معا( مثل والديهما), ولكن في الشتات العراقي . كلاهما اصبحا معماريين , وكلاهما استقرا في لندن , وياللغرابة . الفرق بينهما , ان عمارة رفعت ترتبط بالعراق, وهي تتبغدد , أما عمارة زهاء , فانها لا ترتبط بالعراق , وهي تتلندن. الفرق شاسع طبعا بين بغداد ولندن في كل النواحي , ولندن هي لندن وبغداد هي بغداد, ولكن بغداد بالنسبة لنا , نحن ( البغادة) الى القلب أقرب, حيث نلوذ بها لوذ الحمائم بين الماء والطين, بينما في لندن لا توجد حمائم ولا ماء ولا طين.
هل اكتملت (الثلاثون كلمة) التي طلبتها ايها المبدع خالد السلطاني؟