19 ديسمبر، 2024 12:18 ص

رفض الوصاية وانتزاع السيادة.. خيارات التحرر الكامل

رفض الوصاية وانتزاع السيادة.. خيارات التحرر الكامل

يتمسك العراقيون، وبأيمان، بحرية وطنهم  وحق سيادته،  ولا توجد منطقة رمادية في معتقدهم  وأمانهم وأرادتهم.. اما تحرر وسيادة او (خضوع و انبطاح) امام  السيناريوهات والبرامج الامريكية الصهيونية  وعملائهم في الداخل والخارج، خاصة بعد القرار الوطني الذي اتخذه البرلمان  العراقي باجلاء جميع القوات الاجنبية عن الاراضي العراقية،وفي مقدمتها الامريكية، وهنا بات الرئيس الاميركي دونالد ترامب  امام ذلك القرار مضطربا متخبطا بتصريحاته المتناقضة والمستهترة، تارة مهددا بمصادرة اموال العراق من العوائد النفطية  المودعة لدى البنوك الامريكية، وتارة اخرى التهديد بضرب مصالح العراق ومحاصرته  بكل الاتجاهات   و بشكل يثير السخرية، والشعب العراقي اليوم امام خيار التحرر الكامل او قبول الاستعمار والعبودية الامريكية. 

قراءة الواقع

 بعد تجربة اكثر من عقيد ونيف على الاحتلال الامريكي  المباشر وغير المباشر للعراق،  لاجديد في ان نرى ان ذلك نتائج الاحتلال كان جزءا من تاريخ امريكا المعروف في تعاملها مع الشعوب التي تخوض في بلدانها الحروب، حيث الاجرام والقتل والعدوان على الحريات الشخصية والعامة والاستغلال والسرقة ومصادرة الحقوق تحت مسميات كثيرة، بل والتدخل في ابسط واكبر الامور، يصل في اغلب الاحيان الى التدخل بالانتخابات والاشراف على وضع هذا الشخص او ذاك في سدة الحكم ، او غيرها من الشواهد التأريخية كذبح الشعب الياباني بالنقابل الذرية والشعب الفيتنامي بكل انواع الاسلحة المحرمة دوليا، ويطول الحديث عن هذا التاريخ القديم والحديث حتى يومنا هذا.. والشعب العراقي ضحية الولايات المتحدة الامريكية قبل وبعد الاحتلال، وقد ضاق بهم ذرعا من سياساتها ومن عملائها وحواشيها. 

 لذا كان قرار البرلمان العراقي باخراج القوات الاجنبية خطوة سيادية تحررية  وقراءة موضوعية للواقع بالاتجاه الصحيح، وهم جدريون بها و بأنتزاعها من امريكا و من كل من يريد مصادرة حريتهم وسيادتهم  وامنهم واستقلالهم وقراراتهم الوطنية السيادية، وبخاصة  بعد ان اعلنوا الحرب على  الفساد والفاسدين وطردهم من جميع المواقع في الدولة العراقية وجميع مؤسساتها  وصولا لتحقيق التغير والاصلاح الجذري وهذا يتضح ويتجسد جليا  في مطالبات ساحات الاعتصام والتظاهرات والاحتجاجات، وقدموا من اجل ذلك الكثير من التضحيات التي كانت اساس انتزاع الحقوق من كل الغاشمين والفاسدين، لان المنطق يؤكد ان الشعب هو مصدر السلطات، وبالتالي هو الاولى بتحديد مصالح الوطن وتغيرالاوضاع في البلاد .

 لقد سعت امريكا عبر منطلقات الفوضى الخلاقة التي تؤمن بها وتمارسها مع الكثير من الشعوب( ومنها الشعب العراقي) الى استمرار الحروب والاضطرابات  بكل الوسائل وتحت عناوين مختلفة، وما يعانيه العراقيون اليوم من فساد وتراجع في سلمهم الاهلي وعيشهم المشترك ونهب وضياع ثرواتهم هي بسبب امريكا  ومجساتها وذيولها، وباتت تعي الان اكثر من اي وقت مضى طبيعة فهم العراقيين لتلك السياسات الاستعمارية بطرق في ظاهرها حضارية وانسانية و ديمقراطية، ووضعهم في دوائرها الصعبة  من خلال معاهدات امنية  ووثائق الصداقة الستراتيجة الطويلة الامد.

العراقيون  ادركوا الجزء الكبير من هذه اللعبة  ومخططاتها وسيناريوهات كل ماجرى ويجري على ساحتهم الوطنية من اهداف سياسية  واقتصادية و عسكرية تخدم الاجندات المشبوهة  و في مقدمتها التطبيع مع اسرائيل و سلخ العراق عن  امته العربية و الاسلامية  والهيمنة على ثرواته واضعاف دوره الاقليمي، واليوم هم في ساحات الاعتصامات والتظاهرات والاحتجاجات يحاولون الخروج من ظروفهم الشديدة الخطورة  التي دمرت واقعهم ، الى فضاء يؤمن مطالبهم  ويحافظ على  ثرواتهم و ترتيب بيتهم  على طريقتهم الخاصة ويرفضون بقاء وطنهم  منطقة لصراعات اقليمية وداخلية واداة لمحاربة الاخرين ومرتعا ومستقرا للاجندات والاستراتجيات التآمرية الاجنبية، وبدون ممارسة اي نوع  من انواع الضغوطات عليهم  كما تفعل امريكا اليوم محاولة الامساك بشرايين العراق الامنية والعسكرية والاقتصادية والسيطرة عليها تحت غطاء مكافحة الارهاب ومساعدته اقتصاديا.

تحقيق المطالب المشروعة

ومن هذه المنطلقات الوطنية يستحضر العراقيون ارادتهم  وما تمليه عليه ضمائرهم ومواقفهم ومبادئهم الوطنية تجاه بلدهم وشعبهم.. وهنا على قادة العراق وسياسيه الاستجابة لمطالب العراقيين، وبعكس ذلك سوف نواجه لعنة الاجيال القادمة، والتاريخ سيكتب لمن يقف مع الشعب ويعمل على رص صفوفه الوطنية لمواجهة المخاطر ووضع حد لها  والعمل على انهائها، والبدء ببناء عملية سياسية جديدة منطلقاتها السيادة الوطنية  وحماية الدمقراطية الحقيقية  وصولا لبناء  الدولة العراقية المدنية الحديثة وهي مطالب عادلة، وهذا يتطلب التوجه للاستماع وبدقه لمطالب المتظاهرين والعمل على تنفيذها  من اجل  لم الشمل وتوحيد الجهود وعدم  بعثرتها ، ورفض الاملاءات من كل الاطراف الدوليه  وحتى من اقرب الاصدقاء،  لان الاملاءات اضرت كثيرا بمصالح الوطن ومستقبل ابناءه، وغذت المعارضات و التقاطعات السلبية وغير المبررة لقياداتهم السياسية والاحزاب وباتوا فرقاء متصارعين متخاصمين على مر الوقت.

 ان ما نحتاج له الان وفي ظروفنا الوطنية الراهنة، هي الاسهامات الفاعلة الايجابية لاحتواء الازمات وتجاوز الاخفاقات والخلافات من اجل الانتصار على الفشل، والانتباه لمن يريد بث الخلافات والنزاعات، لذا يجب ان تتوازن افعال واقوال وتعهدات القادة والسياسيين  بشرط ان تنسجم وتتناغم هذه الاقوال والافعال  مع طموحات الشعب  والنزول  عند رغباتة وارادته،  وان تفعل كل الادوار الخيرة لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية، وبخاصة  بعد ان تضرر العراقيين  بسبب خلافات القادة والسياسيين التي يراد تكريسها وتفعيلها  في ما بينهم  لاضعافنا وتمرير المعاهدات والمشاريع والادوار والسيناريوهات المشبوهة من اجل فرض  الامر الواقع علينا . 

بوادر النجاح

نحن اليوم امام مهام وطنية وخيارات ومفترقات طرق حساسة غاية  في  الصعوبة.. واعتقد انه لامجال بعد اليوم لبقاء واستمرار هذه  الخلافات بين جميع القادة والسياسيين العراقيين  من جميع الكتل وكل المسميات والمباشرة باتخاذ القرارات الوطنية  التي تلبي طموحات الناس بشكل عام وساحات الاحتجاج والتظاهرات بشكل خاص  وفي مقدمتها انتزاع سيادة وامن العراق وتحقيق مصالحة الوطنية في الميدان ، وهذه عوامل تساعد  في الحفاظ  على حقوق العراقيين  وثرواتهم و سيادتهم الوطنية وهيبتهم و بكل شفافية وايجابية  وان يعمل القادة والسياسيين  بنكران  ذات وموضوعية بعيدا عن كل العناوين والمسميات الطائفية والمذهبية والعنصرية ومفاسدها وفسادها، لتحقيق اهدافنا في حياة حرة كريمة  تحت راية العراق الموحد   وهي مبادئ لا تتحقق الا بايفاء القادة والسياسيين  بالعهود والمواثيق التي قطعوها  للمتظاهرين والمحتجين  والشعب العراقي عموما،  والعمل من من منطلقات شرف المسؤولية والعقد الاجتماعي الذي اقسموا عليه امام الله والشعب للحفاظ على حقوق العراقيين وحماية ثروات البلاد الاقتصادية والتاريخية ومدنية الدولة  وثوابتها الوطنية وحمايتها من السراق الذين يشجعون على  فرض الامر الواقع على العراقيين، فضلا عن العمل بذلك جنبا الى جنب مع  معالجة الفقر والبطالة وايجاد الخدمات والقضاء على ازمات السكن، وهي انجازات بامس الحاجة الى قادة حقيقيين مستقلين نزيهين يعملون بجد ويفرضون هيبة الدولة ويطبقون الانظمة والقوانين بدون خوف ومحاباة لطرف عن الاخر، كي تلوح وتظهر بعدها  بوادر الامن والاستقرار السياسي والاقتصادي  ومعالجة كل الملفات بتصميم وبجدية  و محاسبة السراق والمفسدين ووضعهم في قفص الاتهام امام الشعب والعدالة وبدون تمييز والتصدي لمن يريد قلب الاوضاع على حساب استقرار العراقيين والسيادة الوطنية واقتصادنا وثرواتنا وامننا، واعود للتأكيد على مواقف القادة والسياسيين التي مبعثها القوة والتوحد والثقة المتبادلة، التي يجب ان تتجسد وتكون حاضرة بين الجميع لنتمكن من التصدي الحقيقي وقطع الطريق على من يريد فرض  ارادته علينا وابتزازنا.

والمطلوب اليوم من القادة والسياسيين العمل على  تمزيق الاوراق التي يلوح لنا بها البعض في خلق الفوضى والاقتتال والاحتراب الوطني، وعودة الارهاب، والتي يخيفوننا ويهددوننا بها على طول الخط و يريدون من خلالها  سلبنا سيادتنا والسيطرة على ثرواتنا ومصادرة  قراراتنا وارادتنا  الوطنية .

ان كل هذه الاحداث والاسباب تلزمنا التمسك بالحقائق الوطنية ووضعها عمليا على ارض الواقع لنتمكن من  مغادرة  نقاط ضعفنا  الى نقاط التلاقي السياسية الايجابية  وهي كثيرة، و العمل في النور وتحت الشمس وترك الكواليس وما يحاك عبرها من مخططات وسيناريوهات وتكتلات، ولتحقيق هكذا مواقف سياسية ووطنية علينا الاجادة في ادائنا للدور الوطني بعيدا عن الممارسات والاخطاء التي تلحق بنا الاضرار وتنتج لنا الندم ،المطلوب منا اليوم  رفض الوصاية  المبطنة المراد فرضها علينا و بالاساليب والطرق الملتوية والترغيب والترهيب ، ولكننا في نفس الوقت ندرك حاجتنا الماسة والضرورية  المشروعة والطبيعية في بناء و تعزيز علاقاتنا مع دول العالم  وعلى مختلف الصعد وضمن مناهج واضحة وقواسم مشتركة  لهذا التعاون ومع الجميع ولكن دون ان تلحق الاضرار بمصالحنا الوطنية ،ونحن هنا لسنا بضعفاء.. وان ما واجهنا من فلتان امني و كوارث وفوضى وقتتال طائفي لن يتكرر بارادة العراقيين وبوعيهم وادراكهم لما يحاك لهم من مؤامرات وكل هذه المطالب  والاحتياجات تتجسد في مطالب المحتجين والمتظاهرين  التي تهدف الى تحقيق العدل والانصاف بين الناس، خاصة    وان العراق يمتلك كل مستلزمات الابداع والنهوض والبناء والاعمار والتجدد  وان ما نمتلكه من ثروات وطنية وكفاءات وامكانيات بشرية تساعدنا و تجعلنا اقوياء .

مغادرة  الانفاق المظلمة التي وضعنا فيها قسرا والتي ابتلعت خيرة شبابنا واراقت دماء شعبنا،  لن نعود     لها  مطلقا..  ومواجهة التحديات التي فرضت علينا ، سنتجاوزها بكل حزم وصرامة، بأعتماد الحوار العقلاني المقترن بروح الشعور بالمسؤولية  منطلقين من الحفاظ على المصلحة الوطنية و تبديد المخاوف التي يصنعها ويتستر ورائها اعداء العراق والغرباء  في الداخل والخارج،  وبات اليوم لعبهم على المكشوف.