18 ديسمبر، 2024 9:01 م

رصاصة رحمة

رصاصة رحمة

كنت صغيرة حين شاهدت الفنانة جين فوندا في الفيلم الامريكي ( انهم يقتلون الجياد ..اليس كذلك ؟) وهي تنتحر لشدة ارهاقها بعد ان شاركت في مسابقة مضنية للرقص دون توقف لعدة ايام للحصول على المال ..لم أفهم العلاقة بين العنوان ومصير بطلة الفيلم لكني سألت لأعرف ان الجياد تحصل على رصاصة للرحمة حين تصاب او تحتضر فالجواد حيوان يمتلك احساسا بالكرامة والاعتزاز بالنفس ولايحتمل الذل وكذلك بطلة الفيلم التي نفد صبرها من شدة الاهانة والاستغلال الذين تعرضت لهم على يد منظمي المسابقة اشارة الى طبيعة الحياة الامريكية الرأسمالية التي تقوم على احتكار البشر لدرجة امتهان كرامته مقابل المال ..

تلك العلاقة التي سألت عنها في صغري بين الجياد والبشر طفرت الى ذهني اليوم حين سمعت امراة نازحة تطالب المسؤولين باطلاق رصاصة الرحمة على النازحين فلربما سينهي موتهم مشكلتهم ويغلق ملف النازحين الذي يتاجر به البعض وترتاح ضمائر البعض الآخر من تلك المشكلة الكبيرة ..كانت ملامح المرأة تشي بترف زال ونعمة بعثرها النزوح وكانت تقف وسط طابور تسوده الفوضى ويحل التدافع فيه محل النظام بهدف الحصول على مساعدات شتائية من المجلس البلدي لأحدى المناطق السكنية في بغداد ..كانت المعونات تضم مدفأة وبطانيات وافرشة ومواد غذائية وكانت المرأة تنتظر دورا قد لايأتي للحصول على تلك المعونات بعد أن انتهى الصيف (غطاء الفقير ) وحل البرد والحاجة الى الاغطية والمدافيء ..سمعتها تقول لرفيقتها انها تسكن شقة فقيرة خالية من الاثاث ورطبة بعد ان غادرت منزلا فسيحا يمتليء بأفخر الاثاث والمفروشات ..و قبل ان يأتي دورها في الطابور الذي لم يعد طابورا نفدت المساعدات وصار اعضاء المجلس البلدي يوبخون النازحين الذين اعترضوا او نفد صبرهم كتلك المرأة ويطالبونهم بالانسحاب لحين ورود وجبة اخرى ..هنا صاحت المراة بأعلى صوتها تطالب بانهاء حياة النازحين صارخة بهم .كفى اذلالا واهانة ..لقد جرحتم كرامتنا ..

احد النازحين استنطقه كلام المراة فصاح بهم : ” كم دخل الى بيوتكم والاقربون منكم من هذه المعونات ؟..كفاكم متاجرة بنا “

كان هذا مشهدا بسيطا من واقعنا لم ينته بانتحار ابطاله لكنه لخص لنا قضية النازحين التي ستظل ملفا تجري مناقشته في الحجرات المغلقة ويتشدق به المسؤولون وتتاجر به المنظمات والدوائر الخاصة بتسهيل أمور النازحين اما النازحون انفسهم فلم يحصلوا على مايغير واقعهم المرير او يعيد اليهم حياتهم السليبة او يداوي جروحهم وهم ينتظرون بصبرمنحة مالية لاتسد احتياجاتهم او يتدافعون للحصول على المساعدات …

مؤخرا ..اعلنت منظمة الهجرة العالمية ان عدد النازحين في العراق خلال العام الجاري بلغ حتى الآن 2مليون و4آلاف و66شخصا ..بعضهم وجد ملاذا واغلبهم يعيشون في ظروف لايحسدون عليها أما قضيتهم فيتم طهوها على نار هادئة دون أمل بنضجها وتطول حبال الساسة وهم يخضعونها يوميا للنقاش وتبادل الاتهامات بخصوص استغلال اموال النازحين وسرقة مستحقاتهم … قد يقود اليأس والجزع النازحين ذات يوم الى المطالبة برصاصة رحمة كما فعلت المرأة قبلهم فالعراقيون كالجياد الاصيلة يعذبهم امتهان كرامتهم وتجرحهم قلة حيلتهم ولن يحتملوا حبال الساسة الطويلة فهل سيغلق ملفهم بانتهاء معاناتهم ام بانتهائهم ؟!!