23 ديسمبر، 2024 6:54 ص

رشيد الخيون..ونظرية خلق القرآن عند الخليفة المآمون…؟

رشيد الخيون..ونظرية خلق القرآن عند الخليفة المآمون…؟

رافق حكم الخليفة هارون الرشيد (ت193 للهجرة) صعود حكم البرامكة الذين كانوا حصن الدولة وضمان امنها،كانت لديهم الخبرة والكفاءة الادارية والمالية والسياسية مما مكن الدولة من الوقوف بوجه كل الأشكاليات السياسية والأدارية التي واجهتها . وهكذا هي الدول التي تعتمد على الكفاءة والمقدرة في بناء أمنها ومستقبل شعوبها. لقد أعتمد الرشيد على هؤلاء القادة وفقهاء الدولة وحسن الظن بهم فكان خير ما أختار. والفقهاء كانوا من خيرة الناس آنذاك زهدا وثباتا على المبدأ ، امثال الفقيه احمد بن حنبل وعلي بن ابي مقاتل واخرين،هؤلاء الذين في غالبيتهم لا يعنيهم المال بقدر ما تعنيهم عقيدة الدين والشرف في التطبيق الحقيقي لواقع التغيير التاريخي في المجتمع رغم أرائهم المتزمتة والمتشددة في الدين التي ساهمت بمتاعب المسلمين حالياً ،لذا فقد تعلق الناس بهم واحبوهم رغم تزمتهم في تفسير النص.فأين نحن اليوم من فقهائنا في تأييد السلطة الغاشمة حبا بالمال والسلطة دون مراعاة المصير ..لا بل بمشرعنة احتلال دولة المسلمين وقبض الثمن دون تفكير ؟ .

لا أحد يشك ان الدولة العباسية كانت منذ ميلادها (سنة 132 للهجرة) دولة تفتقر للشرعية الدينية والناس في صميم قلوبهم غير معترفين بها ، نظرة كانت ثقيلة على قلوب خلفائها ،هؤلاء الخلفاء الذين اتخذوا من ناصية الحكم وسيلة للسيطرة على الناس والدولة معاً ، وأستنزاف مواردها المسخرة لحياتهم الخاصة – بأستثناء حياة المنصور(ت158للهجرة ) – ومن ينتسب اليهم ،وظلت متمسكة بما يفرض عليها الفكر السياسي الفقير الذي واكبها بعد المنصور. كما نرى من يحكم الوطن العراقي بعد 2003 وكيف ابعدت الكفاءات وحلت محلها اللاكفاءة في حكم الدولة حتى حاصرتها الأحداث من كل جوانبها وغرقت في بحر الفوضى والانهيار ولا تدري ما تفعل اليوم ..بعد ان شرعن فقهائها وقادتها المزورين الاحتلال الاجنبي من اجل حكم الدولة بلا شرعية ولا دين ؟ .

واليوم يطالبنا الحاكم الذي دمر الدولة والناس وباع الأرض والبشر بحكم الأغلبية ليبقى هو يتصرف بالامة دون شرعية الحكم والقانون.
التاريخ لا يعيد نفسه ،لكن الاحداث تاتي متشابه في زمن مختلف.

ان المشكلة الاخطر التي واجهت الدولة هو استبدال الرشيد للبرامكة برجال اقل منهم كفاءة واخلاصا له ولدولته من بعدهم،من امثال الفضل بن سهل ، واخيه الحسن بن سهل من الفرس ،اللذين لم يتمتعا بمحبة الناس ولا رضاهم.ويليهم طاهر بن الحسين البوشنجي وهو فارسي الاصل أيضاً وليس لدية خبرة وكفاءة البرامكة الذين قضىي عليهم الرشيد بالوشاية من أعدائهم ، فقتل جعفر والفضل وشمل الغضب جميعهم بأستثاء يحي الذي كان يعتبر بمثابة والده في البيت العباسي.
واليوم يأتينا الحاكم المنهار ليحتل الوطن بعصاباته (المليشيات) يقتل من يريد وينهب الاموال حتى تحول الى عصا غليضة بوجه المخلصين ليحول الدولة خاضعة لحكم العيلاميين.
ان التصرفات الفردية دون خبرة الاستشارة الكفوءة توقع الدولة في المهالك ،ولو كان لديهم من الأكفاء المخلصين كان من الممكن أصلاح الخطأ وأعادة الجوهر الى صاحبه لوكان عند الرشيد رجال اصحاب عقول وأخلاق كما في البرامكة؟ لكن من كانوا يحيطون به ماهم الا من الشياطين ألانانيون لا يهتمون بالوطن قدر أهتمامهم بمصالحهم الخاصة،كما نشاهدهم اليوم في دولتنا الفقيرة لحكم القانون السليم بعد 2003 وكيف يحكمون ..؟
وهكذا اليوم في عصابات المتدينيين عندما حولت الدولة للجهلة والأميين من اعضاء حزب الدعوة الفاشلين..الذي لا يؤمنون بوطن ولا بدين.. وغيرهم كثير.،ولا زال رئيسم الذي علمهم السحر سادرا في غيه لقتل الوطن والعراقيين.

ان المسئولية العظمى لا يمكن ان تركن الى اهل الخيانة والغدر ،هذه حقيقة يجب ان يعرفها كل من يتطلع لحكم الدولة بالقانون،بل للمفكرين ,هذا ماافتقده الرشيد منذ ان نحى البرامكة عن سلطة الدولة.
لقد حاول الرشيد قبل ولده المآمون ان يستنجد بالمخلصين من ذوي السمعة الحسنة والامانة الصادقة ،لكنهم عرضوا عنهم لأيمانهم بعدم صدقيته في القول والعمل. فقد عرض الامر على الأمام موسى بن جعفر الصادق (ع) ليمنحه شرعية حكم الدولة حين كتب اليه قائلاً : “يا أبن عمي الناس يحترموك ،ويقدروا رأيك ،انا اليوم التجأ اليك،هبني شرعية الحكم في صلاة الجمعة ولك ما ترغب وتريد ؟.

يرد عليه الامام الكاظم (ع) من سجنه الأنفرادي ،لا يا رشيد نحن أهل البيت ما جئنا من اجل حكم الناس بالباطل ،ولو كنا كذلك لقبل جعفر الصادق حكم الدولة منذ عصر العباسيين الاوائل حين عرضت عليه، حيث يقول الامام الصادق: لرسول أبي سلمه الخلال ” قل لأبي سلمه ،نحن أهل البيت ما جئنا من اجل حكم الناس ،بل لمراقبة العدالة فيهم”…فالظلم فاشٍ ببابك يارشيد.فلا تمنحي العفو والمال والسلطة فأنا اقدر عند الله عليها منك؟ ولن ينقضي عني يوم من البلاء،حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء ،وغدا نحن امام الله سواء كل بجريرته يؤخذ وينال..”؟ .هؤلاء هم أهل البيت وليس من خان وغدر وباع الكل بالبعض اليوم وبهم بالباطل يدعون ؟

فأين من يدعون بأصحاب اهل البيت اليوم في عراق المظاليم ،وهم يسفكون الدماء ،ويسرقون المال العام ،ويقتلون شباب الوطن ويحكمون بالظلم الباطل بين الناس ؟ فهل هؤلاء حقاُ من اتباع أهل البيت ؟ لا ورب الكعبة أنهم من أتباع ابي رغال الشيطان ؟ يقول الحق:”قال نوح ربِ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا،نوح آية 26″.
اللهم بصدقك العظيم لا تذر لهم على الأرض ديارا..؟ بعد ان نهبوا البلاد وقتلوا الأولاد وخربوا البلاد.

ان الرجال الذين اعتمد عليهم الرشيد بعد البرامكة كانوامن مستوى اخلاقي وضيع لا يركن اليهم في شدة ،ولا في مهمة امر الدولة، والعلاقة بين بعضهم والبعض الاخر مبنية على المصلحة الخاصة وليس لديهم من امور الدولة في شيء.كلهم جاؤا بالوشاية الكاذبة والطرق الملتوية والخيانة الظاهرة والمخفية كما هم في أحزاب العراق الجديد اليوم ؟.
وصدق الشعار الذي رفعته الجماهير المظلومة : “باسم الدين باكونه الحرامية “… أحسن وأنبل شعار رفع بحق حكام العراق الجديد اليوم..؟

،لقد كان الرشيد يشعر بذلك لكن ليس لديه قدرة المجابهة بعد ان سيطر عليه المرض من جهة والارتباك السياسي في دولته من جهة اخرى بعد ان أخذته العزة بالآثم في حكم الناس مخالفا للنص المقدس. لقد مات الرشيد بعلة المرض نادما لما عمل ،لكن الندم لا ينفع على فراش الموت النادمين..فهل يتعضون من اغراهم الباطل في عراق المظاليم اليوم فخانوا الله والوطن ؟، مات الرشيد ودفن في طوس غريبا بين أعدائه ،ولا زال قبره موجودا الى الان هناك لا يزار، كما مات معاوية وقبره هناك في الشام لا يزار .وسيموتون قادة العراق الحاليين وقبورهم ستبقى ترجم في الحجرالى أبد الأبدين ..كما يرجم اليوم ابو رغال في مكة.

ومرد كل هذا يعود الى فقرالفكر السياسي عند المسلمين والى اليوم.

بعد الرشيد استلم الخلافة ابنه الأمين ابن زبيدة العربية وهو أصغر من أبنه الاخر المآمون بستة اشهر،لكن الامين كان اضعف في امور السياسة من اخيه المآمون ووزيره الفضل بن الربيع هو الاخر لا يصلح لسياسة الملك،بينما المآمون كان لدية من التدريب في خراسان ووزيره الفضل بن سهل أحنك منه ادارة وسياسة..وحين اشتد الجدال على الخلافة تأمر المآمون على قتل اخية فقتل لتنتقل الخلافة الىيه مؤيدة من الفرس مرة أخرى.كما هم يعملون اليوم لتدمير الوطن العراقي وتحويله الى ضاحية لهم …أنهم يخسئون..؟
وتعود النقلة والتوجه نحو البيت العلوي ثانية في عهد المآمون والطلب من الامام علي الرضا بن موسى بن جعفر(ع) ان يقبل ولاية العهد ، لكنه رفض لعلمه بعدم صدقية المآمون فهدده بالقتل ان لم يقبل ..فقبلها وهو كاره لها..وما مرت الا شهور حتى دبر له مؤامرة الاغتيال وتخلص منه .

بعد الفشل بأنحيازه نحو الجانب العلوي ساعتها ادرك المآمون ان لا مكان لديه الا تحت العباءة العباسية فنزع الخضرة ولبس السواد مرة اخرى، لكن من اعتمد عليهم ظلوا في مركز الدولة يثيرون الدسائس والفتن ،وهذا شأن كل حاكم يعتمد على الغرباء ومن لا يخولهم القانون حماية الدولة ولا يعطيهم صلاحية التصرف.لكن الفقهاء ظلوا خارج السلطة والاهمية متماسكين ثابتين على المبدأ والعقيدة دون خوف من احد، لذا بدا يفكر في القضاء عليهم ليتخلص ممن لهم سلطة الدين والمحبة في قلوب الناس لكنهم مع الاسف كانوا بلا افكار تجدد الواقع اللئيم.
وهكذا جرت الويلات على الفقهاء وعليه معاً.ولقد علمنا التاريخ ان غالبية القاده يجدون المبررات لتصفية الخصوم خارج الشرعية الدينية والسياسية ،والعصر الاموي والعباسي والعصر الحديث مليء بهذا التجاوزات. والذي جر عليهما وعلينا الويل والثبور واسقاطهم والدولة معاً .فهل قرأ قادتنا اليوم تاريخهم ليستلهموا منه العبر.

لكننا تركنا واقفلنا اذاننا عن الله واياته الكريمة واغلقنا ابصارنا عنها فوقعنا في خطأ التقدير الذي منه نعاني الى اليوم في الميثاق والكتاب ،والقرآن يقول”أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب أقفالها(24 سورة محمد).

لم يكن اجراء المآمون على الفقهاء اتهام واحد وكفى بل قسمه الى مراحل ، الاول توجيه اللوم لهم والثاني اختيار نماذج منهم للامتحان،وفي الحالتين كان غير موفق .
ففي الحالة الاولى كان قد اصدر كتابا فاضيا لا تلمس منه اية حجج دينية اوعلمية يسوقها ضدهم وانما كلام اذا ما قرأته تراه عائم وغامض(انظر رسالة المآمون في الطبري).القصد منه انتزاع سلطتهم ليس الا واعطائها الى رجال المال والنفوذ وكلهم لصوص بلا ذمة ولا ضمير..لكن التجائه لهم لانه كان لا يملك البديل..
وفي الحالة الثانية يريد ان يقول لهم هو المسئول عن الدنيا ومن فيها وعليهم الطاعة،والامر الثاني ،ان القرآن مخلوق وغير قديم ،اي نزل لمقتضيات الاحداث وليس ازليا في اللوح المحفوظ وفي الحالتين يريد ان يكون سلطان الله في ارضه دون منازع. لان في الاصل لاقضية تطرح اوتناقش ابدا سوى الرغبة في الملك المطلق.

وفي محاورة ابراهيم بن اسحاق للفقيه احمد بن حنبل لم يوفق في هدفه ولم يصل الى نتيجة يريد ان يصل اليها،وكررت مع الاخرين ففشلت دون نتيجة والحوار طويل من يريد مراجعته عليه ان يعود( الى الطبري)،ولم تنتهِ المحنة القاسية الا بوفاة المآمون المفاجئة بطرطوس( لكن من جاء من بعده من الخلفاء كالمعتصم لم يصل مع الفقهاء الى نتيجة ،وبقيت الخلافة واستحقاقها هي المشكلة حتى انتصر الفقهاء على يد المتوكل الذي مال اليهم وترك نظرية المآمون واخيه المعتصم.

،لكن الحقيقة هي لا العباسيين ولا العلويين ولا الامويين ولا غيرهم يستحق الخلافة لانها ملك الامة بموجب آية الشورى ،والأمة هي التي تختارهم،وهي التي تعزلهم أذا لم يحسنواالخلافة (انظر دستور المدينة في مادته الثانية والرابعة)، والتجاوز عليها باطلا هو الذي اضاعهم واضاع ملكهم وانما الذي ينبغي ان نؤمن به ونقرره دائماً هو ان الخلافة حق الامة يرأسها من هو احق بها خلقا وعلما وادارة لا محاصصة للاغبياء الطامعين ،فلا وصية لمحمد(ص) فيها لاحد من بعده،وما جاء في وصية غدير خم ما هي الا تأكيدا لأختيار الكفاءة لا غير وليست نصا في احد.لأن الرسول (ص) ليس من حقه ضرب آية الشورى في حكم الامة .فالاسلام للجميع ورئاسة الامة بالاختيار ولا يحق لاحد كان من كان اغتصابها كما فعل بني امية والعباسيين والفاطميين من بعدهم،وهذه هي مشكلتنا الى اليوم.وكما قيل :” ما سل َسيف في الاسلام مثلما سُل على الخلافة..

أنظر :
——————
الطبري : الرسل والملوك ج8 صن 638 وما بعدها,
ابن الاثير : عصر المآمون.
حسن مؤنس : تنقية اصول التاريخ الاسلامي ص195 وما بعدها

[email protected]