قضية تهريب النفط والرشى التي تدفع الى الشركات الاحتكارية وكبار السياسيين برزت وطفت الى السطح زمن النظام الصدامي آبان الحصار في محاولة للالتفاف على العقوبات الدولية على العراق.. واسس عدي صدام حسين شركة لتهريب النفط من البصرة الى الخليج العربي وبمساعدة من البلدان الواقعة اليه وبعض النافذين الذين دخلوا هذه اللعبة لتحقيق موارد مالية تنفق على العائلة الحاكمة .. اليوم من جديد تطفو الرشاوى التي دفعت الشركات الاحتكارية ايضا الى كبار المسؤولين في حكومة ما بعد الاطاحة بصدام حسين..
الفارق الصارخ عما سبقها انها كشفت من خارج البلاد من وسائل الاعلام الاجنية، فيها كشفت (كوبونات النفط) من قبل صحيفة المدى.. وفي كلا الحالتين تحركت الدول والحكومات في تدمير الاقتصاد الوطني العراقي لمحاسبتهم، فيما وقفت الحكومة مما كشفته جريدة المدى موقف المتفرج ولم تفعل شيئاً، ولم تقم دعوى واحدة على أي من الذين وردت اسماؤهم في قائمة الفساد الشهيرة ونهب المال العراقي فيما يعاني اهل العراق صغارهم وكبارهم من الكوارث التي حلت بهم، واحالة حياتهم الى جحيم لا يطاق ويتحسرون على حبة الدواء ولقمة الخبز وما الى ذلك من انعدام الخدمات، واللئام يبذخون ويلقون في القمامة اطنان الغذاء ..
اية حال، يجمع السياسيون والاقتصاديون على ان العلاج والاصلاح للازمة الاقتصادية يبدأ بمحاسبة الفاسدين والمفدسين والا لامعنى لاي وعد يقطع الى الناس ويصبح مجرد حبر على ورق، وتخدير ومحاولة لقمع التظاهرات وذبحها بقفاز من حرير..
المصيبة في بلادنا ان الذين دمروا اقتصاد البلاد ورهنوا ثروته بعقود التراخيص التي اتضح انها اسوأ من المشاركة معروفون ولا يزالون يتبوأون اعلى المناصب في الدولة، ومن المسؤولين المباشرين عن الثروة النفطية التي تحولت ملكاً لهم يمنحون لمن يشاءون مقابل رشى تافهة. الواقع ان ما كشفته الصحافة الغربية وثم فتح التحقيقات من حكومات عدة ينبغي ألا يجعل المسؤولين في بلادنا ينامون ساعة واحدة ما لم يسوقون الذين وردت واسماءهم وكانوا سبياً في حرمان العراقيين وهدر ثرواتهم الى التحقيق واحالة من يثبت تورطه الى القضاء.
المفارقة ان جميع من هم في هرم السلطة من التحالف الشيعي الذي يقود السلطة منذ التغيير في عام 2003، ليس بينهم غريب او مناوئ حتى في الادعاء للسلطة.
الان، اذا كان رئيس الوزراء جاداً في الاصلاح وقبله ان تكون بدايته صحيحة البدء بمحاربة الفاسدين، وان يبادر الى التعاقد مع احدى الشركات الاجنبية للمحاسبة وذات الاختصاص ووضع كل الامكانات والمعلومات تحت تصرفها والتعاون ايضاً مع اللجان العالمية المشكلة للتحقيق في هذه الفضيحة التي تزكم الانوف. والضرورة تقتضي ألا يقتصر التدقيق والتحقيق على هذه الفضيحة، وانما منذ تشكل النظام الجديد، والعودة الى موانئ التصدير غير الشرعية في البصرة والى تحميل الناقلات بالذرعة والى ثقب الانابيب، أي ان يكون العهد بعد الطاغية صدام حسين كله تحت دائرة الشك، وان لا يقتصر على الوزراء وانما يمتد الى المدراء العامين والاحزاب المتهمة في حينها وكل النافذين بما في ذلك الذين استوردوا مئات الملايين من المشتقات النفطية ويقال انها كانت استيرادات على الورق او انها براميل فضائية هذه قضية سياسية واقتصادية فمن خلال تعافي الحقلين اللذين هما عماد النظام الذي ينشده المواطن للحفاظ على خيراته والتمتع بها والا فأي حديث عن الاصلاح لا يكون جدياً ولا يمكن ان نتجاوز المحاصصة والنظام المشوه الذي تم بناؤه.