18 ديسمبر، 2024 9:07 م

العمل السياسي لا يعرف العواطف، فمن ينبري لتمثل امة او شعب او مذهب او اي مجموعة اجتماعية يجب عليه ان يحقق لها مطالبها وتطلعاتها، اما مشاعرة وخصوصياته ومصالحة فلا مكان لها، هذا ما غاب عن اذهان من تصدى لتمثيل الطائفة السنية في العراق، رغم العروض والفرص التي كانت امامهم.
عندما انطلقت العملية السياسية قاطعها السنة تحت تأثير فتاوى اثبتت ان اصحابها لا يفقهون تكليفهم فضلا عن تكليف الامة، لكن الاغلبية االشيعية ” سأشتم على هذا المصطلح” لواقعيته التي اراد السنة القفز عليها بلا اجنحة او عصا قفز مضمونة، عندما عولوا على نصائح وتوجيهات ممالك لحد اللحظة لا تعرف معنى الدولة، لذا تتعامل مع الاحداث بعقلية القرون الوسطى، اصر الشيعة على مشاركتهم ومنحهم مقاعد في الجمعية الوطنية، وتمثيل في لجنة كتابة الدستور، الا ان ممثلي السنة وبعض رجال الدين وممالك الاسناد في الجوار، فهمت الرسالة خطأ حيث عزت هذه المنحة للضغط الامريكي تارة وللخوف الشيعي اخرى! التفسير الاول انتفى بفرض الانتخابات وتشكيل لجنة لكتابة الدستور رغم الاصرار الامريكي على خلافهما، التفسير الاخر الشيعة دخلوا العراق ولديهم فيلق قتالي هو فيلق بدر، ويمتلكون زخم اسقاط نظام الرئيس صدام، وشعور شارعهم بالمظلومية واندفاعه للتعويض، اضافة الى ان الشيعة على مر التاريخ من اكثر الطوائف الاسلامية معرفة وتقييم لقدراتها وامكاناته، لذا سن مشرعهم التقية وسواها، وليس في قاموسهم شيء اسمه تجريب او مغامرة،
اما السنة عام 2003 اصيبوا بالصدمة والذهول بعد سقوط نظام حزب البعث، حيث غلب الخوف من الانتقام الشيعي وحتى الكردي منهم بسبب تصرفات واعمال النظام السابق، لذا لا يوجد للخوف مكان في الواقع الاعلى بناء النظام وفق معادلة جديدة.
دارت عجلة العملية السياسية بقيادة اثنين من اهم حلفاء ايران عزيز الحكيم وجلال الطالباني، الاول كبر وترعرع في احضان السافاك والحرس الايراني والاخر لا يقل عنه حنكة وولاء لإيران الذي ساندته ضد البارزاني فضلا عن علاقتهما الشخصية، كان ابرز ممثلي السنة عدنان الباججي، تقصد عزيز الحكيم اهانته واسكاته عندما كان رئيس السن لأول دورة برلمانية، عندما بدأ الحديث من على منصة رئاسة البرلمان، كان عزيز الحكيم يضع رجل فوق الاخرى في صف االبرلمان الاول الى جانب طالباني، وخاطبه، هذا” هذا موشغلك، سوي انتخاب رئيس وانزل”، استلم الباججي الرسالة وفهم مغزاها، عندها انسحب من العملية السياسية بهدوء، فالقوم يفهون حجمهم وقوتهم وتأثيرهم، ولا يمكن لأعمال المراهقة السياسية ان تؤثر فيهم، يريدون أشراك السنة في العملية السياسية، لكن حسب حجمهم وعددهم، لتكون حصتهم في القرار والحكومة وفق هذه النسبة لا غير، اما اذا ارادوا غير ذلك فعليهم ان يكونوا اتباع لا شركاء، هذا سر اقرار قانون الاقاليم بالأغلبية في حينه، ليس لأهميته كقانون بل تكمن اهميته بتعريف القوم بحجمهم، ليت القوم فهموا الرسالة وتصرفوا بموجبها..لكن!
كانت هناك فرصة للحصول على مكاسب ولو مؤقته للسنة لو انهم اسندوا الولاية الثالثة، قلنا في حينها لكن حسبنا على “سنة المالكي”، المكاسب لا تأتي لان المالكي يمكن ان يفرط بميزة الاغلبية، لكن طريق المالكي في تسليط الاغلبية من خلاله وليس
من خلال غيره من الشيعة وان تنازل فمن خلال حزبه، فهو يحمل مشروع سلطة على خلاف الحكيم الذي يريد مشروع شيعي يجمع الشيعة كي يغلق الثغرات والمنافذ امام كل من يحاول اعادة المعادلة الظالمة كما يصفها الحكيم الاب، وهذه الرغبة والمشروع الايراني في العراق، مما سبق يمكن تفسير خطوة عمار الحكيم يوم امس الاول عندما ترك اتحاد القوى ومضى بقانون الحشد الشعبي، ايضا ليس لأهمية القانون بحد ذاته، بل اراد ان يوصل رسالة مفادها” هذا حجمكم، ترغبون الاشتراك بالحكومة والقرار وفق هذا الحجم، وان لم ترغبوا فأذهبوا اينما شئتم فلدينا الاغلبية السياسية ولدينا القوة العسكرية ولدينا البدلاء لتمثيل السنة”، توقيت رسالة الحكيم قبل انطلاق نقاشات مشروعه للتسوية، الذي تبناه التحالف الوطني بحلته الجديدة كتلة موحدة لها القدرة على التحكم بالمعادلات وتحريكها بما تشاء، كونهم اغلبية ومنتصرة، هل سيفهم ساسة السنة هذه الرسالة والتعامل وفقها؟! والابتعاد على الاسطوانة المشروخة التي رددها بيان اتحاد القوى ومؤتمر النجيفي الصحفي، الشيعة يتحدثون وخلفهم دولة نووية ولديهم قوة عسكرية ولديهم اغلبية سكانية، نصيحتي التي اتمنى ان يسمعوها ولو مرة، تعاملوا مع الواقع على الارض فشركاء 2010 غيرهم شركاء اليوم، واليات عملكم من 2003 الى الان، نتائجها شاخصة في محافظاتنا لا ارض ولا جمهور، فهل ستتعضون!