23 ديسمبر، 2024 12:54 م

رسالة من لندن بتأريخ الأمس

رسالة من لندن بتأريخ الأمس

بالأمس أجبرتني لندن على السهر فكيف ينام المرء ولندن مستيقظة ..بالأمس شاهدت تمازج الالوان وتعانق النجوم وتراقص الاشجار لاول مرة اشاهد نهر التيمز (thames )  بهذا الصخب الجميل عكس ما عودنا عليه هدوئه الآسر بالأمس دقات ساعة بيج بن تختلف عن باقي الايام بالأمس حدث كل شيء على غير العادة فمدينة لندن التي عرفت بهدوئها ونظامها خلعت بالأمس هذا الثوب وارتدت ثوب المرح الطفولي وتزينت شوارعها ومسارحها ومكتباتها بشعار الاولمبياد ,, لم يكتب شعار حزب او طائفة او جهة فالكل مواطنون وواجبهم انجاح هذا العرس الكبير فهذا ماعلمته انكلترا للعالم على الدوام (المواطنة فوق كل انتماء) بالأمس ادهشنا المخرج داني بويل  الذي استلهم  فكرة حفل الافتتاح الذي كلف نحو 27 مليون جنيه إسترليني (42 مليون دولار) من مسرحية “العاصفة” لوليام شيكسبير التي كتبها في أواخر حياته حول العمر والفناء..
 بالأمس اوقع المخرج قلوبنا عندما صور لنا هبوط الملكة اليزابيث من المروحية برفقة الممثل دانييل كريج بطل سلسلة افلام جيمس بوند حيث تبين فيما بعد ان التي قفزت هي ممثلة دوبلير وليست الملكة اليزابيث,, اه.. كم ضحكت لهذه الخدعة الجميلة, اراد القائمون على الحفل ايصال رسالة للبريطانيون و للعالم من خلال عرض الافتتاح مفادها ان تاريخنا ومجدنا وانجازاتنا صنعتها سواعدنا وعقولنا بداً من الثورة الزراعية ثم الثورة الصناعية ثم ثورة التكنلوجيا والمعلومات ارادوا ان يقولوا هذه بريطانيا صانعة كل مجد ورائدة كل منجز من منجزات الحضارة فلا تقولوا ذهبت اربابه كل من سار على الدرب وصل..
بالأمس استوقفتني العديد من من الصور الجميلة التي أعجز عن احصائها وذكرها فأينما تجول ببصرك تجد شيئا يستحق الامعان والتفلسف فما أحوجنا البارحة لسقراط وافلاطون و جان بول سارتر، وسايمون دي بوفوار، وألبرت كامو.. فهنا لوحة وهناك جمال وتلك رائعة وهذه مذهلة لكن اكثرما شدني من بين كل  هذه الاشياء الجميلة هو سؤال واحد هل بأمكاننا استضافة هكذا حدث والخروج به بهذه الصورة المشرقة؟؟؟  وسرعان ما أجبت نفسي ب (كلا) لاسباب عدة ليس منها القصور موضوعي اذا اجملناه بالجانب المادي فنحن نملك الوفرة النقدية التي تكفي لاقامة 10 اولمبيادات في العام الواحد لكن هناك قصور ذاتي في فهمنا وتقبلنا للأخر بالأمس شاهدنا كل شعوب الأرض بكل الوانها وجميع الديانات الرئيسية وحتى ديانات الهنود الحمر و اسلاف حضارة المايا وكافة الدول حتى التي لم تنل اعترافا بعد من الامم المتحدة  بالأمس  شاهدنا اعداء بريطانيا على ارض بريطانيا  مرحب بهم كضيوف اعزاء شاهدنا كيف تطوع الشباب الانكليزي لخدمة انكلترا في عرسها الكبير شاهدنا انحناء الحاكم لتحية المحكوم شاهدنا وقوف الاطفال على ظهور الكبار شاهدنا البيض والسود في عناق والبوذي والهندوسي في مودة والغني والفقير في نفس الصف  كل هذه الأمور وغيرها ما زالت مفقودة في ذواتنا  لم نتقبلها بعد رغم عالمية هذه الثقافة  ومحلية ثقافتنا نحن كرام فعلا لكن مع من نحب نحن شجعان حقا لكن فقط  بقتل بعضنا البعض نحن متطوعون اوفياء لكن فقط عندما يكون هناك موت فقط نحن نحترم الاخر فقط عندما يكون عونا لنا على اخيه !! نحن متواضعين بسطاء فقط مع من هو متكبر علينا لهذه الاسباب لا نستطيع ان ننظم هكذا حفل حتى كلمة حفل اصبحت غير محبذة لدينا فلم نعد نألفها في حياتنا كثيرا نحن عاجزون ان نجمع بين اثنين من نفس الديانة لأنهم من غير طائفة نحن نطرد الفرق الموسيقية التي تأتي لمهرجان بابل بداعي قدسية ترابنا الى الان ترابنا مقدس اما انسانا فغير مقدس ,, نحن نختصر الفرح ((العرس)) في يوم واحد اما العزاء ((الفاتحة)) فيستمر لاربعين يوما .. الى الان لم ندرك حقيقة ان الانسان هو الغاية وهو الوسيلة ..!
 احتفالية الاولمبياد ارسلت الينا برقية تقول(( اما ان نعيش مع الاخرين وننسجم بالنظام الكوني ونصبح جزء منه ونفهم ان في الحياة الوان كثيرة غير السواد  او  ان نعيش خارج التاريخ ونقر بذلك فعليا وضمنيا  , لا أن نعيش خارج التاريخ ونوهم أنفسنا بأننا  في مركز الكون واننا أفضل الأفضلين ..))
في الأمس في لندن الكل كانوا أصدقاء الكل كانوا بسطاء بلا غرور او خيلاء هذا ما جعلنا بعرسهم سعداء
شكرا لك لندن على  هذه السعادة وهذه الرسالة .