18 ديسمبر، 2024 6:25 م

رسالة من كاتب عراقي الى الدكتور النفيسي

رسالة من كاتب عراقي الى الدكتور النفيسي

• دكتور.. ربما لا أدانيكم مرتبةبالدرجة العلمية، وإن حبوتُ خطوة بالحصول على دكتوراه فخرية في مجال الإعلام الحديث، مع اختلاف كبير بين واقعينا، وبيئتينا، وما ركز في ذاكرتينا.
في سنيي الستين، عايشت أسوأ فترة من تأريخ العراق في العقود الخمسة الأخيرة.
بعد مولدي بعام و شهر حدث انقلاب عبد السلام على عبد الكريم الذي انقلب على الملكية قبل مولدي بأربعة أعوام.
وفي طفولتي سيطر البعث الدامي على مقاليد الحكم في العراق، وأسس نظام دكتاتوري دموي بوليسي بأجهزة قمع تجاوزت العشر مؤسسات.. ومع تدرج وعيي وفي اولى سنوات الشباب في المرحلة الجامعية عايشت الحرب العبثية بين العراق وإيران، التي خلفت ملايين القتلى والجرحى والمعوقين والارامل والثكالى والأيتام.
وبعد انتهاءها بشهر ونصف تم اعتقالي وفق المادة ٢٢٥ بتهمة ( التهجم على رأس النظام ) ودخلت في غياهب السجن، وذقت ألوان عذاب توسلت في فصولها الموت، للخلاص من جحيم الشعبة (٥) المرعبة في المؤسسة القمعية ( الاستخبارات العسكرية) وبعدها بعامين حلت الكارثة الكبري (احتلال الكويت) . وعشنا فترة السقوط التام .. حصار اقتصادي وحصار أمني، وتردي شمل كافة اوضاع الوطن والمواطن، صاحبه إنهيار في البنى التحتية… وانهيار اقتصادي – اجتماعي- ثقافي- فني تواصل في انظمة التعليم والصحة والبنى التحتية.
وبعدها في عام ١٩٩٥ هربت الى كردستان وأسست صحيفة معارضة للنظام بإسم ( المنار) وشاركت في مؤتمرات المعارصة العراقية مستفلا “وتواصلت معي، حينذاك، شخصيات لم تكن كما هي عليه اليوم من مكانة ومركز ووضع مالي واجتماعي ومكانة سياسية.
وللفترة من ١٩٩٥ – ٢٠٠٣ تعرضت للملاحقة والتضييق والسجن والإبعاد، ومحاولة اغتيال من عناصر تسللت الى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بمسميات شتى.
وبعد سقوط النظام .. توقفت صحيفتي عن الصدور في شهر نيسان من عام ٢٠٠٣.

يُقال.. ان الثورة تأكل ابناءها.. وأنا تم أكلي تماما.
لم أحصد ثمار تضحيتي لأشغل منصبا في المرحلة الجديدة مابعد ٢٠٠٣، لأني كما أسلفت مستقلا.
عدت الى عملي بمؤسسة حكومية، واستحدثت بمهنيتي وخبرتي موقعا اعلاميا .. واليوم أنا بعيد عن وليدي قسرا.
بالأمس ازلام صدام بعد ان تحسسوا من كتاباتي.. تجسسوا وسجلوا اقوالي المناوئة للحكم الدكتاتوري، ورموني في غياهب المعتقلات..
واليوم انا معتزل قسرا، وبكلمة ثانية معزول وكأن هناك تناغم وتواصل بين مرحلتين لقتلي..
بيد أن من يمتلك قلما حرا يُحارب، لأنه قلم يجعل من يطلع على نزفه يتحسس مقعده.
أليس تهميش وتجميد الشخص أقسى من قتله. أليس قتل الشخصية أقسى من قتل الشخص؟؟
أكتب إليك.. عودا على أيام الصبا والشباب، وللوشائج بين العراق عامة، ومدينة البصرة خاصة، ودولة الكويت العميقة.
ربما.. لأولى بوادر الوعي ..مجلة العربي وجرائد القبس، الرأي العام، الوطن وغيرها.
وربما الراحل عوض دوخي الذي كنت انتظر اغانيه بالاستماع الى استعراض البرامج في الاذاعة الكويتية واسجلها على مسجلي الصغير، بعد الساعة العاشرة مساء وهو حب تواصل مع الرويشد ونوال.
وربما لشغفي بالراحل عبد الحسين عبد الرضا وسعاد وحياة والمفيدي والغنام..
وربما لعشقي لنجوم الكرة يعقوب والحوطي وكميل والعنبري والدخيل وفليطح وجمعة والجاسم..
وربما لوجود آمن من ملاحقة ازلام النظام للراحل فؤاد سالم وطالب غالي وقحطان العطار الذين عشقناهم وحرمنا من الاستماع إليهم ردحا طويلا. وكانت ” الكاسيتات وهي من انتاج شركة النظائر” نتبادلها خلسة، خوفا من عين وأذن الرقيب.
ماسردته.. هو نموذج لمثقف عراقي عاش كل فصول الانكسار، لكنه بقي متكئا على يراعه لينزفا معا.
دكتور.. أمني النفس أن تتناول في احاديثك ومحاضراتك التحولات التي مرت بها الثقافة في العراق، وليطلع أشقاءنا في دولة الكويت في حوار إن شئت ان نلتئم به معا على فصول الزمن الصعب الذي عاشه المثقف العراقي.. لتكن ضيفي او اكون فيه ضيفك، وبالتأكيد سيكون لحوارنا مابعده.