لم يكن في ذهني الكتابة عن هذا الموضوع وتوجيه هذه الرسالة المفتوحة الى معالي وزير التربية والتعليم الدكتور محمد اقبال الصيدلي ومعالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور عبدالرزاق عبدالجليل العيسى لولا تواصل العديد من أولياء أمور الطلبة معي والحاحهم في الكتابة عن مصير فلّذات أكبادهم وحيثُ لم يألُ جهداً أحدهم في الإجتهاد والمثابرة يعاضدهم في ذلك أولياء أمورهم في محاولة توفير مستلزمات مسيرتهم الدراسية وبذل الغالي والنفيس لضمان مستقبلهم من خلال تحصيلهم الدراسي والدخول في الكليات ذات المكانة العلمية والمجتمعية العالية.
وسأتطرق بشكلٍ رئيسي الى المواليد التي أصابها الغبن والحيف أكثر من غيرها لمصادفة دخولهم المدارس (الصف الأول الإبتدائي) بالتزامن مع التغيير الجذري الذي حصل للأنظمة والمناهج التعليمية بعد التغيّرات السياسية الكبيرة في البلد عام 2003م والتي لم تستقر بأساليبها التربوية والعلمية لحد كتابة هذه السطور وبعد مرور أكثر من أربعة عشر عاماً على التغيير!!، مما جعل هذه المواليد عبارة عن “حقل تجارب” فاشلة في معظمها للأنظمة التعليمية والأفكار والتصورات للمسؤولين وإجتهاداتهم، وحيثُ جرت العادة الى تغيير كل ما يخص التعليم مع تغيّر الوزير أو وكيله أو بقية الإستشاريين التربويين!!.
فإذا كان في نيّة من تبوّء المناصب بعد سنة 2003م التغيير فقط لغرض التغيير دون تمحيص أو تدقيق ما هو صالح أو طالح ولغرض التخلص فقط من كل ما له علاقة بالنظام السابق ومحاولة عدم الإبقاء على الأنظمة السابقة!!!، فكان الأجدر بمسؤولي النظام السياسي الجديد خاصة في مجال التعليم إرسال الوفود الى دول محددة في العالم والمعروفة بتقدمها العلمي مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من البلدان للإطلاع على تجاربهم وأنظمتهم التعليمية والعودة بتفاصيلها ثمّ الجلوس حول طاولة مستديرة للأخذ بإحداها كاملة غير منقوصة بعد إغنائها بالبحث والتمحيص وتقرير أياً منها يتوافق مع مجتمعنا، ومن الممكن إجراء بعض التعديلات الطفيفة التي لا تؤثر بأي حالٍ من الأحوال على جوهرها لتتماشى مع طبيعة الطلبة العراقيين وظروف مجتمعهم، ولماذا أقول يجب الأخذ بإحدى تلك التجارب كاملة وغير منقوصة!!، فيكون الجواب: لأن هذه البلدان قد أشبعت أنظمتها التعليمية بالدراسات العلمية الميدانية لفترات طويلة وجرى تعديلها مرّات عديدة الى أن وصلت الى شكلها النهائي، لا أن يتم أخذ أجزاء أو فقرات من كل تجربة أو نظام تعليمي في العالم ومحاولة دمجها في نظام واحد بحيث يصبح هذا النظام “مسخ” لا يشبه أي نظام رصين في العالم وعلى شاكلة المثل العراقي “من كل چدر كُبّايه”!!!.
فمشكلة مواليد سنة 1999م وما تلاها من المواليد تكمن في كونهم أول الأجيال تم تطبيق الأنظمة التعليمية الجديدة عليهم كونهم بدءوا في مراحلهم الدراسية الإبتدائية في سنتي 2006 أو2007 عندما بدأ التعليم بنظام مختلف عن الأجيال التي سبقتهم وحيثُ إبتدأت “التجارب الميدانية” عليهم وكما أسلفت في مقدمة هذه المقالة!!، وغالباً ما كانت تلك التجارب فاشلة بإعتراف المسؤولين عنها والمتزامنة مع التغيّرات الدراماتيكية في العملية السياسية ومسؤوليها من الوزراء وظروف البلد التي لا تزال إستثنائية!!، مما نتج عنها تداخل أوتقاطع الإجتهادات لعدم وجود خطّة واضحة ونظام واضح للعملية التربوية، مما يعني التخبط في المسار التعليمي وتعثره وهذا الأمر قد تمّ طرحه في وسائل الإعلام وبصورة قد تكون يومية وحيثُ لا تزال وسائل الإعلام تطرح مساوئه.
وأحد تلك الأسباب الرئيسية لهذا التخبط (ولنكن صريحين) هو تبوّء العناصر (التربوية) الغير كفوءة للمناصب العالية والفاقدة للتجارب والخبرة الفعلية في معظمهما!!، وحيثُ جاءوا بأغلبهم مع التغيير سنة 2003م من خارج العراق بعد أن كانوا قد تركوه منذ عشرات السنين بسبب نشاطاتهم السياسية المعادية للنظام السابق، والبعض منهم لم يمارس التدريس أصلاً على الرغم من تخرجهم من الكليات ذات العلاقة وهروبهم بعد تخرجهم خارج العراق نتيجة الملاحقات الأمنية بسبب نشاطاتهم السياسية.
كذلك لا ننسى إفراغ جميع المدارس في ليلةٍ وضحاها ومنذ أول يوم دراسي بعد الإحتلال سنة 2003م ولجميع المراحل الدراسية إبتداءً من الكليات والجامعات العراقية وإنتهاءاً بالمدارس الإبتدائية من عناصرها الإدارية الكفوءة ذات التجارب الغنية بحجة إنتمائهم الى حزب البعث، مما أثّر بشكل كبير على سير العملية التربوية (جميع رؤساء الجامعات ورؤساء الأقسام وعمداء الكليات ومدراء ومديرات المدارس الإعدادية والمتوسطة وحتى الإبتدائية قد تمّ فصلهم من وظائفهم ومن ثمّ إحتسب البعض منهم محالين على التقاعد)!!، وهذه حقيقة لا مجال لنكرانها، وحيثُ تضرر الكثير من المخلصين لمهنتهم التربوية بتهمة الإنتماء الى النظام السابق دون الأخذ بنظر الإعتبار وصول هؤلاء التربويون في معظمهم الى مراكزهم عن طريق كفاءاتهم المهنية مما إنعكس سلباً على العملية التربوية، ولي في جعبتي أمثلة لا حصر لها ولا مجال لذكرها الآن.
أعود الى جوهر ما أبغي إيصاله للوزيرين المعنيين بالأمر والقول من أنّ أكثر المواليد المتضررة تربوياً من جرّاء المتغيّرات السياسية التي حصلت في البلد بعد عام 2003م هي المواليد التي نوهتُ عنها أعلاه، وحيثُ لا يخفى على الوزيرين ما رافق هذه المتغيّرات من سلبيات في العملية التربوية مع البدأ بتغيير الأنظمة والمناهج الدراسية وطرق تدريسها وتفشي الفساد الذي لا يستطيع كائن من كان نكرانه والإتهامات بين أعضاء الكادر التدريسي حتى وصلت الى سرقة الأسئلة الإمتحانية و(تسريبها) بطرق عديدة وتغيير النتائج الدراسية للطلبة أما بالرشاوى أو التهديد للأساتذة أوتدخّل القوانين العشائرية بإرهاب الكادر التدريسي و ـ ـ و ـ ـ الخ.
وحسب ما وصلني من أولياء أمور الطلبة من أنّ هنالك إحصائية رسمية تذكر من أن تعداد المتضررين من المواليد التي إعتبرتُها كحقلٍ للتجارب في تقريري هذا بلغ أكثر من مليون طالب وطالبة!!، أي بعبارة أخرى أن 3.7% من مجموع الشعب العراقي بأجيالهم الناشئة (أجيال المستقبل) هم تحت رحمة هذا النظام التعليمي الذي لم تظهر نتائجه الإيجابية بعد!!، وإنما على العكس كثرت الشكاوى عليه وأزدادت مساوئه وضاع الطلبة بين التخبط في طريقة تنفيذه وعدم مقدرة الكادر التدريسي على إستيعابه وتنفيذه لجهلهم به من جرّاء عدم تأهيلهم من خلال الدورات اللازمة للإلمام به، مما أوصل نظام التعليم في العراق الى أسفل المستويات في الترتيب العالمي حتى تم رفع إسم العراق من الجدول الخاص بهذا الترتيب!!.
وكما زوّدتني به إحدى الأمهات من معلومات قولها من أنّ وسائل الإعلام قد ذكرت في إحصائية لها من أن مجموع ما وصلوا من هذه المواليد الذين يربوا عددهم على المليون الى الصف المنتهي (السادس الإعدادي) بكل فروعه بلغ فقط مئة وخمسين الف طالب وطالبة!!، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أين ذهب العدد المتبقي من الطلاّب والطالبات، فيكون الجواب المنطقي له من إنهم تركوا الدراسة والتحقوا بجيش “الأميّة” الذي بدأت أعداده بالتزايد المخيف بعد أن كانت قد أعلنت منظمة “اليونسكو” سنة 1979م خلو العراق من الأميّة!!.
إنّ من المشاكل الكثيرة التي تواجهها العملية التربوية هي عدم مقدرة المعنيين بتوفير المستلزمات الضرورية للنظام الجديد الذي أقرّوه بمعظمه منذ سنة 2003م ولحد الآن، وكان الأجدر بهم الإنتظار لحين توفر الإمكانيات المطلوبة لهذا التغيير، فلا وجود للأبنية الدراسية بمستلزماتها الصفيّة بحيث هنالك مدارس يجلس الطلبة الصغار فيها على الأرض، وهنالك نقص واضح وحاد في الكتب الدراسية، لا بل إنعدامها وعدم وصولها الى الكثير من المدارس خاصة في المحافظات وأقضيتها مع صعوبة المناهج الدراسية وضبابيتها وعدم مواكبة الكوادر التدريسية لتلك المتغيّرات في مناهجهم الدراسية، حتى بلغ الأمر بالبعض من أولياء أمور الطلبة المتمكنين مادياً بتجهيز بعض المدارس بالكرفانات على حسابهم الخاص لتصبح صفوف دائمية لأبنائهم حرصاً على مستقبلهم الدراسي، وهذه الظاهرة شملت حتى مدارس “المتميزين” التي من المفروض أن تكون نموذجية بأبنيتها ومستلزماتها الصفية والمختبرية وطلبتها وكادرها التدريسي ونظامها التعليمي (ذكرت لي إحدى الأمهات بأنّ إبنتها لم تستخدم المرافق الصحيّة في مدرسة المتميزين طوال السنوات الستة التي قضتها فيها لردائتها!!، وإنما كانت تنتظر لحين عودتها الى البيت)!!، وأصدقكم القول لم أستطع إستيعاب ما ذكرته لي هذه الأم!!.
وما دمنا في ذكر مدارس المتميزين من االذكور والإناث التي يتم القبول فيها بدءاً من الإنتهاء من الصف السادس الإبتدائي للطلبة الحاصلين على معدّل (95%) فما فوق بطريقة “إختبار الذكاء” للبدء بالصف الأول المتوسط في مدرسة المتميزين، وهذا الشرط يتلاعب به الوزير أيضاً بحيث تم تخفيضه الى معدّل (93%) لهذه السنة مما ولّد زخم في أعداد الطلبة المقبولين في مدارس المتميزين التي هي أساساً تفتقر الى الكثير من الصفوف لإستيعاب الطلبة!!، فأنا لم أفهم ما ذكره لي أحد أولياء الطلبة المتميزين من أنّ معظم دراستهم لمراحل الدراسة المتوسطة باللغة الإنكليزية، لكن عندما سيؤدون إمتحان البكالوريا ستكون الأسئلة وأجوبتها باللغة العربية بكل تأكيد مثلما يحدث الآن لطلبة “كليّة بغداد” الذين لديهم نفس هذه المشكلة (بدأ الطلبة المتميزين للمرحلة المتوسطة بدراسة موادهم المقررة باللغة الإنكليزية قبل سنتين وسيواجهون نفس مشكلة طلبة كلية بغداد في الإمتحان الوزاري للثالث المتوسط)!!، ما هذا النظام الذي لا يوجد مثيله في كل دول العالم!!!!.
كذلك فأنّ الواقع يبين شيئاً آخراً، فالنقص بلغ أوجه في المدارس وإنتشرت ظاهرة الدوام الثلاثي خاصة في المدارس الإبتدائية (ثلاث مدارس تستخدم نفس البناية المدرسية يومياً، ما عدا مدارس المتميزين وربما الأهلية أيضاً بقيت بدوام غير مزدوج لأكثر من مدرسة في البناية، وليس هنالك نظام الصباحي والمسائي فيها وبواقع سبعة مواد مقررة للصفوف المنتهية/البكالوريا وليست ست مواد)، مما قلّص حصّة المدرسة الواحدة الى ساعتين أو ساعتين ونصف يومياً بضمنها فترات ما يسمى بالفرص أو الإستراحة التي تتخلل الحصص الدراسية بالنسبة لمن شملهم الدوام الثلاثي.
وبكل تأكيد إزدواجية الدوام أو تقسيمه الى صباحي ومسائي وعدم وجود منهاج واضح بكتب مقررة ومطبوعة لكل صف من صفوف جميع المراحل وبأعداد كافية يؤثر بشكل مباشر على المستوى الدراسي للطلبة ويزيد من صعوبة إكمال المنهج المقرر، علاوة على هذا عدم الإستقرار على نهج ونظام تعليمي واضح لا يعطي للطلبة الثقة بنظامهم التعليمي أولاً، وثانياً لا يمنح الكادر التدريسي الفترة الزمنية الكافية على تنظيم جدولهم (يشترك الفرعان التطبيقي والأحيائي بمعظم الكتب عدا كتاب الأحياء الذي الغي من الفرع التطبيقي وتمّ إستبداله بكتاب الإقتصاد، لكن هنالك فصول قد الغيت شفهياً من الكتب سواء للتطبيقي أو الإحيائي إستناداً الى حاجتهم مستقبلاً لها في تخصصهم، الم يكن الأجدر أن يتم طبع كتب لكلا الفرعين تبين التعديلات التي أجريت لتكون واضحة للطلبة والكادر التدريسي معاً).
ومما أثار فيّ الحزن والإحباط هو الخلل بإمكانيات وزارة التربية للقيام بمهامها، وذلك من خلال ما كنتُ أتابعه من أخبار على قناة “العراقية نيوز” ليومي الرابع والسادس من شهر تشرين الثاني الجاري، حيثُ عرضت القناة في اليوم الأول وفي دقيقتها الرابعة والخمسين تحديداً تقريراً مصوراً لقيام أهالي منطقة “الشعلة” في بغداد بإكمال تشييد المدرسة المتوقف بنائها منذ خمس سنوات على نفقتهم الخاصة والتي وضعت وزارة التربية الحجر الأساس لها لكن المقاول لم يكمل بنائها!!، ومن المعروف إن منطقة “الشعلة” يسكنها الغالبية من أبناء الطبقة الكادحة!!، وقد ذكر التقرير بصريح العبارة تقصير وزارة التربية في متابعة إكمال بنائها، وسأترك الأمر للقرّاء الكرام لتقييم جهد المواطنين الكادحين بتوفيرهم المبلغ اللازم لإكمال بناء المدرسة وهذا ما أثار في داخلي الفرح ومقارنته بعجز الوزارة في توفير هذا المبلغ وحيثُ تمثل جهد الدولة الغنية بالنفط والذي أثار فيّ الحزن، وليطلع القرّاء الكرام على هذا التقرير ومن خلال الرابط أدناه:
أما اليوم التالي (أي السادس من الشهر ذاته) فقد نشرت ذات القناة على نفس توقيت نشرتها الإخبارية وفي دقيقتها الثامنة والثلاثين تحديداً تقريراً مصوراً آخراً لجهد شعبي آخر في مدينة كربلاء المقدسة وحيثُ إدعوا من إدعوا بإنهم جاءوا لرفع الحيف من النظام السابق عنها وعن باقي المدن الجنوبية، وقد بيّن التقرير قيام أحد مواكب الزائرين للمدينة والقادمين من مدينة عراقية أخرى بالتبرع في إعادة تأهيل إحدى المدارس (المنتهية صلاحيتها)، ومما أثار فيّ الحزن هذه المرّة حديث أحد شيوخ المنطقة عن معاناة أطفالهم في هذه المدرسة بحيث يعودوا الى بيوتهم أثناء فترات الإستراحة بين الحصص الدراسية كل يوم لقضاء حاجتهم لعدم توفر المرافق الصحيّة في المدرسة!!!!!، وهذه التقارير لقناة الدولة الفضائية الإعلامية وليس لفضائية (معادية)!!، هل تعلمون يا سادة يا كرام لو حدث هذا الأمر في مدرسة من مدارس الدول المتقدمة لرفع أولياء أمور الطلبة الدعاوى في المحاكم مطالبين الجهات ذات العلاقة بالضرر البدني لإطفالهم نتيجة معاناتهم في مقاومة الذهاب الى المرافق الصحية حتى إنتهاء زمن الحصّة الدراسية، وسأترك الأمر هذه المرّة للمسؤولين بعد مشاهدتهم للرابط أدناه
وبكل تأكيد أثني على ما أوردته القناة العراقية في فضحها لتقصير الوزارات المعنية بالخدمات وأيضاً عرضها لجهود المواطنين العراقيين وبيان معدنهم الأصيل.
وفي العودة الى بيان ما أصاب نظام التعليم من فوضوية، فقد أخبرني أولياء أمور الطلبة من أنه تم الغاء نظام “الإعفاء” المعمول به في الكثير من الدول المتقدمة، وتمّ إقرار نظام “الكورسات” من الصف الأول المتوسط الذي يجيز للطلبة الدراسة والإمتحان بمناهج مقررة للنصف الأول من السنة الدراسية فقط مع أخذ الدروس أو المواد التي يفشل فيها الطالب الى النصف الثاني إضافة الى دراسته للمواد المقررة للنصف الثاني “نظام التحميل أو ترحيل الدروس” وهكذا!!، لكن السؤال المهم لماذا سيعتبر الطالب أو الطالبة راسبين لتلك السنة وعليهم إعادتها بكامل موادها في حالة فشلهم فقط في إجتياز المادة المرحّلة في الدور الثاني (أي أنّ من وضع هذا النظام لا هو قد إتّبع ضوابطه كاملة كما هو معمول به في الجامعات منذ زمن بعيد، ولا هو أبقى الوضع كما هو عليه في النظام القديم)، وهذا النظام ربما له جدوى وفائدة علمية في نظام التعليم الجامعي الذي يُعتبر المرحلة النهائية للطلبة لأخذ دورهم في المجتمع كأعضاء منتجين وعندما سيفشلون في إجتياز المادة المرحّلة عليهم إعادة السنة الدراسية الكاملة فقط على هذه المادة، وقد تمّ إقراره في التعليم الجامعي منتصف السبعينات من القرن الماضي بسبب حاجة الدولة للأيدي العاملة والخريجين على وجه الخصوص كسبب رئيسي، أما إقراره الآن على طلبة الدراسة الإعدادية فقد تمّ حسب تقديري للتغطية على إخفاقات وزارة التربية والتغطية على النسب الضئيلة للطلبة الناجحين بجميع المواد وعبورهم الى الصفوف التالية فقرر الوزير المعني إقراره لتلافي الحرج ومسائلته ربما برلمانياً!!.
ومن المفارقات التي إستوقفتني سؤالي لإحدى الإمهات النجيبات عن مصير كتاب “الوطنية”؟؟، فقالت لي بأنه قد تمّ دمج كُتب التاريخ والجغرافية والوطنية في كتاب واحد بائس ينتهي من دراسته الطلبة لغاية الصف الثالث المتوسط (داخل)!!، وإنّ فصول أو فصل مادة الوطنية في هذا الكتاب الموحّد لا تحتوي على نصوص تحفّز الطلبة على حب الوطن والتضحية والإيثار في سبيله كما كان سابقاً في الخمسينات والستينات للقرن المنصرم، فقلت في قرارة نفسي إذن هكذا يتم تجريد الطلبة من إنتماءاتهم الوطنية!!، وقد زال إستغرابي وتعجبي بعد سماعي لكلام هذه الأم: لماذا لم يعد معظم الطلبة بجيلهم الشبابي الرائد للقيام بالتظاهرات الوطنية وعدم إهتمامهم بالأحداث وخاصة الوطنية منها، وأخص منها عدم خروجهم بتظاهرات طلابية عفوية في أرجاء المدن العراقية إحتجاجاً على “الإستفتاء” ومحاولة تقسيم بلدهم العراق!!!، وحيثُ كنّا سابقاً كطلبة لنا الجهد الأكبر والمميز في تنظيم مثل هذه التظاهرات حتى لو كان البلد المعني بالتقسيم جزر الواق واق!!، وحيثُ كان حاضراً وبقوة درس الوطنية في المناهج الدراسية!!.
إنّ ما رواه لي أحد أولياء أمور الطلبة من التعقيدات للمنهاج الدراسي بكافة مراحله يحتاج الى “خارطة طريق” يستدل بها الطلبة على موطئ لأقدامهم للبدء بمشوارهم الدراسي الذي بدون أدنى شك فيه من التعقيدات المنهجية والإدارية والضبطية ما تكفي لتشتيت جهد الطلبة في التركيز على المادة العلمية أو الدراسية حصراً.
فالنظام المعمول به حالياً قيام الطلبة بإختيار تخصصهم أولاً للفرع الأدبي أو الفرع العلمي للرابع الإعدادي (أي بعد تخرجهم من الثالث المتوسط وبدون أي مفاضلة بالدرجات)، ثمّ على من إختار منهم الرابع العلمي إختيار تخصصهم أما في الفرع الإحيائي أو الفرع التطبيقي بعد إجتيازهم للرابع العلمي وللسنتين المتبقيتين (الخامس والسادس) وأيضاً بدون أي مفاضلة بالدرجات!!، وبسبب توجيه (غير رسمي) من الدولة بطريقة ضمان التعيين بعد التخرج من الجامعات للمجموعة الطبية العائدة للفرع الإحيائي، فقد دفعت معظم الطلبة وأهاليهم لإختيار الفرع الإحيائي وتفضيله على الفرع التطبيقي الذي تفتقد مجموعته الهندسية للتعيين المركزي (في هذه السنة تخرجت الدفعة الأولى للطلبة الذين شملوا بهذا النظام ونحن نشاهد الآن الإشكالات والتعقيدات والغُبن في التقديم على الجامعات)!!، وعلى الطلبة الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الرشد بعد في هذه المرحلة (حسب الدراسات العلمية في كل دول العالم سن البلوغ هو الثامنة عشر وطلبة الصف الرابع الإعدادي تبلغ أعمارهم ما بين 15 ـ 16 سنة) تقرير مستقبلهم ومصيرهم ومعرفة ماذا يعني الفرع الإحيائي من الكليات الطبية ومعاهدها وما له علاقة بتخصصاتها وفي المقدمة منها كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة وقسم من فروع كلية العلوم، وأما الفرع التطبيقي فيشمل الكليات الهندسية ومعاهدها وما له علاقة بتخصصاتها وفي المقدمة منها كليات الهندسة المعمارية والمدنية والهندسة الكهربائية والميكانيكية ـ ـ الخ، وأيضاً قسم من فروع كلية العلوم!!.
والفرع التطبيقي حسب رأي أولياء أمور الطلبة هو أسهل بكثير من الفرع الإحيائي!!، لأن الفرع التطبيقي قد تمّ الغاء مادة “الأحياء” منه التي كانت مرهقة لطلبة الفرع العلمي العام قبل إقرار النظام الجديد، وتمّ الإبقاء على هذه المادة في النظام (الجديد) للفرع الإحيائي فقط مع حذف مادة “الكيمياء الحياتية” من كتاب الكيمياء المقرر للفرع التطبيقي وابقائها في الفرع الإحيائي (وأنا مع هذا الأمر لعلاقتها بتخصصهم)، لكن بالمقابل قد تمّ إضافة مادة “الإقتصاد” للفرع التطبيقي، وما يجعل الفرع التطبيقي أسهل حسب رأي بعض أولياء الأمور هو عدم وجود كتاب ومنهج مطبوع في أكثر مواده على العكس من الفرع الإحيائي!!، وهذا الإدعاء بشهادة بعض أعضاء الكادر التدريسي!!.
وعند المقارنة المبسطة للمقدرة الذهنية للطلبة في طريقة إختيارهم للفروع الدراسية التي ستقرر مستقبلهم ومصيرهم المهني أرى من أنّ النظام القديم الذي كان يسمح للطلبة بعد صف الرابع الإعدادي وهم في أعمار ما بين (15 ـ 16) سنة، التحديد (الجزئي) لتخصصهم الذي يرغبونه فيختاروا ما بين الفرع العلمي أو الأدبي ثمّ إكمالهم الصفيّن الأخيرين (الخامس والسادس العلمي أو الأدبي) لتكون أعمارهم قد بلغت الثامنة عشر أو ما يزيد وفي هذا العمر يكون الطلبة أكثر إدراكاً لتقرير مستقبلهم تماشياً مع المعدلات التي سيحصلون عليها، فالمتخرجين من الفرع العلمي بشكل خاص في النظام السابق سيكون أمامهم إختيارات واسعة ما بين الكليات الطبية أو الهندسية أو العلوم أو غيرها، في حين على الطلبة في النظام الجديد تحديد مستقبلهم وطموحهم بشكل بات ومطلق منذ الصف الرابع الإعدادي وقبل معرفتهم لمعدلاتهم التي سيحصلوا عليها بعد تخرجهم من الفروع المذكورة!!، وسأطرح مثلاً بسيطاً يوضح أكثر ما ذهبتُ اليه في طرحي: فالطالب أو الطالبة الحاصلين على معدل (94%) في النظام القديم (السابق) بعد تخرجهم من السادس العلمي يقومون بالتقديم على كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة المعمارية والمدنية والكهربائية والسيطرة والنظم أو الميكانيكية وفروع كليات العلوم والى آخره من الكليات الرصينة من خلال إستمارة التقديم الموحدة المدوّن فيها كافة الكليات والمعاهد، وأكيد سيحصلون على إحدى هذه الكليات المرموقة ولا يضيع جهدهم الدراسي الذي توجوه بحصولهم على (94%) كمعدل والذي يُعتبر من المعدلات التفاضلية والتنافسية الجيدة جداً ويعطي الإنطباع بأنّ من حصلوا عليه يتمتعون بذكاء وقابلية ذهنية وإجتهاد عاليين، أما في النظام الجديد فيسمح للطلبة الذين إختاروا الفرع الإحيائي بالمفاضلة والتنافس بعد تخرجهم من صف السادس الإحيائي على كليات المجموعة الطبية ومعاهدها فقط (بعد الإشكاليات التي حصلت في تطبيق النظام في هذه السنة الأولى لتطبيقه كما ذكرت تراجع المسؤولين عن تطبيقه كما أقرّوه نظرياً وسمحوا للطلبة المغبونين بإعادة التقديم على كليات أخرى غير مشمول بها فرعهم، وليتصور القرّاء الكرام مقدار التعقيدات للطلبة والمؤسسات التعليمية معاً)، ونأخذ للمقارنة نفس معدل شريحة الطالبات والطلاّب الذين حصلوا على (94%) في النظام القديم ونسأل: ماذا ستكون خياراتهم في الكليات الطبية بالنسبة للطلبة في النظام الجديد؟!، فمن المؤكد سوف لن يتم قبولهم في كليات الطب أوالصيدلة أوطب الأسنان لأن الحد الأدنى للقبول في هذه الكليات سيكون ربما (96%) فما وفق وليس لهم الحق في إختيار الكليات الهندسية لأنهم إختاروا الفرع الإحيائي، عندها سيذهب هؤلاء للكليات والمعاهد الطبية التي هي دون طموحهم مثل كلية التمريض أو المعاهد الطبية وغيرها وهم الحاصلين على (94%)، وهذا ما حصل فعلاً لإحدى الطالبات عندما أخبرني أحد أولياء أمور الطلبة من أنّ جيرانه جاء اليه طالباً المشورة لإبنته التي حصلت على معدل (94%) دور ثاني لتأجيلها مادة واحدة فقط، وقد تمّ قبولها في معهد الصحة!!!، وسمع والد الطالبة المغبونة بأنّ هنالك تقديم آخر للمتضررين يسمى “الحكومي الموازي” وطلب منه شرحه له، وبعد أن أخبره بأن هذا التقديم ليس مجاناً في حال قبول إبنته فيه لأنه سيكلفه بحدود ثمانية ملايين الى أربعة عشر مليون دينار سنوياً في حال التقديم على الكليات الطبية!!، صعق الرجل لأنه يعمل سائق سيارة حمل صغيرة (بيك أب) وبالكاد يدبّر أمور عائلته وقال: “يا لله شنسوي معهد صحة ـ ـ معهد صحة، أحسن من ماكو وبلكي تكمّل لبنيّه بعد سنتين وتتعين مركزي وتگوم تساعدني”!!، الحقيقة عندما سمعتُ هذه القصة شعرتُ بالأسى على هذه الفتاة التي بدون أدنى شك مشاعرها وحزنها غير مشاعر وتفكير والدها البسيط!!، لأنها خسرت فرصتها ومستقبلها لضيق الحاجة وهي من المتفوقات وكل ذلك بسبب سوء الأنظمة التعليمية!!، في حين زملائها وزميلاتها في الفرع التطبيقي سيحصلون على أفضل الكليات الهندسية لنفس المعدل!!، لكنها وبسبب إختيارها الفرع الإحيائي لم يساعدها معدلها في تحقيق طموحها!!، وهنا يظهر الغُبن لشريحة طلابية ذكية ومجتهدة لا ذنب لها غير إنها وقعت ضحية النظام التدريسي الخاطئ فإختارت الفرع الأحيائي نداءاً لطموحاتها!!.
كذلك فإن تعدد إستمارات التقديم على الجامعات وعدم توحدها في إستمارة واحدة يربك الطلبة خاصة الذين ليس لديهم أولياء أمور يساعدونهم على إملائها، فهناك إستمارات تقديم متعددة تتراوح ما بين الكليات الحكومية والأهلية (هذه السنة يوجد ستة أو سبعة أنواع للتقديم على الكليات والمعاهد ومنها: حكومي مركزي، حكومي موازي، حكومي مسائي، أهلي نهاري وأهلي مجاني)، وهذه السنة أيضاً أضيف لزيادة التعقيد تقديم آخر لبعض الإختصاصات للجامعة التكنولوجية بشكل منفصل عن إستمارة التقديم للكليات والجامعات الحكومية!!.
فنسبة أولياء أمور الطلبة في مجتمعنا الغير قادرين على مساعدة أبنائهم في مجال مد يد العون لأبنائهم في ملأ إستمارات التقديم (وليس إستمارة واحدة) عالية جداً، وربما مَنْ وضع هذا النظام نسي أو تناسى من أنه يتعامل مع مجتمع بغالبية فلاحية يحاول أبنائه جهدهم مواكبة العلم والمعرفة والخروج من دائرة هذا المجتمع الى فضاء أكثر تقدماً وفرصاً للعمل!!، وهذا التعقيد في التقديم يضر شريحة كبيرة من أبناء الطبقات الفقيرة والفلاحية.
إضافة الى أنّ النظام الجديد للدراسة الإعدادية بفروعها الثلاث (الأدبي، الأحيائي والتطبيقي) زاد الأمر تعقيداً ووضع حملاً إضافياً على الدولة في ضرورة توفير الأبنية الدراسية بمختبراتها وقاعاتها الساندة إضافة الى واجب مضاعفة الصفوف فيها لتنوّع الفروع وتخصصاتها!!، وهذا الأمر يدلل على أنّ من وضع النظام الجديد كان بعيد كل البعد عن واقع حال الدولة بإمكانياتها المحدودة جداً!!، وهنا من حقي أن أشكك في قرارات وسلوك البعض من ذوي المسؤولية ومراكز القرار، فهل أنّ ما يجري من إرباك للأنظمة بشكلٍ عام والنظام التعليمي بشكلٍ خاص له علاقة بالصراعات الحزبية والطائفية بين الكُتل السياسية المتقاسمة النفوذ في مؤسسات الدولة؟؟!!، فيعمد أحدهم الى تغيير نظام وزارته أو مؤسسته دون إدراك وإستحالة نجاحه مما يحرج الدولة ورئيسها التنفيذي ويثير الشعب ضد حكومته!!، لكن في جميع الأحوال يكون المتضرر الوحيد فيها هو الشعب!!.
وربما من المفيد أيضاً الوقوف عند ظاهرة الدروس الخصوصية التي إبتلى بها أولياء أمور الطلبة خاصة للصفوف المنتهية (السادس الإعدادي أي البكالوريا)، وتقول إحدى أولياء أمور الطلبة من إنها كانت مستعدة للتضحية ببيع دارها السكنية في سبيل تهيئة المبلغ اللازم للدروس الخصوصية لإبنتها لأنها من المتميزات منذ مراحل دراستها الإبتدائية الى حد وصولها للصف المنتهي (الفرع الإحيائي) وهي طالبة في مدرسة “المتميزين”، كل هذا الأمر من أجل الفوز بالكلية التي أصبحت حلم الطالب أو الطالبة وعوائلهم!!!، وقد سألتها: لماذا الدروس الخصوصية وإبنتها متميزة وتداوم في مدرسة المتميزين التي من المفروض أن تكون نموذجية بكل شئ من الكادر التدريسي الى البناية المدرسية بمختبراتها ومستلزماتها وكتبها ونظامها التعليمي وكما أسلفتُ سابقاً؟؟؟، أجابتني من أنّ ما طرحته من معوقات سابقاً في هذا التقرير تشمل مدارس المتميزين أيضاً!!، فأستغربت لكلامها وقلت إذن أين هو التميّز؟؟، هل هو فقط في الشكليات الإدارية وربما في الأسلوب الحضاري والعلمي النسبي نوعاً ما في تعامل الكادر التدريسي مع الطلبة!!، وهل هنالك أي تميّز للطلبة في مدارس “المتميزين” عند تقديمهم الى الجامعات والكلّيات؟؟، فذكرتْ لي نفس ما ذكرته سابقاً بقيام أحد أولياء الطلبة بالتبرع بكرفان لجعله صف في مدرسة المتميزين!!!، ثمّ إسترسلت هذه الأم في بيان الظروف والمعوقات لإنخفاض المستوى التعليمي للطلبة ومنها تقليل ساعات المدارس بسبب الدوام الثلاثي كما أسلفت وعدم إستطاعة الكادر التدريسي إكمال المنهاج المقرر وكثرة غيابات الطلبة بسبب الظروف الإستثنائية للبلد، يضاف اليها كثرة العطل الرسمية والغير رسمية ومنها ما يتعلق بالمناسبات الدينية التي يجب على الدولة تنظيمها وتنسيقها، حيثُ بدأت تعطي مردودها السلبي في كافة النواحي حتى الصحيّة والإقتصادية للبلد، وهذه الظاهرة تحتاج الى معالجة ووقفة جادة لجعلها مناسبات ينتظرها كل أبناء الشعب العراقي بشغف للإحتفال بها وتكريم أوليائها وإعطائها الرمزية والمكانة المرموقة في قلوبهم، لا أن تجعلهم في حالة طوارئ لشراء المستلزمات البيتية لخزنها لخوفهم من إنقطاع الطرق وركود الأسواق وشلل تام في الحياة الإجتماعية لمدد تزيد على الأسبوع أو الأسبوعين، كلّنا نقدر ونحترم هذه المناسبات منذ صغرنا لا بل نشترك في شعائرها دون النظر الى الدين أو المذهب، تماماً كما يحتفل الجميع بالمناسبات الدينية للمذاهب والأديان الأخرى وحتى المناسبات القومية، فالعراق بمجتمعه فسيفساء متنوعة بالوانها وأشكالها.
كذلك من المفيد تسليط الضوء على البعض من معانات الطلبة قبل وأثناء وبعد أداء الإمتحانات الوزارية، بحيث أوصلت الطلبة وأولياء أمورهم الى مستويات عالية من الإرهاق الذهني والبدني، فقد أخبرتني إحدى أمهات الطالبات المتميزات من أنه تم تنسيب إبنتها للإمتحان الوزاري في صف من صفوف المدارس الإعتيادية بعيداً عن زميلاتها لعدم توفر مكان لها في الصفوف المنسبة اليها زميلاتها بسبب أبجدية الحروف لأسمائهن!!، وقد خسرت الكثير من الوقت الثمين لمعرفة أين ستؤدي إمتحانها!!، الم يكن بالمقدور ترتيب تواجدها مع زميلاتها للحيلولة دون إرباكها بالترقب والمراجعة لمعرفة مصيرها وأين ستؤدي إمتحانها وهي طالبة واحدة فقط؟!، وفي هذه السنة التي شهدت درجات حرارة عالية جداً سجلت فيها الأنواء الجوية مستويات لم تسجّل في تاريخ سجلاتها سابقاً قامت وزارة التربية بتأجيل الإمتحانات الوزارية للصفوف المنتهية بجميع فروعها الى الثاني أو الثالث من تموز الماضي (الذي يُطلق عليه العراقيون بالطبّاخ) أي ما بعد شهر رمضان الكريم إعتقاداً من أنها تعين الطلبة على عدم أداء الإمتحانات وهم صيام وكذلك لمنح الفرصة بوقت أطول لمراجعة المواد ولربما أيضاً بسبب الحرب على داعش، لكن من قرر هذا القرار قد نسي من أن وزارته أصلاً تفتقر لكل الخدمات الضرورية لأداء هذه الإمتحانات المصيرية في مثل هذا الشهر وأولها تهيئة أجهزة التبريد الحديثة المركزية (المكيفات) ومياه الشُرب، وسآتي الى ذكرها لطلبة المدارس المتميزة حصراً كونها من المفروض أن تكون “نموذجية” كما أسلفت (من المعلوم إنّ الطلبة بشكل عام وطلبة المدارس المتميزة بضمنهم لا يؤدون إمتحاناتهم الوزارية في مدارسهم وإنما في مدارس أخرى، إضافة الى تبديل أو تغيير طواقم المراقبين والمشرفين على الطلبة في القاعات الإمتحانية).
ففي أحد صفوف المدارس التي قام الطلبة “المتميزين” بإداء الإمتحانات فيها تم وضع مبردة هواء متنقلة بعجلات وهي صغيرة بحجمها لكنها مكسورة من إحدى جوانبها والماء يجري منها على أرضية الصف و”الحارس” المسكين كان حريص على أن يأتي كل ربع ساعة لملأ الخزان وطبعاً هذه العملية تشتت أذهان الطلبة، وحسب ما هو معروف علمياً يجب توفير الأجواء الهادئة للطلبة لإداء مثل هذه الإمتحانات المصيرية، أما الحالة الثانية التي نقلها لي أحد أولياء أمور الطلبة، فهي رغبة المُراقِبة الإمتحانية للعب بأعصاب إبنته المتميزة حين فاجئتها وهي تنظر الى بطاقتها الإمتحانية وفي اليوم الأول للإمتحانات وفي دقائقه الأولى قائلة لها: “هاي صورتچ”؟؟، أجابتها الطالبة بكل أدب: “نعم ست”، لكن المراقبة الفهيمة لم تقتنع وأردفت قائلة: “يعني أكيد هاي إنتي ـ ـ ومنو يگول هاي الصورة صورتچ ـ ـ وشجاب هاي الصورة عليچ ـ ـ ومنو گال هاي الصورة تشبهچ ـ ـ ومنو يگول هذا إسمچ” وما الى ذلك من الأسئلة وحربها النفسية لطفلة جاءت لتودي الإمتحان وهي أساساً قد سيطرت عليها الرهبة الطبيعية في أداء هذا النوع من الإمتحانات وتحتاج الى من يهدئ نفسيتها وليس العكس وإستمرت هذه المُراقِبة على هذا المنوال معظم زمن الإمتحان بالإضافة الى خسارة هذه الطالبة لدقائق ثمينة من وقتها بمهاترات ليس لها معنى!!!، بالله عليكم كيف ستستطيع هذه الطالبة الإجابة وهي مهددة كل لحظة بالطرد من قاعة الإمتحان لتشكيك المُراقِبة بشخصيتها!!، أما الحالة الثالثة لطالبة أخرى فقد ذكرت بأن المديرة بنفسها كانت توزع عليهم قناني الماء البارد لكنها تفاجئت بالمُراقِبة الإمتحانية وهي تأتي لتستبدل قنينتها الحارة بقنينة الطالبة بعد خروج المديرة!!، والحالة الأخرى لطالبة من إحدى المدارس الإعدادية الأهلية التي أجبرتها “المُراقِبة” الإمتحانية على الإلتصاق بالحائط الذي تمشي عليه مجاميع من “النمل” وكلما حاولت الطالبة الإبتعاد قليلاً عن الحائط تأتي “المُراقِبة” لتجبرها الى العودة بالإلتصاق بالحائط على الرغم من رؤية هذه “المُراقِبة” للنمل بأعداده الكبيرة حتى شعرت الطالبة بحركة النمل على جسدها، بربكم كيف ستركز وتؤدي هذه الطالبة إمتحانها (هنالك إحساس من معظم أولياء أمور الطلبة وأبنائهم من أنّ هنالك حساسيات من الكادر التدريسي الحكومي على كل ما يخص المدارس الأهلية والذي ينعكس على الطلبة في هذه المدارس عندما يقعون تحت طائلة المُراقبة والإشراف في الإمتحانات الوزارية من قِبل الكادر التدريسي الحكومي!!، لذا أرجو من معالي وزير التربية التقصّي عن هذا الأمر ومعالجته)؟؟!!، الم يكن الأجدر بوزير التربية تعميم كتاب يُشدد فيه على حسن معاملة الطلبة وتوفير كافة الوسائل والظروف الصحيّة لهم لأداء إمتحاناتهم بشكلٍ عامٍ، ويحذر بالعقوبات لمن لم يلتزم من المُراقبين والمعنيين وبالمحاسبة الإدارية لهم في حال عدم تطبيقه، هذه الحالات هي قطرات من البحر ليس الغاية من طرحها والإستشهاد بها هو الإحراج والمحاججة أو المماحكة وإنما عرضها وإيصالها الى مَنْ يهمهم الأمر لأنها بالحقيقة تؤثر كثيراً على الطلبة وتغيّر للبعض منهم طريق مستقبلهم الى آخر سنوات أعمارهم، وللحقيقة ما طرحته كان لمدارس الطلبة المتميزين وطلبة المدارس الأهلية، فكيف هو الحال لبقية المدارس الحكومية، سؤال أوجهه للوزير المختص؟؟.
ثمّ نأتي الى مشاكل ومعاناة من نوع آخر تؤثر بصورة مباشرة على معدلات الطلبة والسؤال عن مدى مهنية واضعي الأسئلة الوزارية ومدى المامهم بالمقرر بشكل دقيق وليس بشكل سطحي أو بإسلوب كيفي يخضع لإجتهاد من يضع الأسئلة؟؟!!، فالمسألة تتعلق بمصير الطلبة ومستقبلهم والخطأ في أغلب الأحيان غير قابل للحذف أو التصحيح، لذا واجب ملزم على من يضعوا الأسئلة التأكد من مطابقتها لما مطلوب في المنهج المقرر، وسأطرح مثلاً رواهُ لي أحد أولياء أمور الطلاّب قائلاً: إن إحد أسئلة درس الدين للفرع “الإحيائي” كان عن ذكر نص لأحد الأحاديث التي ورد ذكرها في كتاب الدين للشرح وليس للحفظ!!، وحمد الله من أنّ ولده كان يعرفه فكتبه، لكن ماذا عن الطلبة الذين لم يحفظونه لأنه ليس مطلوب منهم حفظه في المقرر وإنما فهمه فقط من خلال الشرح، أكيد سيخسرون الخمسة درجات الثمينة من مجموعهم والتي ستغير مجرى حياتهم ومستقبلهم بسبب عدم المام واضعوا الأسئلة لما هو مطلوب ومقرر في الإمتحانات الوزارية، كما أنّ بعض واضعي الأسئلة يتعمدون في محاولة تمويه وإرباك الطلبة بطريقة طرح الأسئلة وحيثُ أخبرتني إحدى الطالبات الحاصلة على معدل (95%) من أنها تفاجئت بطريقة السؤال الذي ليس له جواب!!!، لكنها تعلم من أنّ هنالك جواب لسؤال مقارب بمعناه فوضعته ويبدو أنها كانت محظوظة لأن الكثير من زميلاتها قد فاتت عليهم هذه المحاولة!!.
سأورد الآن بعض التفاصيل للنظام الجديد الخاص حصراً بطريقة المفاضلة والقبول لطلبة الصفوف المنتهية الإعدادي (الوزاري) المتشعب بشروطه ومقرراته وقوانينه: هنالك ضمن النظام الجديد قرار لتحفيز الطلبة وهو إضافة درجة على المعدل لكل طالب أو طالبة إجتازوا الإمتحان الوزاري من الدور الأول (هذه السنة كان فيها الدور الأول والثاني والثالث)!!، أو بمعنى آخر لكل مادة مقررة بالإمتحان الوزاري هنالك درجة واحدة يتم إضافتها للطلبة الذين إجتازوا الدور الأول، وكما هو معلوم هنالك سبعة مواد المقررة إدخالها في الإمتحان الوزاري أي بالنتيجة يكون مجموع الدرجات سبعة على المجموع أو درجة واحدة على المعدل، وفي حالة رسوب الطالب أو الطالبة (أو عدم الدخول أصلاً للإمتحان) في أحد هذه المواد فعليهم إعادته في الدور الثاني أو الثالث لكن ستحذف منهم لهذه المادة تلك الدرجة الإضافية، في ذات الوقت تحتسب للطلبة الممتحنين في الدور الثاني أو الثالث نفس درجاتهم في المواد التي إمتحنوا فيها في هذين الدورين أي إذا حصلوا على (100%) في المادة فتبقى كما هي!!، هذه الطريقة شجعت العديد من الطلبة على تأجيل المواد الى الدور الثاني فالأفضل لهم خسارة درجة واحدة للمادة في دورها الأول وإكتساب ربما ثلاثين أو أربعين درجة في دورها الثاني أو الثالث!!.
كذلك هنالك درجة أخرى تضاف على المعدّل لطلبة المدارس التي يدرّس فيها اللغات الإضافية كالفرنسي وغيرها، لكن في بعض حالات القبول ومنها القبول في الكليات الأهلية الخاص (بالمنحة المجانية) التي منحتها هذه الكلّيات تلبية لنداء وزارة التعليم العالي للمساعدة في حل الإشكالات والغُبن للكثير من الطلبة، وحيثُ منحتهم هذه الكلّيات (350) مقعداً مجانياً خصّت بها أبناء العوائل “المتعففة” وأبناء الحشد الشعبي، فلم يتم الإعتماد على هاتين الدرجتين الإضافيتين للطلبة (الدرجة الإضافية للنجاح من الدور الأول والأخرى التابعة للغات) وتم الأخذ بمعدلّهم الأصلي دون الأخذ بنظر الإعتبار لهاتين الدرجتين!!، إذن ما هي فائدتها إذا لم تُعتمد في القبول والتفاضل ولماذا كل هذا التعقيد!!!.
ولِمَنْ لا يعلم ما هو القبول “الموازي أو الحكومي الموازي” أقول من إنها “فكرة” جاءت متأخرة نسبياً غايتها مادية قبل أن تكون قد أقِرّت لإنصاف المغبونين من الطلبة (وهم بالمئات ومعظمهم من المعدلات التي تجاوزت 90%)، ومختصرها وبعد أن تمّ الإعلان عن نتائج القبول الأولية وبدأ الصراخ والبكاء من الطلبة وأولياء إمورهم للغبن الذي أصابهم تفتق ذهن المسؤولين عن إيجاد طريقة لتجاوز الأزمة بالإعلان عن حق الطلبة المغبونين للتقديم في إستمارة خاصة الى عدد محدود من الكليات الحكومية المهمة بشرطين: أولهما أن لا تقل معدلاتهم الأصلية قبل إضافة درجتي التفاضل (للدور الأول واللغات) عن معدلات زملائهم المقبولين بالنتائج الأولية بأكثر من درجتين في تلك الكليات، أما الشرط الثاني وهذا هو بيت القصيد أن لا تكون دراستهم في تلك الكليات الحكومية مجانية وعليهم دفع أجور تقارب ما هو مطلوب في الكليات الأهلية (دفع ما بين ثمانية الى أربعة عشر مليون دينار سنوياً وحسب تخصص الكليّة)!!!، والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه، لو كان هنالك أساساً مقاعد متوفرة في تلك الكليات الحكومية لماذا تم حجبها عن الطلبة أصلاً وخلقت هذا الظرف المأساوي للطلبة وأهاليهم؟؟، وما هو ذنب الطلبة الفقراء الذين لا تستطيع عوائلهم دفع المبالغ التي تصل ما بين ثمانية الى أربعة عشر مليون دينار للعام الدراسي الواحد للكليات الطبية والهندسية؟؟!!، وربما قد تنخفض الى المليون لطلبة الكليات الإنسانية لكن بالنتيجة تكون حصراً لأبناء العوائل المتمكنة وليذهب الفقراء الى الجحيم!!!، سيقول قائل من أنّ هنالك قرار آخر بتخصيص مقاعد محدودة في الكليات الأهلية لقبول طلبة العوائل الفقيرة والمتعففة المغبونين مجاناً، لكن هل ستفي بكل أعداد الطلبة المغبونين من تلك العوائل؟؟، وما هو الضامن لعدم فصلهم في السنة الثانية منها عندما تغيّر عمادة الكلية رأيها وتطالبهم بدفع الأجور؟؟، وكيف ستتعامل الكلية الأهلية مع الطلبة الذين سيعيدون سنة من سنوات الدراسة لرسوبهم فيها؟؟، وهل ستطالبهم بدفع مصاريفها؟؟، أو في حال عدم دفعهم سيتم فصلهم من الكلّية الأهلية (ذكرت لي إحدى المتصلات من إنّ على الطلبة الراسبين من الفقراء دفع نصف المبلغ السنوي في حال رسوبهم، فمن أين لهم هذا المبلغ وأكيد سيتركون الدراسة)؟؟!!.
إنّ بوادر فشل النظامين (التطبيقي والأحيائي) ظاهرة بكل بوضوح من خلال الإرباكات التي ظهرت في هذه السنة وهي الأولى لخريجي هذين الفرعين بالتقديم الى الجامعات والمعاهد، مما أجبر وزير التعليم العالي وهو الوزير التنفيذي المباشر للقبول في الجامعات على الغاء التخصص بين الفرعين الأحيائي والتطبيقي في التقديم الى الكليات ذات العلاقة بالفرعين وسمح لخريجي الفرع الإحيائي بالتقديم على الكليات الهندسية أيضاً وذلك لكثرة أعدادهم وعدم وجود كليات ضمن تخصص فرعهم لقبولهم ومعظمهم ذوو معدلات عالية ولكن بعد فوات الآوان، حيثُ سمح بقبول طالبين أو طالبتين بنفس الكلية الهندسية أحدهما من الفرع التطبيقي وبمعدل (80%) والآخر من الفرع الإحيائي وبمعدل (90%) وهذا هو الغُبن بعينه، إذاً ما فائدة التخصص بفرعين إحيائي وتطبيقي إذا كان في نهاية الأمر العودة على النظام القديم للقبول؟، وهل النظام التعليمي بحاجة الى المزيد من الإرباكات والتشويه والمشاكل التي لا حصر لها؟؟!!، وأين هم مستشاري الوزيرين الذين يكلفون الدولة المبالغ الطائلة من خلال مناصبهم؟؟!!، وهل هم جالسين على مقاعدهم فقط ويستلمون رواتبهم نهاية كل شهر وأصبحوا من جماعة (موافچ إستاذ)؟؟!!.
ربما سأختم هذا التقرير الشامل والموسّع بظاهرة بدأت تتوسع وتأخذ مديات أكثر من إستحقاقاتها التي بكل تأكيد نؤيدها جميعنا لكن ضمن حدودها المعقولة والمنطقية التي لاتؤثر على الطلبة الآخرين في التفاضل والقبول في الجامعات بشكلٍ عامٍ، ألا وهي إضافة الدرجات على المعدّل لأبناء الشهداء والحشد الشعبي دون غيرهم تكريماً من الدولة لتضحيات آبائهم وأنا شخصياً مع هذه “المكرمة”، ولكن يجب أن تكون شروطها قد تم تنفيذها بحذافيرها وبصرامة دون التلاعب بزيادة أعداد المستفيدين منها بالإلتفاف عليها من هذا المسؤول أو ذاك، وكمثال وردني من البعض من أهالي الطلبة بأنّ لديهم الأمثلة العديدة لمعارفهم وجيرانهم قد تمتعوا أبنائهم بهذه “المكرمة” وزاحموا الطلبة الآخرين على المقاعد المحدودة خاصة في الكليات العالية بدون وجه حق، لأن قسم من المستفيدين ليس لديهم أقارب من الدرجة الأولى مشمولين كشهداء أو حشد شعبي وإنما ربما لديهم من الدرجة الثانية أو الثالثة وقد إستطاعوا الحصول على تأييد لشمولهم بهذه “المكرمة”!!، وبهذا الإلتفاف الصريح على القرار قد إختطفوا مقعد ثمين من طالب أو طالبة يستحقانه بجهدهما ومثابرتهما، والملاحظة الأخرى فقد كان الواجب على مَنْ سنّ هذه “المكرمة” أو القرار أن يوسّع دائرة القبول في الكلّيات والمعاهد بتخصيص مقاعد إضافية خارج ما هو محدد للطلبة بشكلٍ عام، لا أن يحرم الكثير من الطلبة من إستحقاقاتهم ليمنحها الى آخرين، فهذا هو الظُلم بعينه!!!، فهي ليست منحة مالية أو عينيّة سيتجاوزها المتضررون عن طيب خاطر!!، وإنما حرمانهم من مستقبلهم لا بل ربما تدمير كل طموحاتهم!!، وحسناً فعل وزير التعليم العالي في تصريحه الذي وافاني به لاحقاً أحد أولياء أمور الطلبة بأنه وعد (أي الوزير) بإيقاف هذه “المكرمة” السنة القادمة ومن الممكن تعويضها بمنح أبناء الشهداء والحشد الشعبي بقطع أراضي سكنية ومُنَح مادية أو إمتيازات أخرى،ولكن ماذا عن المتضررين منها هذه السنة؟؟، وما ذكره وزير التعليم العال