23 ديسمبر، 2024 5:05 ص

رسالة مفتوحة الى السيد حبيب العربنجي … مع التحية!!

رسالة مفتوحة الى السيد حبيب العربنجي … مع التحية!!

تحية طيبة وبعد …
لا نختلف ما للنقد الهادف والرصين من تأثير عظيم على القارئ والمتلقي، لاسيما في ظل استشراء الفساد وقلة الضمير في الحياة السياسية، وجميل أن يُمارَس نقد مظاهر سيئة وممارسات فاسدة بتجرد وموضوعية لساسة كانوا قد أدخلوا البلاد في متاهات الفساد المالي والإداري فجعلوا أبناء الشعب في حيص بيص من أمرهم وضاع فيه جراء ذلك الخيط والعصفور فلم يعد يُفـْـقـَه ما عدا مما بدا، وما ينطبق هنا على ساسة البلاد إنما ينطبق بشكل أو بآخر على رجال دين ودعاة فكر كانوا سببا مباشرا في تشويه المشهد من خلال محاولاتهم لزرع الفتنة الطائفية وتقسيم المجتمع ودخوله في نزاعات فكرية!!.
 
أخي الكريم…
كنت من أشد المعجبين بما تكتبه من مقالات نقد رائعة لما يجري في العراق من أحداث سياسية تسببت باستشراء حالات الفساد والإفساد أو في تعرية مظاهر اجتماعية سيئة انعكست بمجملها على مشهدنا السياسي والاجتماعي العراقي مؤخرا، وكنت أتابع ومنذ زمن بعيد مقالاتك بشغف وحرص شديدين، بل وكنت استمتع كثيرا بروح الفكاهة والدعابة والسخرية المضحكة حد البكاء التي جُبـِلـَت عليها مقالاتك، فأعيد قراءة المقال مرتين وثلاثة، فلربما فاتني سطر لم أمعن النظر به، حتى قرأت مقالك الأخير المعنون “الفتاوى العربنجية: كلكم خرفان الراعي” والمنشور في موقع كتابات الأغر ذائع الصيت فصُدِمْتُ أيّما صدمة لما حواه من تجريح متعمد ومقصود بالدين الإسلامي الحنيف وثوابته ناهيك ما حواه مقالك آنف الذكر من عبارات مخدشة للحياء بشكل صريح لايقبل اللبس والتأويل!!، فقررت أن أرد عليك بشفافية مجبولة بالمحبة … دون التجريح وراجيا أن يتسع لي صدرك الرحب!!.
 
أخي الكريم …
نعلم يقينا حجم المأساة التي تعمل جاهدا على تسليط الأضواء عليها، كما ونشعر بوطنيتك الصادقة المتمثلة بمحاولاتك الحثيثة والدؤوبة في كشف اللثام عن ممارسات سيئة لساسة أثخنوا في جراحات العراق، ونشد على يديك الكريمتين حين تمارس حقك وواجبك الشرعي والوطني في النقد القاسي البناء والموضوعي بحق ساسة- إسلاميين أو علمانيين- كانوا سببا مباشرا في الأزمة السياسية المستديمة الخانقة التي نعيشها، والتي من نتائجها استشراء الفساد المالي والإداري وتراجع في كافة مناحي الحياة في العراق، كما وأننا معك دائما وأبداً في أن تنتقد فتاوى رجال دين أو طروحات دعاة فكر ما أنزل الله بها من سلطان، تلك الفتاوى والطروحات التي تعمل على تقسيم المجتمع وتشظيه، من خلال إيقاظ الفتنة الطائفية البغيضة وإشعال إوارها، غير أننا وبالمقابل نقف بالضد منك حين تتعرض بمقالاتك دونما وجه حق لشرع ديننا وللأنبياء الذين اصطفاهم الله عزوجل وبعثهم رحمة بنا، فذاك لعمري خط أحمر نرفضه رفضا قاطعا وتشمئز منه أنفسنا تماما.
 
أخي الكريم …
لن أتطرق لعبارات مؤلمة وردت بمقالك هذا كنت قد أسأت للإسلام الحنيف ولمن اعتنق هذا الدين العظيم، عبارات مؤسفة كنت قد وصفت الجنة والغلمان وغيرها بتلك الأوصاف المشينة والمبتذلة، فمتابعوك من القراء لابد وأنهم على إلمام بذلك ولاشك، لكنني سأتطرق هنا للحديث الشريف ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ” الذي قمت بتحريف صياغة كلماته ومغزاه بشكل ساخر ليصبح ” كلكم خرفان وطليان والراعي بكيفه يذبحكم” وصولا منك لهدف أردت توضيحه وهو أننا ننصاع لمشيئة ذبّاحنا متى ما شاء وكيفما شاء، فأجدت إصابة الهدف إلا أنك أسأت طريق الوصول لهدفك النبيل!!، فلقد فاتك أخي الكريم أن من  كمال الدين أنه أوجب على كل إنسان القيام بالمسئولية التي أنيطت به بحسب موقعه ومكانته، وقد اشتمل حديث: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) على جانب كبير من ذلك، بحيث ألقى المسئولية على كل مكلف فيما هو تحت رعايته، وبالتالي حمّله إثم التقصير في رعاية ما استرعاه الله عليه، أما أن تعيد صياغة الحديث الشريف بتلك الصياغة التهكمية كي تصل لهدف انتقادك لما يجري من مآس في بلدنا ففيها كثير من التجني وتشتمل تجريحا لهدف ومغزى حديث رسولنا محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)!!.
 
أخي الكاتب الكبير…
في مقالة سابقة لك بعنوان “أخلاق نهي نهي” التي نشرت في موقع كتابات بتاريخ 6/4/2015… تحدثت بسخرية وتهكم عن فتح مكة وهدم الأصنام في الكعبة المشرفة، وتطرقت بصريح العبارة أن الأمر لو تم في غير مكة لكان قد جرت مذبحة ملحمية غير تلك التي أبداها الرسول الأعظم تجاه أهل مكة، وضربت مثلا في مقالك فقلت لو أن الأمر كان في الطائف مثلا لكان قد حدثت هناك مذبحة كبرى انتقاما من أهل الطائف بسبب إساءة أهلها للرسول محمد وطرده من هناك حين زارها في أول البعثة النبوية!!ونوهت بأن سبب تلك الرحمة والرأفة كون أن نبينا الكريم يحب مكة المكرمة ويحب أهلها، وكأنني بك قد نسيت أن النبي محمدا مأمور وأنه “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)”…(سورة النجم)، أم أنك قد نسيت عداوة قريش له ومحاولاتهم قتله في عقر داره وما عاناه منهم مما اضطره للهجرة منها، أم أنك قد تناسيت أيضا أن الأصنام كانت في بيت الله العتيق ولم تكن بالطائف!!، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تحدثت بمقالك الثاني هذا عن الواسطات عند الأنبياء ذاتهم وضربت مثلا لذلك في قصة نبي الله موسى”عليه السلام” حين طلب من الله سبحانه وتعالى أن يكون أخوه هارون نبيا ووزيرا له وسندا، فيما وصفت الأمر ذاك بشيء من السخرية والتهكم وبأنه “أول حالة استغلال نفوذ موثقة بالتاريخ البشري” حسب وصفك!!، وحاشى للأنبياء الكرام مما وصفتهم به!!.
 
أخي الكريم …
قد ترد عليّ بمقال قادم وتصفني بصفات أقلها أنني قد ناكفتك وأدخلتك في مزايدات الدين والغيرة على مكة وفتحها وغيرها – كما نوهت بمقالك ما قبل الأخير – ، لكنني أدعوك صادقا مخلصا أن تمارس نقدك اللاذع والبناء لظواهر وممارسات في مشهدنا السياسي كما شئت، فنواياك وطنية مجردة، وهدفك سام لا غبار عليه، ولكن أرجوك ألا تخلط الدين بالسياسة كما يفعل من تنتقدهم أنت ، وأن تتجنب ازدراء الأديان والأنبياء ومحاولات الاستخفاف بنصوص القرآن الكريم والتاريخ الاسلامي، فذاك سيبعدك عن هدفك السامي الذي جئت من أجله، كما وسيدفع بالكثيرين من محبيك ومتابعي مقالاتك الرائعة أن يعزفوا مستقبلا عن متابعتك، ولا تنس أخي الفاضل أننا مجتمع مسلم محافظ نحترم ديننا وشريعتنا وكتابنا الكريم ونجلّ أنبياء الله تعالى وعلى رأسهم خاتم الأنبياء محمد “صلى الله عليه وسلم”.