23 ديسمبر، 2024 4:18 م

رسالة مفتوحة إلى السيد مسعود بارزاني

رسالة مفتوحة إلى السيد مسعود بارزاني

فخامة السيد مسعود بارزاني المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل ان ابدا رسالتي لابد لي ان اوضح بان كاتب هذه الرسالة من اشد المتعاطفين مع الحقوق المشروعة لشعبنا الكردي ومن اشد المنددين بالجرائم التي ارتكبت ضد ه ، كما اضيف بان شقيقي الاكبر الشهيد (الحاج ابو ذر الحسن) كنعان علوان التميمي كان قد استشهد في حاج عمران بالاسلحة الكيمياوية . وعليه فلا اظن هناك مجالا لاتهامي بالتحامل على شعبنا الحبيب في اقليم كردستان لا بل كنت ومازلت اتمنى لهذا الشعب كل الازدهار والاستقرار والحياة الحرة الكريمة وان يتمتع بكل نعم الحرية والعدالة والمساواة وان يتمتع بكل الحقوق المشروعة جنبا الى جنب مع اخوته وشركائه في الوطن الكبير العرب والتركمان والايزيديين والشبك والمسيحيين والاشور كلدانيين والصابئة المندائيين . كما واشعر بالغبطة وانا اتجول في كردستان وارى حركة العمران في كل حدب وصوب في مدن الاقليم واتمنى لهذه النهضة ان تستمر وتتعزز بمزيد من الاستقرار والتفرغ للبناء والنهضة التي لطالما حرم منها شعبنا في الاقليم . وعليه اتمنى ان يتسع صدركم لقراءة رسالتي هذه .

فخامة الرئيس

في لحظات بعينها من التاريخ عندما تتعرض سلامة الوطن وارضه ومستقبله الى هجمة بربرية تكفيرية شرسة لا هدف لها سوى جلب المزيد من الموت والدمار والتخلف ، كالتي يتعرض لها وطننا الام العراق هذه الايام ، والاقليم طبعا ليس استثناء . وعندما ينكسر جزء من الجيش الوطني في عملية الدفاع عن هذه الارض لاي سبب كان ، فلا خيار امام الشعب الا ان يلتحم بكل قواه واطيافه ويعلق كل خلافاته الداخلية ويهب مدافعا عن ارضه وعرضه وماله ومستقبله ، ليمسك الارض بدل ذلك الجزء من الجيش المنكسر ليعالج الامر ويدفع العدوان ويحمي الحياض ويحفظ مستقبل الوطن والامة من الضياع .

الا ان ما صدر عنكم فخامة الرئيس من اقوال وأفعال لاحقة بشان ( ضم الأراضي المتنازع عليها) والاستيلاء على منشات حقول نفط كركوك بالقوة والتي شيدت منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي واعلانكم عن تصدير نفط حقول كركوك لحسابكم ، وما صدر عن فخامتكم من دعوات للانفصال عن الوطن الأم العراق، اثار بامتياز حفيظة واستهجان وغضب الشعب العراقي بكافة أطيافه وملله واستفزت بامتياز الضمير الوطني الجمعي بما فيه الضمير الوطني الكردي الحريص على مستقبله ومستقبل اجياله والحريص على دوام حالة الاستقرار الامني والتحسن الخدمي التي يتمتع بها الاقليم وبهذا الخصوص دعني ان اضع امامكم الحقائق التالية :ـ

1- ان اطلاق التصريحات واتخاذ عدد من الاجراءات الخطيرة مثل (ضم الاراضي المتنازع عليها للاقليم ) و ( الاستيلاء على نفط كركوك وتصديره لحسابكم ) و(الدعوة الى الانفصال) خلافا للدستور يعد مرفوضا جملة وتفصيلا ،فعندما يتهدد مصيرنا فان ذلك يقتضي منا جميعا ان نعض على الجراح ونتعاون معا في التصدي لعدوان داعش اولا وقبل كل شيء. فما قيمة نفط العراق وما قيمة نفط كردستان العراق اذا ما سقط ما تبقى من العراق وكردستان العراق بيد داعش لا سامح الله؟

2- ان استغلال الظروف الخطيرة والعصيبة التي يمر بها العراق الكبير لفرض حقوق اضافية للكورد وفقا للامر الواقع الذي فرضته (غزوة داعش) لا يليق بالرجال ولا بالنساء وهو مرفوض سياسيا ودستوريا واخلاقيا وتاريخيا ولا نتمنى للسيد البارزاني ان يظهر بهذا المظهر الذي لا يرضاه اي شخص بسيط لنفسه ولتاريخه ، فكيف نرتضيه لشخص مثل فخامتكم فالعراق وكردستان العراق ليسا ملكا لشخص او زعيم مهما طغى وتجبر فهذه الارض كانت دوما قاطرة الحضارة علمت البشرية كيف تكتب وكيف تزرع وكيف تحكم وكيف تقاتل . اما لحظات الضعف التي مرت وتمر في تاريخ العراق يا فخامة الرئيس لم تكن الاصل ابدا وانما كانت دائما هي الاستثناء وسببها دائما الحكام الطغاة الذين يخطئون التقدير دائما فيتخلون عن الحكمة ويركبون رؤوسهم ويخضعون لرياء وكذب ونفاق حاشياتهم الفاسدة والمفسدة دائما وابدا ويجلبون للعراق البلاءات والكوارث ويتركون جيوشا من الأرامل والأيتام وجيوشا من الفقراء والمعدمين وجيوشا من المهجرين والمهاجرين هاموا على وجوههم في اصقاع الدنيا تاركين خلفهم بلد خصه الله بكل الخيرات والنعم . وعليه وانتم تغردون بتصريحاتكم يا فخامة الرئيس لا تنسوا التاريخ فلا (ضعف العراق الكبير دائم ) ولا( غزوة داعش دائمة) ولا قوة حقيقية لكردستان بدون العراق الكبير ولا قوة حقيقية للعراق الكبير بدون كردستان والعدو الوحيد المشترك للشعب العراقي هو داعش. هذه هي المعادلة يا فخامة الرئيس وليس معادلة استثمار غزوة داعش للحصول على( حقوق اضافية ) في ظرف وطني عصيب محفوف بكل المخاطر فدروس التاريخ علمتنا ان الطغاة الذين لا يقدرون مصالح شعوبهم ويتهورون في ادارتها ساقطون دائما وابدا والباقي بعد الله هو الشعب .

3- لا شك بان دستور 2005 منح الاقليم حقوقا واختصاصات لا يتمتع بها اي اقليم آخر في اي نظام فيدرالي في العالم بما فيها الولايات في النظام الفيدرالي الامريكي للحد الذي حدا بالبعض من فقهاء القانون الدستوري بوصف دستور2005 بانه دستور كردي وليس من مصلحة شعبنا في اقليم كردستان اسقاط هذا الدستور من خلال عدم احترام احكامه وتجاوزها بناء على اوضاع جديدة ترتبت على اثر (غزوة داعش) . لان اسقاط الدستور سيعيد العراق جميعا بما فيه اقليم كردستان الى المربع الاول وسوف تزول كافة المكاسب التي تحققت لشعبنا في الاقليم بموجب هذا الدستور وتصبح جزءا من التاريخ ولا اظن ستجدون بعد سقوط هذا الدستور من يعطي لشعبنا في الاقليم مثل هذه الحقوق وسوف تذهبون بكل المكاسب التي حققها الاقليم الى المجهول وربما يعود الحال الى مرحلة الثمانينات او اسوء منها بكثير وسيخسر الجميع بلا استثناء .

4- اما اذا تعتقدون انكم متجهون الى اسقاط الدستور والانفصال عن العراق فللتاريخ اقول لفخامتكم بكل صدق وامانة . ان من الحماقة لا بل من الجنون الاقدام على هذه الخطوة رغم انف العراقيين، وعلى فرض اتخذتم مثل هذه الخطوة من طرف واحد بارادتكم المنفردة فأرجو ان تتذكر يافخامة الرئيس كلامي هذا وارجو وان يتذكره كل من يقرا رسالتي هذه ايضا ، بان هذه الدولة التي تسعون اليها غير قابلة للاستمرار وغير قابلة للحياة وستجلب مجددا للاقليم بوجه خاص وللعراق بوجه عام كل البلاءات والكوارث وربما اكثر واشد من البلاءات والكوارث السابقة . واتمنى ان تدركوا قبل فوات الاوان بان اسقاط الدستور- رغم كل اعتراضاتنا عليه- يعني تهيئة البيئة المثالية المناسبة لعودة الدكتاتورية من جديد . وسيجد الدكتاتور ورقة الانفصال التي اعلنتم عنها مرارا كافية لترسيخ دكتاتوريته لعقد وربما لبضعة عقود من الزمن ليبدا حربا جديدة ضد الاقليم اشد جورا وظلما من كل سابقاتها وسيجد تحت تصرفه مئات الالوف من البشر تدفعه ويدفعها الى الحرب ضدكم كما سيجد ثروة هائلة من النفط تحت يديه يستخدمها لقمعكم مرة اخرى ، وسيجد تحت تصرفه ايضا كما هائلا من التصرفات القولية والفعلية لفخامتكم الخالية من اي قدر من الحكمة تكفيه لتغطية كل مبررات حربه ضد الاقليم وتكفيه لتحشيد الراي العام ضد شعبنا في الاقليم . وعندها سيدخل العراق من جديد بدورة جديدة من الدكتاتورية ودورة جديدة من الحروب االداخلية غير مسبوقة لا يعلم مداها واثارها الا الله .

5- ان تبريركم لكل تصريحاتكم واجراءاتكم موضوع رسالتنا بانها رد فعل على سياسات المالكي تجاه الاقليم . وهنا نقول يا فخامة الرئيس انتم اول من اسس لتولي المالكي لولاية ثانية بموجب اتفاق اربيل رغم وجود اعتراضات (شيعية) و(سنية) عليه ، وقال فخامة الرئيس طالباني – نتمنى له الشفاء – قولته المشهورة (لا بديل للمالكي الا المالكي) ثم ان فخامتكم اول من يعلم ان الرئيس طالباني (نتمنى له الشفاء) هو الذي تراجع عن تقديم طلب سحب الثقة بالمالكي وانقذ المالكي من قرار سحب الثقة به وبحكومته ، وعليه فاذا كان هناك من يجب ان يتحمل مسؤولية تولي المالكي رئاسة الحكومة للدورة السابقة فان في مقدمة من يتحمل ذلك هو فخامة الرئيس طالباني وفخامتكم . ثم هل ان انفراد المالكي في السلطة وتهميش الشركاء والحلفاء كما تعلنون يصلح ان يكون سببا كافيا للانفصال وتقسيم البلاد وتمزيق وحدة العباد لا سيما نحن نعيش الايام الاخيرة لولايته الثانية وربما لا يحصل على ولاية ثالثة ؟!!! فالمالكي جاء باليات ديمقراطية وممكن ان يخرج بالاليات ذاتها ويبقى المالكي في كل الاحوال حالة مؤقتة وزائلة لها ما لها وعليها ما عليها والثابت والدائم الوحيد الباقي بعد الله هو العراق فهل يجوز ان نفرط بالثابت ونتمسك بالطارئ ونتخذ قرارت مصيرية غاية في الخطورة بسبب حاكم جاء الى السلطة باليات دستورية على فرض انه أساء استخدامها ، يا فخامة الرئيس ؟!!!

6- انا من اشد المعارضين لاي ولاية ثالثة للرئاسات الثلاث ولا سيما لرئيس مجلس الوزراء لان المؤكد والثابت ان السلطة بمرور الزمن تفسد حتى الملائكة وتحولهم الى شياطين وخاصة في العراق حيث تجتمع السلطة والثروة النفطية الهائلة في شخص رئيس مجلس الوزراء في ظل غياب الرقابة الحقيقية لعدم استكمال منظومة المؤسسات

الرقابية الفاعلة مع وجود ثروة نفطية جاهزة وهائلة جدا من العائدات النفطية لا يتعب في توليدها الحاكم ، يمكن ان تستخدم في ترسيخ سلطة الحاكم وليس لترسيخ التنمية وتكون حاشية الحاكم بمرور الزمن اكثر مهارة في اساءة استخدام السلطة والثروة ولا ينتهي ذلك الا بصناعة دكتاتور . ولكن لا يعني ذلك ان يكون لنا الحق في ضرب الدستور عرض الحائط لمنع الولاية الثالثة بمعنى ان نحاول منع الولاية الثالثة ضمن الدستور وليس خرقا له .

7- ان اعلانكم عن ضم المناطق المتنازع عليها خلافا للآليات التي رسمها الدستور واستيلائكم على حقول نفط كركوك بقوة السلاح خارج الإطار الدستوري أيضا ومباشرتكم باجراءت من شانها ان تؤسس للانفصال هي تحد واضح وصريح للدستور وإنقلاب عليه وتمرد على سلطة الدولة لا شك فيه ، ولشدة حبنا وحرصنا على مستقبل شعبنا في الاقليم واستقراره وازدهاره نذكركم – وذكر ان نفعت الذكرى – بان دول جوار الاقليم جميعا بدون استثناء لم ولن يسمحوا بقيام دولة كردية وكذلك الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي وان الدويلة الوحيدة في المنطقة التي ايدت مشروعكم للانفصال هي اسرائيل وتأييد إسرائيل وحده كاف لتقييم مشروعكم الانفصالي البائس . كما ان الشعب العراقي برمته سيخسر ولكن اول واكبر الخاسرين هو شعبنا في الإقليم لانه الجزء الوحيد من العراق ينعم بوضع امني وخدمي ممتاز قياسا الى بقية محافظات العراق التي عانت من اوضاع امنية صعبة وخدمات عامة متدنية وسياسيين فاشلين بامتياز ، واذا ما قررتم المضي في هذا الطريق يا فخامة الرئيس فعلينا جميعا ان نتهيأ لبلاءات وظلامات واهوال لا يعلم مداها الا الله .

لذلك ما زلنا ننتظر من فخامتكم قدرا كبيرا من الحكمة والتروي وكما يقول اكثم بن صيفي (آفة الرأي الهوى) فلا تسمح لهواك يا كاكة مسعود ان يطيح باحلام وامال وانجازات ومكاسب اهلنا في كردستان والشعب العراقي باسره والحكيم من اتعظ بغيره لا بنفسه يا فخامة الرئيس .

8- كما ندعوك يا فخامة الرئيس الا توغل في استغلال غياب الرئيس طالباني بحكمته المعروفة وشخصيته الابوية والجامعة والمحبوبة من الشعب العراقي باسره فتتخذ قرارت غير مدروسة وغير محسوبة تفتقر الى الحكمة وحسن التدبر فتقود الاقليم والعراق الى الهاوية وتطيح بالكامل بكل احلام العراقيين وبالذات في اقليم كردستان بحياة افضل بعد ان سئموا الحروب وويلاتها فاعتقد ان العرب والكورد دفعوا انهار من الدماء ومئات المليارات من ثرواتهم نتيجة اعمال القمع والحروب تقتضي منا ان نفكر الف مرة قبل ان نقدم على اي خطوة قد تعيدنا الى اتون القمع والاحتراب من جديد ونخسر فرصة تاريخية متاحة حاليا لطرد داعش اولا واعادة لحمة العراقيين ثانيا وتنقيح العملية السياسية من اخطائها وتصويبها لمصلحة الجميع لبناء عراق حر موحد لا يستثنى في بنائه احد .

9- تاكد مرة اخرى واخرى ان مشروعكم بالانفصال وتحد الدستور- الذي لن تجد مثله ضامنا لحقوقكم في كل دساتير العالم- لن يكتب له النجاح وتاكد ايضا ان العالم باسره عدا اسرائيل لن يقبل بدولة كردية لاسباب يعلمها الجميع وان الموقف التركي من

مشروعكم يهدف الى تشجيعكم الى اتخاذ قرارات خاطئة وخطيرة تقضي على كل المكاسب التي تحققت للاقليم بعد 2003 وبالتالي عودتكم الى ثمانينيات القرن الماضي

10- وتاكد ايضا ان العراقيين لن يمنحوا لكم اية حقوق اضافية تحاولون الحصول عليها كاثر لغزوة داعش وان العراقيين بعد ان يحسموا معركتهم مع داعش سوف لن يسمحوا لكم بتصدير نفط كركوك لحسابكم مهما كلفهم من ثمن الا وفقا للدستور وليس وفقا لغزوة داعش . وتذكروا ايضا ان العراقيين يمكن ان يختلفوا حول كل شيء ولكن لم ولن يختلفوا حول وحدة العراق واذا كان ثمة خلاف بين الشيعة والسنة حول شكل الحكم والحاكم ولكن لا خلاف ابدا ومطلقا حول وحدة العراق ارضا وشعبا ومصيرا .

واخيرا نتسائل كعراقيين مفجوعين بحكامنا وزعمائنا الاكثر فشلا في تاريخ الفشل ، فهل سننجح بان ناتي برجال من ذوي العقل والعفة والحكمة وحسن التفكير والتدبير والتقدير يتولون امرنا ويخرجوا عراقنا من بين الحطام ويلملموا شتاتنا ويوحدوا كلمتنا فيضعوا حدا لمن لا حد له ، ويزرعوا عقلا لمن لا عقل له ، ويجدوا حلا ناجعا لطوفان السوء الذي يهدد وجودنا والفساد الذي ينخر بدولتنا ويعيدوا الأمور إلى نصابها الصحيح ويرحموا هذا الشعب الذي ما زال يئن من حكامه ويصرخ منذ فجر التاريخ ؟!!!

*[email protected]