23 ديسمبر، 2024 10:57 ص

رسالة مفتوحة إلى الإصلاحيين في حزب الدعوة 2/3

رسالة مفتوحة إلى الإصلاحيين في حزب الدعوة 2/3

أهم ما جاء في رسالتي المفتوحة الموجهة إليكم في 17/04/2006 هو الآتي [مع إضافات بين مضلعين].
1. إعادة النظر في الاسم: ما من مقدس من نتاج الإنسان إلا وقدسيته نسبية، وليس من مطلق إلا الله، وبعض الحقائق من ضرورات العقل. صحيح إن الاسم من وضع المؤسس، [أو أحد المؤسسين] المفكر الكبـير الشهيد الصدر، وصـحيح أن الاسم يتحول مع الوقت إلى ركن أساسي من شخصية المسمى، وصـحيح إن اسم حزب الدعوة الإسلامية يمثل تأريخا ممتدا لخمسة عقود، حافلا بالشهادة والنضال والعطاء والتضحيات والفكر، إلا أننا إذا ما وجدنا المـبررات الكافية، يمكن أن يغـير أحدنا حتى اسمه الشخصي ولقب عائلته. واسم (الدعوة الإسلامية)، إذا أمعنا النظر فيه بتجرد، وفي لحظة نحاول أن نمحو فيها ذاكرتنا، ونتعامل مع الاسم، وكأننا نسمعه لأول مرة، كمقـترح مقدم لتسمية حزب سياسي، يريد اليوم أن يؤسسه أشـخاص مؤمنون بالإسلام، وملتزمون بأحكامه. عندها سيكون الخيار بالتأكيد غـير هذا الخيار، وسيقال لمقـترح اسم (الدعوة)، مع كل احترامنا لوجهة نظرك، وكل اعتزازنا بهذا المصطلح القرآني، إلا أن هذا لا يمثل الخيار المناسب. وهكذا هو الحال مع كثـير من أسماء الأحزاب الإسلامية، الكبـيرة منها والصغيرة، كالمجلس الأعـلى للثورة الإسلامية فـي العراق، [لاحقا: المجلس الأعـلى الإسلامي العراقـي]، [و….] وفي بحث الفصل بين السياسي والدعوي أدناه ستتضـح أكـثر المـبررات لضرورة إعادة النظر في الاسم.
2. إعادة النظر في الفصل بين السياسي والدعوي: تأسس حزب الدعوة كحزب إسلامي صاحب مشروع تغيـيري، أي إنه وضع لنفسه مهمة تغيـير الأمة عـلى أساس الإسلام، ضمن مراحل العملية التغييرية، أو ما سُمِّي لاحقا بعملية أسلمة الواقع] تلك الفكرة البائسة الـتي قامت عليها كل أحزاب الإسلام السياسي، بدءً بـحركة الإخوان المسلمين]، الـتي تبدأ بالعملية التغييرية الفكرية [السرية]، فالسياسية [نصف السرية]، فالثورية أو الجهادية، فالحكمية أو التطبيقية. وكان همّ الدعاة أن يدعوا الأمة إلى الإسلام، ويقرّبوها منه، بعدما ابتعدت عنه فكرا، ومفاهيم، وممارسة، وأخلاقا [والواقع يرينا أن المجتمعات العلمانية، واللادينية، أو مجتمعات الديانات الأخرى، أكـثر التزاما بكثـير بالمثل والقيم الأخلاقية والإنسانية من المسلمين المتدينين]، وسلوكا، وسياسة، وتربية، وعلى جميع الصُّعُد. وكان ذلك بدافعين، أولا كردة فعل على الشعور بابتعاد الأمة عن هويتها الإسلامية، فأراد الدعاة أن يحوّلوا المسلم بالهوية، إلى مسلم مقتنع بالإسلام في العمق، والمسلم غـير الملتـزم إلى مسلم ملـتزم، والملـتزم غـير الواعي [أي غـير المعتمد للإسلام السياسي، والمؤمن أن الإسلام عبادة وسياسة، دين ودولة، دنيا وآخرة] إلى ملـتزم واع، والواعي غـير العامل إلى واع عامل، وهكذا. وهذه المهمة كما هو واضح هي مهمة دعوية، أو وعظية، أو دينية تربوية وتثقيفية. ومثل هذه المهام هي في الواقع ليست من مهام حزب سياسي، بل من مهام مؤسسة مجتمع مدني دينية دعوية أو وعظية أو تثقيفية تربوية، ولكون مثل هكذا مؤسسة ما كان لها أن تؤسس في زمن الديكتاتورية الصدامية، كان لا بد من تنظيم سري يضطلع بهذه المهمة. أما في أجواء الحرية، والتأسيس للديمقراطية، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، [بما فيها] التربوية والثقافية والوعظية والخيرية، فلا معـنى لأن يضطلع حزب سياسي بمثل هذه المهام. من هنا لا بد من أن يتحول حزب الدعوة إلى حزب سياسي محض، وتتأسس إلى جانبه مؤسسة مجتمع مدني دينية تعـنى بالتربية والتثقيف الدينيين، وليكن اسمها رابطة، أو مؤسسة، أو جمعية الدعوة الإسلامية، أو ما شابه. وهنا سينقسم كوادر الحزب إلى ثلاثة أقسام، منهم من يتفرغ للعمل السياسي، فينتـمي إلى الحزب السياسي ذي الاسم الجديد، ومنهم من يتفرغ للنشاط الوعظي، فينتسب إلى مؤسسة الدعوة، ومنهم من يجمع بين الاثنين، كأي حزبي له نشاط اجتماعي، أو ثقافي، أو خـيري إنساني، أو علـمي أكاديمي آخر، ولكن يبقى لكل منهما أساليبه في العمل التي يتميز بها عنها في الثاني، ويكون صاحب الانتماءين سياسيا في الحزب، وداعية في المؤسسة، وهذا له بعض المصاديق في التجارب الديمقراطية، فهناك قسّ قد يضطلع بنشاط سياسي، فلا يخلط بين دوره الكنسي ودوره الحزبي، بل لكل مجاله. [هذا كان موجه للحزب عام 2006، ولم يعد حزب الدعوة بصفته هذه معنيا به، ولكن، سيكون بهذه الخصوص كلام يتعلق بالكيان السياسي المطلوب من الإصلاحيين داخل الحزب تأسيسيه الآن.]
3. إعادة النظر في مذهبة الهوية السياسية: بالرغم من أن حزب الدعوة بقي أبعد من غـيره من الأحزاب الإسلامية الشيعية عن الخطاب المذهبي، ولكنه انجر مع تيار تسييس الانتماء المذهبي، وكل ما يرتبط بذلك من مرجعية وغيرها، وتيار مذهبة المشهد السياسي [بل غدا أحد المؤسسين الأساسيين للطائفية السياسية، التي أعتبرها الجريمة التاريخية بحق العراق، وبحق مشروع التحول الديمقراطي فيه، بتضييع الفرصة التاريخية الذهبية النادر حصولها في تاريخ الشعوب، والتي أي الطائفية السياسية بلغت ذروتها في الفترة بين 2010 و2014، […].
4. إعادة النظر في مغزى إسلامية المشروع السياسي: كونوا من الشجاعة والجرأة لتطرحوا السؤال حول جدوى ومـبررات نعت أنفسكم بأنكم إسلاميون كسياسيين. […] فـ 90% من الشؤون السياسية يرجع بها إلى عموم التجربة الإنسانية. نعم سمينا أنفسنا [يوم كنت معكم] في وقتها إسلاميين، لأننا كنا نملك مشروعا إسلاميا للدولة، ولكن بعدما تبين لنا أن الدولة غـير المؤدلجة، سواء بإيديولوجية دينية أو بإيديولوجية بشرية، هي الحاضنة الأصلح لواقع التنوع والتعددية الذي لا بد لنا من الإقرار به، وترتيب الأثر على هذا الإقرار، وهي الأصلح للإسلام ورسالته ودعوته، لا بد من إعادة النظر في هذه المسألة. ثم بينت في سؤال الفصل بين السياسي والدعوي، أن من يريد أن يعمل في إطار الدعوة للإسلام، فلهذا الأمر مجاله الخاص، من حوزة ومرجعيات – ولو أنهما بحاجة إلى عملية إصلاح جذرية وشاملة -، ومؤسسات خيرية، أو وعظية، أو دعوية، أو ثقافية، أو تربوية، وليس مجالها الأحزاب السياسية. فإذا ما أقررنا هذا الفصل، لن يكون لنا بعدها من مـبرر لنعت أنفسنا سياسيا بالإسلاميين.

انتهى النص المستقطع من رسالتي الموجهة إليكم عام 2006، والمضاف إليها نصوصا وضعتها [بين مضلعين] حين أدرجت الرسالة في كتابي «ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي» الذي صدر عام 2012، واستغنيت عن إدراج يقية النصوص، التي لم تعد مهمة، لاسيما لرسالتي المفتوحة هذه، في مطلع 2018 قبيل الانتخابات القادمة، في حال أجريت في موعدها، وبين الرسالتين أكثر من عقد، بكل ما حفل به من تغيرات، مع عدم تغير تلك التشخيصات في جوهرها.