ليس الشيعة وحدهم من تفاعل إيجاباً مع الإتفاق النووي التاريخي بين إيران والدول الكبرى، فكل عشَّاق السلام والمتطلعين إلى منطقة منزوعة الأزمات، تفائلوا وما زالوا يعولون على هذا الإتفاق لحلحلة تدريجية تشمل مشاكل المنطقة. قد يكون للشيعة مبررات أخرى، أبرزها صعود عمقهم الإستراتيجي وداعمهم الأول بغية وصولهم لحسم الملفات التي تواجه إستقرار بلدان المعركة.
إنّ حسم ملفات المنطقة ليست بالعملية اليسيرة، سيما بعد إعتماد بعض الدول على الإرهاب كورقة رابحة! ومن هنا برزت قوتين: الأولى، الإعتدال الذي يواجه الإرهاب عسكرياً ويسعى للتفاوض مع الدول التي تقاطعه بالرؤية، والثانية؛ الإرهاب والدول الداعمة له والتي حاولت عرقلة أي جهد دبلوماسي.
لقد وصلت المنطقة إلى مرحلة الإختناق؛ فإما الحرب أو السلام. وهذه الحرب ليست صولة عابرة، بل كل العالم سيشترك بها نتيجة لإعتبارات سياسية وإقتصادية محورها الشرق الأوسط.
إيران التي حاربت وتحارب الإرهاب المدعوم والمسلّح من قبل الغرب ودول أخرى (قطر، تركيا، السعودية)، تفاوض الغرب في سويسرا. لقد نجحت إيران في معركتها ومعركة حلفاؤها، وأبهرت أصدقاؤها وأعدؤها بقدرات تفاوضية عالية حققت من خلالها كسراً لمعادلة العداء التقليدي التي كانت سائدة ومريحة بالنسبة للدول الداعمة للإرهاب!..
القيادة الواعية..
السياسة فن، لا يمت بصلة لخطابات التشنّج والتراشقات الإعلامية التي لا ترتكز على مشروع واضح، بل تسعى لديمومة الأزمة؛ فهي تقدم تبريراً مناسباً لحالات الفشل في إدارة الدولة. لعل هذه البضاعة التي إستطاع العرب عبرها تثبيت مشيخاتهم وإماراتهم.
العراق، رغم نظامه الديمقراطي، إستخدمت بعض قواه السياسية طيلة الفترة الماضية، طريقة الخطاب العربي المتشنّج والذي أثبت فشله أمام القيادات الواعية الحاملة لهموم شعوبها وخير مثال؛ الحالة الإيرانية التي أنجزت دولة شريكة للدول العظمى.
بيد أنّ بعض القوى العراقية، الموصوفة ب(المنبطحة)، إستطاعت تجاوز ظاهرة الركود العربي، بمحاولاتها الحثيثة لتغليب منطق الدولة الراعية لمصالحها وتسييد لغة الحوار الداخلي والتفاوض الخارجي. إن المرجعية الدينية هي المحرّك الذي يديم هذا النهج السياسي العميق، النهج الذي يتعرض لحرب شعواء من قبل أتباع المنهج (العربي) في إدارة البلدان!..
ذلك المنهج، يذهب إلى محاولات تغييب الوعي السياسي الجماهيري متبنياً نظريات ( التخوين، العمالة، المؤامرة، الضعف) وبنفس الوقت محاولاً تصدير نفسه على إنه بطل الأمة الذي لا يجوز مسائلته عن خلل ما أو فشل ضاع بسببه ثلث مساحة العراق!
الداخل والخارج..المعادلة الرابحة!
إعتماد أصحاب نظرية ( البطولة الخطابية) على إستخدام الجماهير لغرضين؛ الوصول للسلطة، والوصول للخارج، أفقد قدرتهم على الصمود أمام موائد التفاوض والحوار داخلياً وخارجيا؛ لذا مرت الدولة، في مرحلة سابقة، بعزلة أفقدتها كثيراً من الأوراق الرابحة، وكأنّ العراق يعيش بمعزل عن مشاكل المنطقة والعالم!..قد يبدو إنهم ربحوا جولة التسقيط السياسي، غير أنّ الخسارة تضاعفت عليهم؛ فبعد إثبات جهلهم بالسياسية الدولية وقواعد الحكم، صدموا بالنموذج الإيراني الذي طالما تشبهوا به وحاولوا الإيحاء للجماهير بأنّ حركتهم جزء من ذلك المنهج المقاوم.
إيران والخليج وفرنسا..
زيارة المنتصر ظريف ( وزير خارجية إيران) لقطر والكويت، تعد مرحلة إنتقالية لعلاقات جديدة تسبقها مفاوضات مع أكثر الدول عداءاً لإيران ( المملكة السعودية)، سيما إن المملكة رغم عدم ترحيبها بالإنفاق النووي، لم تعترض بل رحبت بجزء من الإتفاق، فهي بذلك تعطي إشارة إلى ضرورة الجلوس مع إيران.
الملك السعودي سيزور فرنسا، والأخيرة تعد من أكثر الدول حماساً لتغيير النظام السوري المدعوم إيرانياً، لكنها وصلت إلى رأي آخر بعد الإتفاق النووي، إذ دعت إلى “مساهمة إيران في حل الأزمة السورية” فضلاً عن زيارة مرتقبة لوزير خارجيتها إلى طهران. إنّ زيارة الملك السعودي إلى باريس والوزير الفرنسي إلى طهران؛ قد تدشّن عهداً جديداً من التفاوض بين إيران والسعودية.
الشعب العراقي لساسته: إقتدوا بإيران!
ثمة إحتفالات صامتة جابت عواطف أغلبية الشعب العراقي، لعلها توازي فرحة الشعب الإيراني؛ وهذه الفرحة العراقية لها مبررات تتعلق بالحرب ومواعيد حسمها، لكن الغريب في الأمر؛ بعضهم لم يطرح سؤلاً بسيطاً: كيف حققت إيران ذلك؟ إنه الحوار والعمل الدبلوماسي البعيد عن الخطابات الموجهة لمشاعر الناس.
إنّ الإنجاز الإيراني، جعل الجمهور يطالب الساسة بالعمل وفق رؤية وصبر وثبات الجارة إيران، دون تحديد أو تشخيص المنهج العقلي المتبع في تلك المفاوضات الشاقة. وزير خارجية إيران ومهندس إنجازها الكبير، أعطى الوصفة الدقيقة للشعب العراقي عموماً والشيعة خصوصاً، من خلال زيارته إلى بغداد.
لا شك إنّ زيارة ظريف للعراق، كانت حافلة بملفات كبيرة ومهمة، تبدأ من مساندة طهران لبغداد في الحرب ضد الإرهاب، ولا تتوقف عند العلاقات مع دول المنطقة المتخاصمة منذ سنوات. بيد أنّ خريطة تلك الزيارة، حددت بدقة مكمن النجاح العراقي وكيفية النهوض لو أراد العراق نهوضاً.
المرجعية الدينية (المراجع الأربعة) وزعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم، وشخصيات رسمية ( العبادي، الجبوري، الجعفري).
الحكومة طالما إنسجمت مع منهج المرجعية المنادي بالحوار، والحكيم الذي يعد عراباً لمنهج التفاوض والحوار، فهي قادرة على الإنجاز.
لكن هذا الإنجاز مشروطاً بقدرة التحالف الوطني على إنهاء حالة الخلافات الداخلية؛ إذ إنّ هناك محورين بمنهجين، الحكيم يقود الأول والمالكي يقود الثاني. إستبعاد وزير خارجية إيران للمالكي وذهابه إلى الحكيم؛ رسالة بليغة ونصيحة مخلصة لو إلتزم بها العراق، سيصل إلى منجز بحجم نووي إيران.