23 ديسمبر، 2024 10:05 ص

فكرتُ كثيراً قبل البّوح, او بالأحرى, جعل بوحيّ في رسالةٍ مفتوحة. سأحاول ألا تكون تبريراً او مُخَّاطَبةً لجهةٍ او لسلطةٍ ما, فلن يعنيني التوضيح, سأبوح فقط لأستريح, فقد رأيت وقاتلت, ولم اقتل لِسببٍ أجهلهُ. لا اريد القتال بعد الآن؛ تحت امرة من لايجيدون سوى الفرار اذا اشتد الوطيس والتمترس خلف جنودهم وهم يُصْدِّرونَ امراً بالهجوم, والذي غالبا ما كان ينتهي بمحاصرة قطعاتنا, وهروب قائدُنا, واستشهاد الجنود الابطال على خط النار؛ بعد نفاذ ذخيرتهم. لن ابالغ حول الامر, فلن اكترث لذم او مدح . الضابطية, الحلابسة, الكرمة, الرفوش ودويليبة, مجموع المناطق التي خُّضتُ فيها الحرب بكل ماتَحّمِلهُ من معنى, اصدقاء ورفاق يستشهدون بالجملة, اطلاقات قناص بعيدة المدى, دفعتني عن مرماها يدٌ خفيةٌ لتتجاوزني في رقصة سخيفة مع الموت. السبب الذي من اجله ايقنت ان الموت في هذه الحرب لن يعني اكثر من فرد ينقص من عائلتي فقط, هو ان جميع المناطق التي قاتلنا لأجل تحريرها وقدم فيها افضل الجنود دماؤهم, تُرِكتْ بعد ذلك للعدو, لنعاود بعد فترة القتال لأسترجاعها, فالقائد ثري حرب, تدفع له الحكومة الأموال لتحرير الأرض, ومن مصلحته ان تستمر الحرب ولايعنيه بعد ذلك اي شيء مادام خلف خطوط التماس بكامل القيافة والأناقة. لا احد يعلم انه في كل الامكان التي اشتبكنا فيها مع العدو, انتهى الأمر بحصار قطاعتنا من قبل عصابات قليلة العدد لا يتجاوز افرادها الخمسون عنصرا على اكثر تقدير, مُدربين, يجيدون الانتشار, بطريقةٍ لم نتعلمها في التدريبات!, ولا احد يعلم, إن القائد الاعلى المسؤول عن اعداد خُطة الهجوم يهرب في كل مرة يقود فيها جنوده, ويتركهم مكشوفي الظهر بعتداد سرعان ما يأزف !. لم اكن اعلم إن من شُرعة الحرب ان يكون القائد جباناً !.
لست ادري كم عدد الجنود الذين تُرِكو لهذا المصير التعيس, مع انّي متاكد الآن إن الكثير منهم واجهو تلك اللحظات الأساسية في خطط القادة والهامشية عليكم, ايها المزمجرون للحرب, وانتم بعيدون عنها في منازلكم الدافئة .! لن اتكلم عن ظروف اصابتي في احدى ساقاي, فلن يجعل ذلك مني بطل, فأنا الآن آمن مثلكم, تختزن أُذناي فقط ازيز رصاص طائش, لم يوفق في اختراق جثتي, او الأستقرار فيها, ولكنهم مازالو هناك, رافقائي في الحرب, أُهاتفهم, يرجّونَ ان تدعو لهم والدتي بالسلامة, وانا على يقين بأنهم سيقتلون في قادم ايام الحرب, فهم لايعّون دائرة الموت التي وضِعو فيها, فلم يتعلم غالبيتهم في هذا الوطن, مايمكنهم من تحليل الامور, عَلّموهم فقط, استعمال السلاح, ليتقدمو للموت بغيرةٍ طائشةْ!. لن اوجه هذه الرسالة, والتي تتضمن تجربة شخصيه صرفة -كما هي العادة- للقائد العام للقوات المسلحة, كما إنها لاتشمل كل جبهات القتال, ولا كل القادة. مايهمني, أنّ يقرؤها اعداء الحرب والذين يشتمونها, ليعلم الجميع ان كل معاركنا كانت دون خطط, او بخطط بدائية, سرعان ماكانت تنهار امام دهاء العدو, لِتُكبِدُنا ارواح الجنود الشجعان وذوات الناجين منّهم!. من اجل زميلي الجريح الذي ذبحته عصابات داعش على بعد مائتي متر من تمترسنا بعد ان رُفِضَّتْ  نَّجدتهُ, واصدقائي السبعة الذين سقطو في هجوم غير محسوب أُمِرّنا به رغم سوء نشر الدُرّوعْ, ليفُرَّ صاحب الأمر بحمايتهِ من المعركة تاركاً اياهم على خط النار من دون اي فرصة بالنجاة, فقاتلو ببسالة حتى اخر رصاصة قبل ان يستشهدو, قررت ان ارسل الرسالة, هارِباً من حرب وقودها ابناء الفقراء فقط.