كما هو معلوم فان الهدف من النقد هو اصلاح المؤسسات وليس تخريبها ولكي يكون النقد بناء فان الابتعاد عن الشخصنة والانفعالية هو أمر مهم حتى يتقبل صانع القرار النقد بغض النظر عن تطبيقه لما جاء فيها او عدم تطبيقه فتقبله للنقد هو بحد ذاته بداية صحيحة لفكرة الاصلاح.
من المعروف ان وزارة الخارجية ورغم بعض العثرات التي واكبت فترة الوزير الاسبق هوشيار زيباري الا انها في المجمل كانت من افضل الوزارات اداءا على المستوى الحكومي طيلة ثلاث حكومات مضت، ونحن لسنا هنا في معرض استعراض انجازات الوزير الاسبق زيباري وانما نثبت بعض الامور المعروفة طبعا اخذا بنظر الاعتبار ان هناك العديد ممن لديهم نظرة سلبية عن عمل زيباري ولكن الاختلاف في الرأي هو مظهر حضاري طالما التزم الادب.
وقبل ان اكتب هذه الرسالة الاصلاحية تواصلت مع ستة دبلوماسيين عراقيين متقاعدين من الاصدقاء وهم على مستوى عالي من الحرفية والمهنية وقدموا مجموعة من الاراء الاصلاحية جمعتها وشذبتها للخروج بهذه الرؤية التي اتأمل ان تكون مفيدة للدكتور فؤاد حسين وزير الخارجية
وبدون الخوض في التاريخ الا ان الوزارة عصف بها اداء الوزير الاسبق ابراهيم الجعفري وخصوصا لنقله لكوادر ضعيفة واحتساب خدماتها في مؤسسات اخرى والخدمات الجهادية والمحاماة والبلدية وغيرها كخدمات دبلوماسية ومنحهم درجات دبلوماسية عليا ليعود السلك الدبلوماسي العراقي الى المربع الاول بين سنتي 2003-2004 والتي شهدت عمليات الدمج والتي في مقاربة هي اشبه بالضباط الدمج في وزارتي الداخلية والدفاع، هذه العملية كان قد انهاها زيباري ورصن عملية التدرج الوظيفي بنسبة عالية، فالدبلوماسية هي نظامها مقارب للعسكرية في التدرج والخبرة المطلوبة لهذا التدرج وعلى سبيل المثال فان منح درجة سكرتير اول يوازي تقريبا عقيد في الجيش ومن هنا فالقارئ يعرف مستوى الضباط الدمج وبنفس المستوى واسوء هو حالة الدبلوماسيين الدمج.. ورغم اختلافنا مع وزير الخارجية السابق محمد علي الحكيم في ضعف اداءه وتفرده في القرار وجموده الا انه يذكر له انه اوقف قبول عمليات نقل الخدمات والدبلوماسيين الدمج خلال فترته الوزارية وحاول الرجل ولكن بدون بوصلة واضحة مراجعة الدرجات التي منحها سلفه الجعفري ولكنه فشل في ذلك لانه اعتمد على كادر ضعيف قليل الخبرة استعان به في مكتبه لإدارة الوزارة وافرغ صلاحيات الوكلاء لصالح هذا الكادر الضعيف ففشل في تحقيق اهدافه بشكل شبه كامل.
اذن الضرورة الان تحتم على الدكتور فؤاد حسين ان يبدء من حيث انتهى الاخرون وان يكون معياره هو الاصلاح القانوني وليس الاجراءات التعسفية، وان يعيد الهيبة للدائرة القانونية في وزارته مستعيناً بها لتكون خطواته قانونية اصلاحية سليمة وان يراعي في نفس الوقت عملية التوازن السياسي وهي مهمة صعبة جداً الا انها غير مستحيلة. هذه الخطوة لن تتحقق الا باعادة الاعتبار الكامل للدائرة القانونية واعادة هيكلتها ونقل الكفاءات القانونية الموزعة في دوائر الوزارة اليها ونقل ضعيفي الكفاءة الى دوائر اخرى، والاهم ان لا تعاد هيمنة هيئة المستشارين برئاسة د.محمد الحاج حمود مع جُل احترامنا الشخصي له على هذه الدائرة، فدروه يجب ان ينحصر في قضايا استشارية محدودة ولكن خطط العمل اليومي الداخلية والخارجية يجب ان تناط بالدائرة القانونية حصراً.
بهذه الخطوة التي لا غنى عنها يحتاج الدكتور فؤاد حسين الى بناء مكتبه بشكل قوي من كفاءات الوزارة الموجودة ويتجنب خطأ سلفه الحكيم الذي استعان بالوزير المفوض منهل الصافي والذي انكفا على نفسه مركزاً على طموحاته الشخصية لانه يفتقد الخبرة الادارية الداخلية في الوزارة فالرجل منذ ان التحق بالسلك الدبلوماسي كان عمله الاساس في الوزارة هو دائرة المراسم، وهنا نحن لا نقلل ابداً من امكانياته بل هو رجل متمكن في المراسم وذو خلق رفيع ولكن يفتقد الى الخبرة الادارية ومعرفة قوانين الوزارة التي تمكنه من ادارة مكتب الوزير ومتابعة تنفيذ خططه بشكل سليم، وهذا الامر هو مقارب لنفس الخطأ باستعانة الوزير السابق بالسيد رزاق مشكور كمستشار قانوني له في حين ان الرجل خبرته في المنظمات الدولية وليس في قوانين الوزارة..طبعا يبدو خطأ الوزير السابق اوضح في اختياره للسيد نزار الحكيم مقررا للجنة الخدمة الخارجية والذي يفتقد نهائياً لاي خبرة مما جعل الوزارة تسير في فلك الاخطاء الكارثية على المستوى الداخلي. اذن بناء مكتب قوي ويفضل ان يكون مدير المكتب دبلوماسي قانوني رفيع الدرجة من الموجودين في الوزارة او احد معاوني رئيس الدائرة الادارية الحاليين ويكون معهم من الخبرات الدبلوماسية المتوسطة من اصحاب الكفاءة ايضاً حتى يكتمل المكتب بشكل مثالين وطبعا هذا لايمنع الوزير من جلب بعض المقربين اليه (لان هذه عادة عراقية صرفة) ولكن الدور الاساس يتم إيكاله للدبلوماسيين المحترفين.
بهذه الخطوات وبمعية مكتب قوي ودائرة قانونية قوية ودائرة ادارية قوية من المفروض ان يبدء الوزير بمراجعات الدرجات الدبلوماسية الممنوحة جزافاً وان يبدء اعادة تدقيق الشهادات الدراسية لجميع موظفي الوزارة فهذا الموضوع عمل به زيباري واتخذت عدة اجراءات ولكنها غير مكتملة وتوقف نهائياً تقريباً منذ استيزار الجعفري ولغاية الان ونقول ان من المعيب ان يكون في وزارة الخارجية سفير او دبلوماسي بشهادة مزورة او عديم الشهادة، واعادة عملية الترقيات وفقاً لقنون الخدمة الخارجية وليس وفقاً لاهواء بعض قيادات الوزارة وموظفيها.
ويبقى النقطة المهمة في اعادة هيكلة السفارات وايضا بالاستفادة بالتاريخ فلقد ايقن وزير الخارجية الاسبق زيباري ان اساس السفارات هو الكادر الدبلوماسي اما الكادر الاداري فهو معونة مطلوبة بحدها الادنى ولهذا قلل نقل الاداريين وركز على نقل الدبلوماسيين واوقف نقل الدرجات الاخرى من حرفيين وسواق وعمال نظافة وكتاب طابعة وبدالة ومهندسين ومبرمجين فحصلت عملية ترشيق في الانفاق محمودة إذ من غير الطبيعي صرف موارد الدولة بهذه الطريقة الفوضوية، ولكن مع الاسف اعاد الوزير الاسبق الجعفري نقل هذه الدرجات فملئت السفارات والقنصليات بموظفين لا تحتاجهم وبالتالي ازداد الانفاق بشكل غير معقول ولا مقبول.
وهنا نشير الى ان أي خطة لاعادة هؤلاء يجب ان تأخذ البُعد الانساني وظروف دراسة اولادهم بحيث يكون نقلهم بشكل ممنهج وغير عشوائي ليقلل الاضرار التي ستحلق بهم، ونقول مع الاسف هذا الامر يجب ان يتم إذ من غير المعقول نقل موظف اداري او حرفي او سائق الى بعثة عراقية ويكلف الدولة حوالي 7-8 الاف دولار شهريا وممكن الاستغناء عنه، وبهذه العملية سيتم تقليص انفاق البعثات العراقية بما يقارب 60-70% ولا يضطر العراق الى تقليص تمثليه الدولي وبنفس الوقت يعيد عملية نقل الدبلوماسيين وفقاً للقانون بالمدة المحددة وهي سنتين خدمة في مركز الوزارة بدلاً من 4 سنوات نتيجة ملء السفارات بدرجات لا تحتاجها الامر الذي انعكس على اداء البعثات وتطور المهنية الدبلوماسية للدبلوماسيين.
إذن جملة من نصائح اولية نتمنى ان تكون مفيدة لوزير الخارجية الجديد، وان اصبنا فلنا حسنتين وان اخطأنا فلنا واحدة، على اننا سنتابع باهتمام خطواته في الوزارة وسنقيمها تقييماً موضوعياً وننقد نقاط الفشل ان وجدت ونشيد بحالات النجاح ان تحققت.