23 ديسمبر، 2024 6:34 ص

رسالة الى سيد التحالف الشيعي !

رسالة الى سيد التحالف الشيعي !

لم أخط عبارات هذه الكتابة من فراغ ، إلا بعدما شعرت و تأكدت ، إن وسائل الإعلام العراقية الحكومية على نحو خاص ، تغافلت عن عمد و إصرار ، لتصريحات السيد عمار الحكيم رئيس التحالف الشيعي ، خلال زيارته الأخيرة لمصر ، حيث صدرت منه تصريحات لافتة إن لم أقل جديدة أو هي تُعد تطورا” في خطاب الحكيم ، عندما راح يستخدم مصطلح العروبة ، فهو في سياق هذه التصريحات ، أعتبر العروبة واحدة من الأولويات ، الى جانب : الوحدة و السيادة و ترسيخ الديمقراطية و بناء دولة المواطنة و ليست دولة المكون 0

و بغض النظر عن هذه الرؤية التطويرية في الخطاب السياسي ، إن كانت تعبر عن وجهة نظر الحكيم و حزبه المجلس الإسلامي ، أم إنه يعني التحالف الشيعي ، بيد أن تغافل و لا أقول إهمال الإعلام العراقي الحكومي لهذا التطور في الخطاب السياسي و الإعلامي للسيد الحكيم ، دلالة على أن حزب الدعوة الحاكم و المنغلق في أفقه و فكره ، لم يكن مرتاحا” لمثل هذا التطور ، إن لم يكن منزعجا” من ذلك 0

و الواقع إن هناك إختلافا” كبيرا” في الفكر و المنهج ببن العروبة من جانب و القومية من جانب آخر ، فالعروبة في محتواها الجوهري ، تعني الصلة أو القرابة و حتى الثقافة المكتسبة بحكم الولادة و التعايش و التأثير المجتمعي و البيئي ، و بالتالي فالعروبة تفصح عن عربية الهوى قلبا” و قالبا” و تأثرا” و إستلهاما” و ممارسة ” 0

و العروبة وجدانية المنبت و عقلية التفكير و التوجه ، و لم تكن حالة طارئة أو مرحلية ، إنما هي حالة سرمدية و أزلية ، بل و سبقت الإسلام بإعتراف النبي العربي محمد ، فعندما راح مجالسوه يستذكرون أمامه ، معركة ( ذي قار ) ، قال النبي متفاخرا” : حينذاك إنتصف العرب من الفرس .. و كان مجيء الإسلام هو تعزيزا” لهذه العروبة ( إنا أنزلناه قرآنا” عربيا ) ، فالإسلام كان عروبيا” في القيادة و الآليات التنفيذية ، و كان الفتح الإسلامي عروبيا” ، قيادة و آلية و خطابا” على صعيد الإيثار و المآثر 0

و ظلت العروبة بحكم الظروف الإمتدادية الزمنية و المتعاقبة ، ظاهرة مستدامة و تواصلية ، و متغلغلة في المجتمعات الإسلامية و العربية ، حتى على صعيد العمران الذي يجسد كيانا” ديمغرافيا” عروبيا” ، أو كرمز قائم أو معلم لهذه العروبة ، و كانت مدن دمشق و بغداد و النجف و القاهرة و القيروان و الأحواز ، عواصم تأريخية لهذه العروبة ، التي ظلت على مختلف الحقب التـأريخية ، تتفاعل كحال إسطورة العنقاء أو طائر الفينيق ! 0

بينما القومية لا تمت للعروبة بأي صلة أو تقارب ، لكونها أساسا” ظاهرة غربية و تغريبية ، و منها من إتخذ له منحى متطرفا” في الشوفينية و الإنعزالية و التمييز العنصري ، و قد ولدت و ترعرعت في أوروبا الغربية على وجه التحديد ، و هي واحدة من أقوى التقاليد الأوروبية الحديثة ، لكنها فقدت حظوتها بعد الحرب العالمية الثانية ، وسط الكم الهائل من الأزمات التي ضربت الاتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي ، الذي يعتبر تصويت بريطانيا لمغادرة التكتل ، أحدث الأمثلة عليها 0

و صحيح أن القومية تعود للظهور مجددا” و بتسميات أخرى و أكثر يمينية ” و تمييزا” عرقيا” كالشعبوية مثالا” لا حصرا” ، وهي بلا شك ، تتخذ شكلا” مختلفا” عن القومية التي ولدت مع الثورة الفرنسية عام 1789 ، و دفنت في عام 1945، لكون الظروف السياسية و الاقتصادية اليوم تختلف تماما” عن الظروف التي كانت في أوروبا في القرن التاسع عشر ، عندما لم يكن لدى كثير من الناس ، الذين يصلون إلى الوعي القومي دولة خاصة بهم 0

فالعروبة هي التأصيل و الأثيّلة و الغرس ، في حين إن القومية هي إستيراد و إستجلاب لفكرة أو ظاهرة ، ولدت من رحم غريب ، لتكون بالتالي هجينا” من التقليد و الإستساخ العابرين و الشاذين ، ثم إن كل تقليد لأي منتج أجنبي ، يظل مقطوعا” عن رافده و ديمومته ، و بالتالي لا يُكتب له البقاء و التواصل في بيئة غريبة عليه أو هو غريب عليها ، و على العكس من التجذر و المنبت الأصيلين ، كما هو حال العروبة 0

أن التطور في الخطاب السياسي و الإعلامي ، هو حالة إيجابية ، و دلالة بينة على إن هناك فكرية قابلة للتجدد و التغيير و التطوير و الإنتقال المجدي ، كما حصل في خطاب الحكيم الآنف ، أو كما جاء في وثيقة حركة حماس الفلسطينية ، التي تبنت

خطابا” ، حصل فيه تطور و لا أقول تغيير في ثوابتها السابقة ، فهي في جانب أعلنت إنفكاكها عن تنظيم ( الإخوان المسلمين ) بالصيغة الإسلاموية العامة ، من خلال التوصيف التالي لهويتها ، مثلما ورد في وثيقتها الجديدة : ( حركة المقاومة الإسلامية حماس ، هي حركة تحرّر و مقاومة وطنية فلسطينيَّة إسلامية ) ، أو كما حصل في هذه الوثيقة من تغيير أو تطوير في الموقف بالنسبة لحدود الدولة الفلسطينية : ( فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة ، و عاصمتها القدس ، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 ) ، علما” إنها كانت في السابق ترفض الحدود المذكورة و لا تعترف بها ! 0

و حتى في مثل هذا الأمر ، يتجسد هذا التطور ، في إنطلاق و توجه جمال الضاري ، عبر مشروعه ( المشروع الوطني ) ، عندما تجاوز خط عائلة الضاري ، الديني و السياسي ، المنغلق تحت لافتة ( هيئة علماء المسلمين ) ، ليشهر كيانه السياسي المنفتح على الأفق الوطني ، و البعيد عن التعصب الطائفي و الإنزواء السياسي ، و ليشكل حالة طموحة ، لبلورة مشروع سياسي ، يتبنى الوطنية عنوانا” و نهجا” ، تاركا” عناوين التحزب الطائفي في سلة المهملات و القمامة 0

إن حالات التطور سابقة الذكر ، إنما هي تظل في الحياة الجارية ، و ليست الجامدة ، و قد كانت الحالة التطويرية التي أشهرها السيد عمار الحكيم وفق ما أشرنا إليه ، تستحق أكثر من وقفة و تأمل :

أولا” بدا واضحا” إن لم أقل من المؤكد ، إن الأحزاب الشيعية الحاكمة و إن لم تفصح إعترافا” بهذا الواقع ، باتت في أكثر من جانب تتبنى و تستلهم طروحات المفكر الكبير حسن العلوي ، و لا سيما كتابه ( الشيعة و الدولة القومية ) الذي غدا مرجعا” سياسيا” و فكريا” لهذه الأحزاب ، خصوصا” و إن الحكيم طالعه جيدا” ، و هذا الكتاب قدم العلوي فيه ، طروحات فكرية و سياسية ، عمد من خلالها الى التعريف الحقيقي و الأصيل بفكر و نهج و روح العروبة التي حاول البعض الخلط بينها و بين القومية ، كما قام في نفس الوقت بتشريح القومية ، و أرجعها الى بيئتها الأوروبية التغريبية و الغربية ، التي لا تمت بأي صلة أو مقاربة للعروبة التي تستمد جذورها من العمق العربي التأريخي و التليد 0

ثانيا” أن السيد عمار الحكيم ، و من خلال تبنيه لمصطلح العروبة كما أسلفنا و أشرنا ، كان قارئا” جيدا” للطروحات العروبية التي دمغ بها العلوي ، كتابه المذكور ، و لربما يكون الحكيم قد تلقى نصيحة بشأن مصطلح العروبة من العلوي نفسه ، قبل سفره و ذهابه الى القاهرة .. أقول الربما هذه ، من دافع إستنتاجاتي الإجتهادية ليس إلا ، لأن من يستمع للحكيم وقتذاك ، و هو يشدد على العروبه تكرارا” ، يُخال للسامع إن العلوي كان بجانب الحكيم ، حتى لو لم يظهر في الصورة ! 0