رغم ان ما حصل قبل ايام من مناوشات بين حزب العمال الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني (كوردستان ايران) لا يعدو كونه حادثا عرضيا لا يرتقي لتسميته بال ( قتال) , الا انه اعاد للذاكرة الكوردستانية مرحلة ظننا اننا طويناها في كوردستان فيما يتعلق بالاقتتال بين الاحزاب الكوردستانية , كان اخرها في تسعينات القرن الماضي , ما يثير المخاوف في وجود اطراف كوردية لا تعي حساسية الظروف التي تمر بها المنطقة بشكل عام وكوردستان بشكل خاص , وتتعامل مع الواقع الكوردي بشكل لا مسئول مفضلين اولوياتهم الحزبية على الاولويات القومية للشعب الكوردي.
ان كانت بعض الاحزاب الكوردستانية تتصور انها ما تزال قادرة على تحشيد الشارع الكوردي خلفها لضرب منافسيها والسيطرة على مجمل الوضع الكوردي , فيسرني ان اقول لهم انكم واهمون . فالكورد في هذه الظروف تناسوا تماما المسميات الحزبية والشخصية , ولم تعد الاولويات الحزبية تهم الكوردي بقدر ما يهمه الوضع الكوردستاني بشكل عام , ليس في جزء واحد من كوردستان بل في اجزائها الاربعة , وقد تجسد ذلك حقيقة في استقبال كورد كوردستان الشمالية ( كوردستان تركيا) لبيشمركة كوردستان الجنوبية ( اقليم كوردستان ) وهي ذاهبة لنجدة اخوانهم في كوردستان الغربية ( كوردستان سورية) ضدعصابات داعش . وراينا كيف ان الشعب الكوردي كان يقبل اثار سير عجلات العربات المحملة بالبيشمركة تعبيرا عن تقدسيهم لهذه الخطوة , ما يشير الى ان الكورد لم يتجاوزوا الحزبية في رؤيتهم فحسب بل تجاوزوا كل الحدود الدولية والسياسية التي حاول اعداءه من خلالها تمزيقه وتشتيته طوال العقود الماضية
يبدو ان الظروف القيادية والسياسية لبعض القادة الكورد جعلتهم بعيدين عن نبض الشارع الكوردي , فانزووا في ابراجهم العاجية مع عديد الساسة, والاعداد الغفيرة من البيشمركة والكريلا, ليصبحوا عاجزين عن تقييم الامور بشكلها الصحيح . وعليه فلا باس من تذكير هذا وذاك احيانا بحقيقة ما ثاروا من اجله وما يجب عليهم ان يفعلوا .
الشعب الكوردي يا سادة لم يقم بثوراته فيما مضى كي يتسيد هذا الحزب او ذاك على الساحة الكوردستانية , بل ثار من اجل حقوق شعب وامة , وما انتم سوى ادوات لهذه الثورات شائت الاقدار ان تكونوا لتخدموا اهدافه , فلا يمكن ان يتنازل الكوردي عن اهدافه هذه ليجعلها في خدمة مصالحكم الحزبية ورفع راياتكم المتعددة . فالكوردستانيون قد يتفهموا الخلافات السياسية بينكم ويتعاملوا معها بايجابية طالما اقتصرت على حدود السياسية ومناكفاتها , وطالما تمت مناقشتها على موائدكم المستديرة والمربعة وحتى المثلثة , دون الدفع بها ليكون الدم هو الثمن , فالدم الكوردي لا يمكن ان يراق من اجل قضاياكم الحزبية .
ففي الوقت الذي تتشخص فيه ابصار الكوردستانيين للتطورات والمتغيرات التي تعيشها المنطقة يتفاجيء بنشوب قتال بين حزبين كورديين من اجل قضية اقل ما يمكن ان يقال عنها انها تافهة من الطرفين , لن يكون الكوردي مستعدا لتمثيل دور القاضي فيها , فالشيء الوحيد الذي يهم الكورد حاليا هو ابقاء الوضع الكوردستاني الداخلي مستقرا دون اضطرابات .
لقد مرت كوردستان الجنوبية ( اقليم كوردستان ) في تسعينات القرن الماضي بتجربة الاقتتال الداخلي الذي كان جميع الكورد يمقتونه , وقد اخذ من العوائل الكوردستانية خيرة ابنائها لا لشيء سوى لمصالح حزبية ضيقة , ادرك القائمون عليها بعد فترة انها كانت غير مبررة , وطالبوا الصفح من الشعب الكوردي عن الارواح التي زهقت دون وجه حق , وتمكنوا فعلا من طوي تلك الصفحة وطواها معهم الشعب الكوردي , واليوم نرى ان الازمات السياسية في اقليم كوردستان تحل عن طريق الحوار البناء المثمر بين الاحزاب او في البرلمان دون اي تخوفات من حدوث صراعات دموية مستقبلا . فليس قدر الكوردستاني ان يدفع ثمن اخطاء احزابه بين كل فترة واخرى لتاتي تلك الاحزاب بعد ذلك وتعتذر عن القرابين و الضحايا التي تسببت بها ؟ وان كان الاعتذار عما حصل في تسعينات القرن الماضي كافيا كون الضحايا كانت بشرية ومادية , فهل سيكفي الاعتذار هذه المرة اذا ما دخل اي حزب في حرب داخلية جديدة , ونحن نمر في مرحلة ستكون الضحية فيه هذه المرة مصير امة باكملها وحلم طالما حلمنا به وضحينا من اجله خلال عقود من الزمن ؟