22 ديسمبر، 2024 8:14 م

رسالة الى الإمام الأكبر

رسالة الى الإمام الأكبر

لم يكن يخطر ببالي يوما أن أدون سطورا في انتقاد موقف ما لمشيخة الأزهر الشريف منبر الاعتدال والوسطية في العالم الاسلامي وأحدى أهم القلاع السنية الفكرية والفقهية القليلة الصامدة بوجه المد الوهابي الجارف الذي يجتاح البلاد الاسلامية ، ولكن انطلاقا من ايماننا ( بعدم معصومية أي مشيخة أو حوزة ) كان لزاما توجيه بعض التساؤلات و النقد البناء والنصح بخصوص البيان الأخير للأزهر الشريف والذي حذر فيه من ماترتكبه “ميليشيات شيعية” ضد أهل السنة في العراق .

دعونا أولا نضع النقاط على الحروف (توضيحا لا تبريرا) وبمنتهى الصراحة والموضوعية ونقول بأن الأعمال ذات الطابع الانتقامي واردة جدا في الحروب الأهلية ذات الطابع الديني أو الطائفي أو العرقي أو حتى الصراعات التي يراد تصويرها على هذا الأساس (كمافي العراق) وتكون أطرافها جماعات مسلحة غير نظامية وهي تتناسب تناسبا طرديا مع حجم الجرائم التي يرتكبها الطرف المقابل ، فقد حصل ذلك من قبل في حروب ليبيريا ، رواندا ، لبنان ، الجزائر ، وسوريا ولا يتصور عدم حصولها مطلقا خصوصا في الحالة العراقية بسبب ميل الشخصية العراقية عموما للانتقام والعنف ومالحق بالعراقيين من ويلات من جراء جرائم تنظيم داعش وضمن هذا السياق تندرج تصرفات بعض عناصر قوات الحشد الشعبي والمسلحين الأيزيديين ناهيك عن الثارات المؤجلة بين عشائر الانبار (بل في داخل العشيرة الواحدة أحيانا) كرد فعل على تلك الجرائم و نتيجة حتمية لضعف سلطة الدولة ، وهو ماتغفل عنه تقارير منظمة هيومان رايتس ووتش المتسمة بالمثالية العالية والتي لامكان لها في كل الحروب لأن الأطراف المتصارعة فيها ليسوا بملائكة الرحمن !!!

وبالعودة للأزهر وبيانه والذي للوهلة الأولى وبعد اطلاعي على عنوانه تخيلت ان الانتقاد سيكون منصبا على بعض الممارسات الفردية “الموثقة” و”المنسوبة فعلا” لبعض عناصر الحشد الشعبي التي تغلبت لديها شهوة الانتقام على حساب المسئولية الوطنية وقررت الرد على جرائم داعش المتسمة بالوحشية والدموية باللغة

الوحيدة التي يفهمها هذا التنظيم المتطرف ،كعراقيين أقول ايماننا المطلق ومطالبنا واضحة بضرورة فتح تحقيق جاد و محاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات فنحن هنا لانتحدث عن حشد ملائكي معصوم من الخطأ ومنزه عن الأهواء البشرية دون استخدام لغة التعميم .

لكن عند قرائتي لنص البيان فوجئت بسلسلة اتهامات مجحفة “بجرائم بربرية نكراء يندى لها جبين الانسانية جمعاء” بعيدة عن المنطق تماما وغير مستندة لدليل ملموس ومبالغ بها الى حد كبير ولاتوجد الا في مخيلة كاتبه مثل “الذبح وتهجير ومجازر بحق المدنيين من النساء والأطفال واعدامات ميدانية جماعية وحرق للمساجد” في مدينتي تكريت والرمادي تحديدا ، ودعوني هنا أتفهم حرص الأزهر كمرجعية اسلامية سنية على متابعة أحوال المسلمين السنة في العالم الاسلامي والعراقيين منهم وحقه في ابداء قلقه من أي تجاوزات محتملة ضدهم لكن كان على المشيخة التحري عن مدى صحة هذه الاتهامات وما اذا كانت حالة عامة أو ممارسات فردية لاتمثل الا أصحابها ، مع التأكد من مصدرها قبل اصدار بيان بخصوصها ! و لعلي سائل نفسي عدة أسئلة منها لماذا لاتنشر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي (غالبيتها من معارضي الحشد) مقاطع فيديو لعمليات اعدام ميدانية جماعية وقتل للنساء والأطفال وحرق المساجد والذبح ان كانت موجودة فعلا وتقتصر على فيديوات معدودة (تصور كحالة عامة) ضحاياها أفراد غامضين لايمكن تصنيفهم مدنيين ولا دواعش بأية حال ورغم ذلك يتم تقديمهم بشكل جازم كونهم مواطنين أبرياء ؟! ولماذا يجب علينا دوما تصديق القوى السياسية ووسائل الاعلام والمنظمات الدولية ( لها أجنداتها الخاصة) وتكذيب من يقاتل على أرض المعركة وهم الأقرب للواقع ؟ فاذا كان جميع من يقطن تلك المناطق هم مدنيين أبرياء فأين نجد الدواعش ومن هم أصلا ؟ هل هبطوا من الفضاء ثم عادوا اليه ؟ أم يراد لنا أن نحصر مصطلح الداعشي ب “المهاجر” (الأجنبي الوافد من خارج الحدود) ونتناسى بأن 75 % من عناصر التنظيم هم عراقيين أصلاء ؟؟ وماهي “المذابح” المرتكبة بحق أهل السنة في مدينتي تكريت والرمادي ؟! ولماذا لايملك الطرف الذي أبلغ الأزهر بها أي تسجيل مصور لها أو وثائق بخصوصها أو دلائل عليها ؟ فهل يعقل أن يتم توثيق مذابح الأرمن قبل قرن من زمان ولاتكون المجازر المفترضة ضد أهل السنة موثقة في عصر السرعة والأنترنت والأجهزة الرقمية والحاسوب والأقمار الصناعية ؟ ولماذا صمت الأزهر طوال سنوات عن فتاوى التكفير والتي نتج عنها مئات السيارات المفخخة والانتحاريين الذين زرعوا الموت والرعب في حياة العراقيين و شوارع بغداد والمدن العراقية بعملية ابادة ممنهجة تمت تحت شعارات الجهاد والمقاومة !؟ ولماذا لا تتحدث وسائل الاعلام التي تباكت على احراق دور فارغة ومتروكة في قرية البوعجيل عن مقابر شهداء سبايكر التي اكتشفت في ذات القرية لكي تكون الصورة واضحة والربط قائم بين الفعل ورد الفعل رغم عدم التناسب بينهما ؟

كما لا يفوتنا السؤال عن مغزى اصرار الأزهر ودول ومنظمات ووسائل اعلام عديدة عن التغاضي المتعمد لحقائق ثابتة وموثقة منها ادانة المرجعيات الشيعية لكل أنواع الانتهاكات ضد الأبرياء ونصائحها التي لا تخلو منها

خطب الجمعة المتتالية للمقاتلين بالالتزام بآداب الحرب في الاسلام ؟! وتلك التي تتحدث عن استقبال أهالي تكريت والعلم للقوات المحررة بالرقص والترحاب نتيجة معاناتهم الطويلة من حكم داعش ؟ وكيفية توفير ممرات أمنة لخروج العائلات وتقديم الأغذية وكافة الأسعافات اللازمة لهم ؟ ولماذا لايؤخذ بالاعتبار مشاركة 10000 مقاتل سني (ثلث القوة المهاجمة) في معركة تحرير تكريت والصمود البطولي لعشائر الانبار وديالى والمواقف المشرفة لسنة بغداد والجنوب وجحافل المتطوعين المصالوه الذين تكتظ بهم معسكرات تدريب قوات تحرير الموصل في أربيل استعدادا لمعركة الحسم فيها ؟ فهؤلاء سنة أقحاح (انتماءا ونسبا) وليسوا بحاجة لا لتزكية الأزهر ولاغيره بسنيتهم وهم أكبر دليل على ان مايحصل هي حرب عراقية على الارهاب لا حرب طائفية وهي قبل كل شيء صراع بين مصالح سياسية متضاربة لا علاقة لها بالمذاهب والطوائف .

فضيلة الإمام الأكبر … لم تكن الميليشيات هي من قتلت أمية جبارة الجبوري ، ولم تكن هي من فجرت جامع النبي يونس في الموصل وجامع عمر بن الخطاب في الرمادي ، ولم تكن هي من نفذت اعدامات جماعية وميدانية بحق عشائر البونمر والجبور والعبيد ، ولم تتخذ الميلشيات المدنيين دروعا بشرية ، ولم تحول الموصل لسجن كبير لأهاليها ، ولم تقطع الميليشيات الرؤوس ، ولم تحرق الكساسبة و مواطنين أبرياء في هيت والرمادي ، ولم تكن هي من ذبحت أبنائكم في ليبيا ، ولم تهجر المسيحيين والأيزيديين والشبك والتركمان ، ولم تكن هي المتسببة بنزوح الملايين من السنة عن ديارهم بعد سقوطها بيد تنظيم داعش، والذين بدأوا بالعودة التدريجية لمناطقهم بعد تطهيرها من العبوات والمفخخات التي زرعها المتطرفون في شوارع ومنازل المناطق المحررة ، كما ان التفريق على أرض الواقع صعب جدا في ظل تماهي مقاتلي داعش في أوساط المدنيين ومحال توقع عدم سقوط ضحايا أبرياء في مثل هذه الحالة .

فضيلة الإمام الأكبر … نحن نعلم جيدا بأن (قوات الحشد الشعبي لن تنال الرضا والدعم العربي ولو حررت القدس) ولأسباب بديهية ، لكن مانرجوه من فضيلتكم هو عدم تحويل هذه المؤسسة الدينية العريقة لمنبر أخر لترويج مشروع الفتنة الطائفية في العراق وتمكين أعداءه من ورقتهم الأخيرة لشق وحدة الصف الوطني خصوصا بعد الصدمة التي تسبب بها النصر السريع في معركة تحرير تكريت بفضل تضحيات وبطولات الجيش العراقي وقوات الشرطة والحشد الشعبي والعشائري والذين يقفون مع الجيش والشعب المصري في خندق واحد دفاعا عن الدين والوطن بوجه الخوارج الجدد في الوقت الذي يأتي صدور هذا البيان متناغما مع الحملة الاعلامية الخليجية الساعية لشيطنة الحشد الشعبي نتيجة عدم الرضا الأمريكي عن الدور الايراني البارز الداعم له في معركة تكريت والتي نجم عنها هذا التقدم الميداني المرعب والغير متوقع محليا واقليميا ودوليا .

ان مثل هذه البيانات وتلك التصريحات التي تصور مقاتلي داعش ومن يساندهم كضحايا أبرياء يتم استهدافهم لكونهم سنة فقط تصب مباشرة في خدمة الرأي القائل بأن (داعش هي الوجه الأخر للسنة) وهو الذي تدفع به للواجهة بغباء شديد ومن باب النكاية بالطرف الأخر فقط بعض القوى والتيارات السياسية والدينية السنية

وهو رأي مرفوض جملة وتفصيلا فلا يمكن تحميل السنة مسئولية جرائم هذا التنظيم المتطرف ولا يمكن الاساءة لحرب تحرير وطنية بسبب تصرفات فردية ، لاينكر أحد وجود خلاف سياسي بين السنة والشيعة في ملفات كثيرة ومعقدة لكن الخلاف السياسي شيء وأن توصف حرب ضد تنظيم ارهابي بأنها طائفية هذا شيئ أخر ، فسنة العراق قد حسموا أمرهم في قتال الارهاب ومواصلة النضال السياسي السلمي لنيل كافة حقوقهم في الدولة العراقية في آن واحد ، وحل مشاكل الأقتصاد المصري لا ينبغي أن تكون على حساب مصير العراق ووحدة شعبه (ليس المقصود تصريحات البرادعي المفتقدة للمصداقية) وما هكذا تورد الأبل ياشيخنا … فقد كنا ولازلنا نعول على هذه المؤسسة العريقة صاحبة الفكر الاسلامي المستنير لتكون سدا منيعا في وجه كل من يريد الاساءة لهذا الدين الحنيف من خلال الطائفية والتكفير والارهاب.