حتى الأوطان النقية.. تشتاق للقاء السماء, تحن لترحيب الملائكة، تصبو لرؤية أنبياء كانوا يوما بين ذراعيها، وطن دأب على ممارسة التبليغ الإلهي، ببث الخير ومحاربة الشرور، وإنتظار دولة العدل الموعودة.
وضع الخالق أسس الخليقة, وأبدع سبحانه بتصويرها وتجسيمها، فهو جل علاه خالق كل شيء من لا شيء، ومثلما خص الأرض بوجود الخليفة، خص العراق بطبيعة تلك الخلافة, ليكون موطنا لدعاة الحق وأصحابه.
مرت عشر سنوات على الرسالة الأخيرة, بين تواصل الوطن وخالقه, أختارها العراق بشعبه وأرضه وأنهاره وخيراته، لتكون بمستوى المستقبِل (إله الكون وصانع وجوده)، قربان الإنتصار على الظلم والطغيان.
رحل باقر الحكيم, رسالة كل العراق إلى السماء، رحل مجاهدا تقيا محتسبا صابرا، غادر منتصرا فيما يلوذ أعدائه بذل الهزيمة والأنكسار.
نصف قرن والعضد المفدى يخدم الغاية الإلهية، يجوب المدن والقرى والأهوار، حاملا مظلومية وطن، وشكوى شعب غلب على أمره، محاربا لمن أراد بوطنه سوءاً, عاقد العزم على تخليصه من وحش جثم على صدره.
شهيد المحرابين.. محراب الإمام علي (عليه السلام) والعراق، نفسٌ زكية أخلصت لبارئها وعباده، فلقي ربه في وطنٍ ومكانٍ وشهرٍ ويومٍ وساعة، هنّ من أعظم ما خلق تعالى أسمه، شهادةً لشهيد عارف وعالمٍ ورع.
بين العلم والجهاد, تنقل السيد الحكيم مستمداً من مرجعية والده، ومرافقته للإمام الصدر (قدس)، الحكمة و الشجاعة والإصرار، فواجه أعتى الأنظمة الدكتاتورية وأكثرها فجورا.
أسس سماحته المركز العالمي لحقوق الإنسان، كسابقة في عمل المعارضة السياسية التي أختارها حلا، وأرسل السفراء لكل الدول ذات الشأن بصناعة القرار السياسي، ليصبح (قدست نفسه الزكية) السفير الأول لوطنه، وما يحمله من ألام وهموم.
الجماعة الصالحة والإقتداء بسيرة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام), كانا المحور الذي أنطلق منه الأبن البار، لتفعيل دور المضطهدين خارج الوطن، فقد كون معارضة حقيقية بادرت بالسياسة وحافظت على الجهاد، فكان أمة في رجل ورجلاً للأمة.
أمن الشهيد السعيد بجغرافية الوطن وتعدد أطيافه، فجمع النظراء وقرب المبتعدين وحاور الأضداد الفكرية، مما أهله لأختياره زعيما لجموع المعارضة.
أكتشف المرجع المجاهد مبكرا، حجم المؤامرة التي أعلن عنها في 2003، بدواعي غربية لإسقاط النظام المجرم، فبادر للمسك بالأرض منذ اللحظة الأولى لسقوط الصنم، وتواجد بين أهله الذين اشتاقوا لوجوده.
الخطاب السياسي الذي مارسه السيد الحكيم، والمقبول وطنيا وعقليا وشعبيا، أغاض أعداء العراق والمتربصين به، لاسيما وأن قاعدة شعبية عريضة ألتفت حول سماحته، فأختاروا قتله وأختار ربه الزمان والمكان.
دولة محمد باقر الحكيم، التي رسمها ووضع أساسيات الوصول أليها، لا شك أنها أفضل وأروع مما نعيشه اليوم، وهنا يتضح حجم الهوة بين منطلقات الحكيم وسياسيي الحاضر، والتمادي في السير عكس التيار المخلص للوطن.
ونحن حين نؤبن شهيد المحراب، نتذكر رسالة الأنتصار التي بعثها، العراق النقي لمحقق النصر رب الوجود، منها نتعلم القوة ونتسلح بالأيمان والإصرار على الأنتصار، بما يحقق أهداف الشهداء والفقراء والوطن.