في 2003 طبعت في ذاكرة العراقيين صور مرعبة ممزوجة بصوت الرصاص ومشاهد القنابل والصواريخ وهي تسقط على دوائر الدولة ودور المواطنين والنار تلتهم الأخضر واليابس , مشاهد وصور بعض ضعاف النفوس وهي تنهب آثاث مؤسسات الدولة ,صور الجثث واخبار الخطف ونفجير السيارات على قدم وساق والى هذا اليوم مضافا لها ما تقدمه شاشات الفضائيات المختلفة من برامج حوارية يطل علينا من خلالها شخصيات سياسية ودينية تكشف لنا ما نتج بعد 2003 من فساد وجرائم وكل ما يتعلق بسلوك المسؤولين الغير شريف ,الا ان الغريب الذي يجلب النظر هو ان المسؤولين على ادارة شؤون دولة العراق من مسؤولين ووزراء وبرلمانيين هم من يتألم على ما جرى للعراقيين من خراب وفساد وكأنهم ليسوا هم من جلب للعراق الغزاة وليسوا هم من ساهم في نشر الطائفية والتمييز وليسوا هم من دعم الأجنبي لتدمير البلد ونهب وتهريب امواله .
قبل لقاء الدكتور عون الخشلوك بالحبر الأعظم بابا الفاتيكان البابا فرنسيس كان الكثير من العراقيين متفائلين بان التغيير الذي تقوده فضائية البغدادية سيأتي بثماره وان العراقيين المخلصين باتوا قريبين من قلب الطاولة على رؤوس هؤلاء الفاسدين والكذابين .فانطلاق فضائية البغدادية بمنهجها الوطني الذي رسمه لها عون الخشلوك والرافض لكل اشكال التمييز وتقسيم العراق ارضا وشعبا ادى الى التفاف العراقيين حولها بالرغم من محاولة مضايقتها ووضع العراقيل امامها لإيقاف صوتها الذي بات يشكل خطرا على مصالح البعض من الساسة المتنفذين , فعون الخشلوك هذا العراقي ابن الجنوب المتواضع والبسيط قد انتصبت قامته امام رجل السلام البابا فرنسيس في دولة السلام { روما }, عون الخشلوك الأسمر القادم من أور ارض الحضارة وهو يحتظن النخلة التي اطعمت الناس من ثمراتها كما احتضنها واحتمى في ظلها ابو الأنبياء ابراهيم عليه السلام …هذا العراقي المخلص صافح يد السلام ليقدم للعالم صورة العراقي الحقيقي الذي كان رمزا للخير والسلام على مر العصور .
استوقفني مشهد الدكتور عون وعدت بذاكرتي لأستحظر مشاهد انسانية رائعة عايشناها انا وزوجتي في قلعة سكر , فبين عامي 1975 , 1977 عملت زوجتي كمدرسة في ثانية قلعة سكر للبنات وكنت حينها متابعا لأمورها في السكن والمأكل وكل ما يتعلق بمكان عملها الجديد , شاءت الصدف نها سكنت في احد دور بيت المرحوم حسين الخشلوك وكانت المرحومة والدة الدكتور عون الذي كان في مرحلة المتوسطة آنذاك وشقيقه الأصغر المرحوم انور حيث توفي نتيجة حادث سيارة , كانت والدتهم كريمة جدا وتهتم بالمدرسات وكأنهم بناتها وتسال عن حاجاتهم كل يوم حتى انها كانت ترسل لهم انواع المأكولات الشهية وكان المرحوم انور هو حلقة الوصل بين بيت الخشلوك وبيت المدرسات ,عون الخشلوك ابن المدينة البسيطة الآمنة قلعة سكر وابن عائلة كريمة قدمت العون والمساعدة لكل من طلبها في قلعة سكر وما جاورها من مدن, وانا شخصيا لمست ذلك عمليا حيث في احدى زياراتي لدار المدرسات حيث تسكن زوجتي مع ثلاثة من المدرسات الشابات القادمات من محافظات مختلفة ومن انتماءات دينية وقومية منوعة تفاجئت حين سألتهن عن مقدار الإيجار ضحكن قائلين { نحن نسكن بدون ايجار { بلاش } لأن المرحوم حسين الخشلوك رحمه الله كرمهم بالسكن في الدار وبدون بدل ايجار دعما لهن لأنهم يقدمون خدمة تعليمية لبنات قلعة سكر , ومن الأمور الأخرى والتي حضيت بمشاهدتها لأكثر من مرة هو لقائي بالمرحوم انور وهو الشقيق الأصغر للدكتور عون حيث كان لا يتجاوز العشر سنوات على ما اتذكر, وكانت المرحومة والدته ترسله كل يوم لتطمئن على راحة وسلامة المدرسات ولتوفر لهن ما يحتاجونه من أمور حياتية متنوعة , وفي احدى زياراتي التقيت بالمرحوم انور حاملا بيديه الصغيرتين صحنا كبيرا وفوقه سمكة مشوية كبيرة , قال والدتي ارسلت للمدرسات هذا الماعون ,هكذا هي العائلة العراقية الحقيقية , واليوم فان الدكتور عون وبتلبيته دعوة البابا لزيارة روما فانما هو ليؤكد ان العائلة العراقية هي داعية سلام ومحبة لكل الناس دون تمييز , عون الخشلوك جسد الشخصية العراقية البسيطة والمليئة
محبة , رسالتك الإنسانية وصلت ايها الطيب الوفي وصوتنا والبغدادية ملتحم بك ولن يتوقف وسيبقى العراق دار محبة وسلام وخير يحتضن كل الناس كما كانت دار الخشلوك .