كم كان من الأفضل لشيعة العراق لو أنهم لازالوا تحت حكم نظام صدام لكانوا إلى اليوم يحتفظون بعنوان المظلومية أمام المجتمع الدولي و يعيشون على أمل الحرية و العدل فيما لو ثنيت لهم الوسادة السياسية لحكم العراق كما يحلمون و يتصورون هم في مخيلتهم وفق شعارهم المعروف (( لا ولي إلا علي … و نريد قائد جعفري )) . كذلك فأنهم فيما لو كانوا باقين تحت سلطة نظام صدام فأنهم إلى اليوم يعيشون أجواء مقولتهم التي مفادها أن أمريكا (الشيطان الأكبر ) هي من سلطت البعث (الكافر ) على العراق و على شيعته , و أن روسيا بفكرها الشيوعي و هو فكر كفر و الحاد حسب فتوى مرجعهم الأسبق محسن الحكيم هي حليف للبعث الكافر . لسوء حظ شيعة العراق أن وسادة العراق السياسية ثنيت لهم منذ ثلاثة عشر عاما و ليتها لم تثن لهم .مظلوميتهم التي كانوا يعتاشون عليها عقودا من الزمن تحولت إلى ظلم فاحش من قبل قائدهم الجعفري الذي طالما حلموا بالعدل و الحرية و الكرامة تحت سلطته , و أصبحوا اليوم هم في وسط و جنوب العراق أول ضحايا ظلمه و فساده و إجرامه و هو ما تشهد به تظاهراتهم منذ عام 2011 و إلى اليوم و معها سقطت عدالة الحاكم الجعفري بل ثبت ظلمه و فساده الذي انعكس على مذهبهم حتى في بعده العقائدي في نظر الأطراف الأخرى . عمالة صدام و كونه صنيعة أمريكا انتهت مع تشكيل مجلس الحكم على يد الحاكم الأمريكي بول بريمر و معه تشكلت أولى معالم الحكم الشيعي في العراق برعاية و مباركة من الاحتلال و بدليل واضح ليتم تبييض صفحة صدام من العمالة لأمريكا و التي عجز ساسة و زعامات الشيعة أن يقدموا دليلا عليها و صار الشيطان الأكبر (أمريكا ) صديقا . البعث الكافر حسب أدبياتهم صار علويا و حليفا ترخص له الأموال و الأرواح و أصبح ناصرا للمذهب و محاميا عن المقدسات كما نعيشه اليوم في تحالفهم مع نظام بشار ألبعثي. لم تعد الشيوعية كفرا و إلحادا بل هي الأخرى أصبحت حليفا و ناصرا للمذهب و أصبح رئيسها بوتين رمزا و مفخرة للشيعة . شخوص المشهد نفسهم لم يتغيروا (الشيطان الأكبر أمريكا ) – (حزب البعث الكافر ) – ( روسيا الشيوعية الكافرة الملحدة ) – (الشيعة الطائفة المضطهدة من نظام البعث المدعوم أمريكيا” و روسيا”) …. الذي تغير هو وجهة نظر زعامات الشيعة الدينية و السياسية فتحول الشيطان ملاكا و الكافر مؤمنا و الملحد ناصرا للمذهب …. و كما روج و يروج زعماء الشيعة منذ عقود و في بداية إسقاط نظام صدام , أن أمريكا هي من نصبت صدام و هي من أسقطته … فلا يفوتني أن اذكرهم و بما أن بداية سلطتهم كما هي سلطة صدام كما يزعمون على يد أمريكا , فان نهايتها ستكون كنهاية صدام على يد أمريكا . فهل سيفيق عوام الشيعة و ينتبهوا لأنفسهم و يكتشفوا أن المشكلة في الحاكم ليس مذهبه و عقيدته بل سلوكه .فهم لعقود خلت عاشوا امنين معززين مكرمين في بلاد الخليج العربي التي يتهمونها بالوهابية و السلفية و في بلاد الغرب التي يتهمونها بالكفر . لا بديل عن الانتماء للوطن و هويته الجامعة لكل أطيافه كعقيدة لكل العراقيين و لا بديل عن الحكم المدني كنظام سياسي يحترم خصوصيات المجتمع العراقي كمجتمع عربي محافظ دينيا و اجتماعيا. فهل سينجح الشيعة بالخروج من دائرة المذهب الضيقة التي جعلتهم وقودا لصراعات ايران إلى دائرة الوطن التي ستعيدهم إلى مكانهم الطبيعي في محيطهم العربي و الإسلامي و الإقليمي و الدولي .