أنا إكليريكي من العراق
بلدي كان يوما مهدَ الحضارات، وغدا اليوم لـَحـدا كبيرا تزينه الشعارات
بلد الخيرات، أبناؤه ضائعون في الشتات
بلد المحبة وإبراهيم أبي الأنبياء، يُقتل فيه اليوم المسيح ويوحنا والحسين على السواء
لأني إنسان ذاق مرارة الحرب والإرهاب والدمار..أتضامن مع الشعب السوري الشقيق
شيوخا، رجالا، أطفالا ونساء
الدخان يلوث سماءه بعدما كانت صافية كدمعة صبية حزينة، و دوي الانفجارات وصل عرش الله بعدما زلزل موطئ قدميه
أطفاله يذبحون بسيوف لا ندري من أين تأتي؟!
وشعبه صار تحت أنقاض البنايات المُفجَّرة بالصواريخ المقدسة
رغم علمي أنك غير بعيد عن هذه المأساة
أتمنى لو تقرأ هذه الكلمات،
ربما ستقرؤها في عيون من ستلتقي بهم، فقد تكون منقوشة على جباههم، محفورة في قلوبهم،
أجسادهم موشومة بها وبخارطة الوطن بجبالها وسهولها ووديانها وهضابها
أتمنى لو تقرأ هذه الكلمات:
كفانا قتلا للحياة كل يوم
رسالتي ليست رسمية، لأني اعلم انك بابا الشعب وتعيش تفاصيل حياتنا اليومية
ولكن
لأنَّك ستلتقي باللاجئين العراقيين والسوريين حرِّض مثلما فعلتَ في الأرجنتين
أعضاء البرلمانات والقادة والمسؤولين كي يكسوا العُراة، ويُطعموا المتضورين
كسرة خُبزٍ
فما ذنبُ طفلٍ ينامُ مفترشا الثلجَ ولا يدري بمَ يستدفئ، و حصته من النِّفط صُرِفت على ممثلي الشعب؟!
وما ذنبُ أمٍّ جفَّ حليبُ صدرها، و رضيعها يبكي طوال الليل مستجديا بعض القطرات؟!
ما ذنب اللاجئين ليشربوا المياه الثقيلة، والمسؤولون يرفعون أنخاب صفقاتهم المشبوهة؟
ما ذنبهم ليأكلوا كِسَرَ خبز عفن، وليشتهوا كلعازر أن يملأوا بطونهم من فتات موائد الأغنياء؟!
كطيورٍ مهاجرة لا مأوى لهم، مثل ابن الإنسان، ينامون في خيم لا ماء فيها ولا كهرباء ولا خدمات
أما النسور فلا تشتهي إلا اللحوم المشوية ولا تأوي إلا إلى القصور الذهبية
****
يقولون إن الصقور لا تشتهي إلا الفرائس الحية
ألم ترتوِ غريزتهم بالذين ذبحوا في سيدة النجاة، حتى يستهدفوا أبناء وبنات سيدة معلولا؟
فجروا باصات الطلبة.. وألحقوا بركب الشهداء المطران والشيخ والآباء الكهنة في العراق، وما اكتفوا
خطفوا المطرانين والراهبات واغتالوا الأب فرانس، وما اكتفوا
أما كفاهم اغتيال الأب رغيد بالرصاصات؟
حتى يقتلوا أطفالنا بالعذابات والإهانات
يفجرون الكنائس والجوامع والحسينيات
ولا نسمع غير الشجب والإدانة والاستنكار، ليس سوى كلمات
نستنكر التفجير… نشجب القتل…ندين الإرهاب .. نرفض التهجير
ثم ماذا؟
****
يا بابا فرنسيس
حرِّضهم على توفير القليل من النقود التي يشعلونها مع السكاير والأراكيل
لشراء معاطفَ لأولئك المشردين، ومدافئ يشعلونها بوجه البرد
وليوفروا شيئا من النقود التي يصرفونها ليحتجزوا الله في بيوت، فالأولى بناء بيوت تأوي الإنسان المخلوق على صورة الله
ربما لو باع المسؤولون و الوزراء وممثلو المواطنين اللاجئين بعضاً من أربطة أعناقهم وبدلاتهم الرسمية، ذات الماركات العالمية، التي يحضرون بها مؤتمرات التباكي على مأساة المشردين واللاجئين والجياع، لن يبقى لاجيءٌ بلا مأكل ولا ملبس ولا مسكن
وليخفِّفوا قليلاً من عبوسهم
حرِّضهم على الابتسام
وليرفعوا الحجر من صدورهم ويعيدوا قلبهم حيث كان
لينبض بالحب والعطف على أخيهم الإنسان
****
وأخيراً حينما تلتقي أخي اللاجئ احتضنه، ضمه إلى صدرك، كفكف دمعة أمي المتحجرة في عينيها منذ سنوات، وقبـِّل رأس أبي لكي يرفعه ويمشي بكرامته أينما ذهب.
آهٍ يا بابا فرنسيس كم نتعذَّب، نحتاج إلى صلاتك كثيراً
صلِّ لأجلنا
لأجل كل المعذبين
ونحن سنصلي معك