22 ديسمبر، 2024 10:09 م

رسالات حسينية اسلوبٍ للحياة

رسالات حسينية اسلوبٍ للحياة

مع بداية كلّ عامٍ هجري جديد تتوجّه قلوب الموالين والمُحبّين والأنصار لخط أهل بيت النبي (ص) إلى كربلاء البطولة والتضحية والفداء لتعيش مع الحسين (ع) وصحبه تلك الساعات العصيبة التي نتج عنها سفك دم أعظم إنسانٍ على وجه الأرض والمرافقين له من الأنصار والأرحام على يد زمرة من الأشقياء الذين زيَّن لهم الشيطان الدنيا في عيونهم وارتكبوا من أجلها الجريمة النكراء التي ما زالت أصداؤها تدوّي باذان الأجيال، فثورةٍ بحجم ثورة الحسين (ع) لم تكن وليدة الصدفة أو بدافع عشائري تنازعي بل ثورة ضد الظلم والطغمة الفاسدة ودعوةٍ للاصلاح، وتَستبطن الدعوة إلى الإصلاح وجود واقع فاسد، أو سيئ، يحتاج إلى تصحيح وإصلاح، وتفترض عملية الإصلاح وجود جبهتين: جبهة متضررة من الإصلاح فتقوم على حراسة الماضي والدفاع عنه بل والبطش بمن ينال منه إن كانت بيدها ادوات البطش، وجبهة متضررة من الواقع الفاسد والسيئ، فتعمل جاهداً على إصلاحه، ولا حسم للحوار اذا كان طرف عقله السُلطة لاسُلطة العقل ولا يستجيب لنداء العقل المتمثل في دعوة المصلحين، ولذا لابد من التضحيات وهي الكفيلة بحسم النزاع والوصول إلى الإصلاح، والتضحيات لا تكون للوصول إلى الإصلاح فحسب بل لا بد أن تستمر بحراسته والحفاظ عليه من أن يحور أو يسرق.

الحسين (ع) خط منهج واضح للاصلاح متمثلاً بــ “مثلي لا يبايع مثله” و ” لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي”. ففي الاولى خط الحسين (ع) بدمه الطاهر الرسالة بحروف الإباء للإنسانية جمعاء، ووضح لنا السُلَّم نحو الحرية والعلياء، فهو لم يقل: أنا لا أبايع يزيد، وإنما قال: “مثلي لا يبايع مثله” حتى يغلق أبواب شخصنة القضيّة، فثورة الامام (ع) روحية المضمون إنسانية المحتوى, هدفها تحرير الإنسان من قيود العبودية للحاكم, ونشر الفضيلة والكمال, تلك هي ثورة الحسين (ع) في كربلاء. نعم ان ملحمة عاشوراء رسمتْ في التاريخ الإسلامي الحدود الفاصلة بين ما يمكن القبول به وما لا يمكن على مستوى قيادة الأمّة، ولكن بطريقة مأساوية سُفِكت فيها الدماءُ الزكيّة وسُبِيت فيها نساءُ النبيّ (ص) وأهل البيت (ع) ففيها رُسم صورة الجهاد من اجل الفضيلة ونبذ كل أشكال الانحلال، وكل نظام فاسد في الحك،, فأصبحت ثورته نبراساً للأجيال لا تخبو أضواءه. وفي الثانية “لم أخرج وإنما خرجت” لها معنى أكبر وأعمق من المغادرة، وإنما يريد أن يظهر أن لديه مشروع نهضة للأمة بعد أن سيطر عليها التخلف من جميع جوانبها، وعملية الإصلاح التي قادها تمثل مشروع نهضة للأمة، لذا يجب على كل المصلحين الارتباط بها والتتلمذ منها، وعلى أبناء الأمة الالتفاف حول رايتها، والارتباط بها فهي الملاذ الآمن لكل من يطلب إصلاحا أو يبحث عنه.

من هنا نقول إنّ الحسين لم ولن يموت طالما هناك أتباع ينَهجون نهجه ويلتزمون بأهدافه ومسيرته، ويحاولون أن يغيّروا أوضاع شعوبهم كما سعى الإمام (ع) وستبقى جُملته الخالدة “هيهات منّا الذلّة” هي الشعار الذي رفعه ولا زال يرفعه لليوم كلّ الثائرين من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل ورسم النهج السليم. ختاماً إنّنا في هذا العصر نتحمّل مسؤولية هذه الثورة الحسينية التي حملها قادتنا الأبرار وتلامذتهم النجباء عبر العصور، لكي نسلِّم هذه الأمانة الخالدة إلى الأجيال اللاحقة لتكون مصدر وحيهم وإلهامهم وتزويدهم بالقوة المعنوية التي تعينهم على الصبرِ بمواجهة المستكبرين والظالمين.