الساعة السابعة والربع مساءاً هذا ماسمعته من الحرس المار من أمام زنزانتي , فُتحت ابواب الزنزانة صوتٌ مزعج من مكبرات السجن ,ليتهيأ الجميع للخروج لتناول وجبة العشاء,
لم يكن أحد ليجروأ لمخالفة اي من تعاليم الانضباط الموضوعة لنا,
بعد أن تناولنا الطعام حان موعد الرجوع إلى الزنزانة , في صباح اليوم التالي أخبروني بالقرار النهائي لمصيري في السجن , الاعدام شنقًا حتى يبان بياض اسنانهم مقابل أخر نفسٍ لي , التهمة كانت مقالة تضمنت بنود أتفاقية سرية بين ممثلين عن الطوائف العراقية وممثلين الحكم الأمريكي في العراق(المقالة نشرت بتاريخ 4/9/2020) لم يكن أمامي سوى يوم واحد فقط على تنفيذ الحكم , لا أحد يعلم مكاني منذ يوم أختفائي لا الاهل ولا حتى شريكة حياتي , توسلت كثيرًا لعلهم يمنحوني فرصة التكلم معهم لاخر مرة , لكن ذلك لم ينفع , اصبت باحباط حتى جاءت ممثلة عن حقوق الانسان الدولية تطمئن على السجناء ومعاملتهم بطبيعة الحال اخبروها أن هولاء جميعًا أرهابين مسؤولين عن قتل الجنود الامريكان اثناء عودتهم لأخذ العراق من جديد عام (2018) اصدرت ضوضاء كثيرة في زنزانتي حتى تنتبه, بالفعل نجح الامر وقالت لهم ما خطب هذه الزنزانة بعد التمتمة قالوا لها أنه معتوه لاتشغلي بالكِ فأبت إلا أن تعرف ماخطبي , فُتحت الزنزانة والنظرات الحادة خاصتهم تنهش في فمي لكني تمالكت الشجاعة قليلًا وقلت لها اريد أن اكتب اخر شيءً في حياتي ,لا اعرف وقتها مالذي تغير في نفسي حتى استبدلت الاتصال بكتابة اخر كلماتٍ لي , طالبت الممثلة من الجهات القائمة على سجن توفير هذا الامر لي وبالفعل جلبوا لي هاتف وفتحت حسابي وشرعت أكتب
“أنا أكتب هذه الرسالة واعلموا أنها أخر ماتقرؤها عني , إلى طفلتي الوحيدة , ياذات البياض المفعم بذاتكِ هلمي إليه بذكرى أحتضنها وانا مبتسم لعلي أقم غدًا وأنا اداعب حبل المشنقة بدل الخوف منه , أود شكركِ فقد روداتني الأبتسامة رغمًا عن كل الحزن الذي يملأ داخلي بمجرد أن تذكرت عنادكِ,تصرفاتكِ الطفولية وخجلكِ كنتِ ولازلتي رائعة, أهلي كنتم أزهارًا ملونة بتلون اختلاف تعاملكم معي لكن يبقى لكل منكم عطرٌ مميز أستنشقه باعتزاز, مجتمعي كنتم رائعين بقبحكم تنظر لكم الحرية بأعين حاضنة فتولوا وجوهكم مدبرين ,ماذا جرى حتى سجنتم بين غياهب الجهل وتراشقت امنياتكم على وجوه البساطة ,أيعجبكم رداء الخنوع ام ماذا, اقسم عليكم بحجم حبكم للصمت ماذا وجدتم فيه حتى احببتوه هكذا.”
ما أن فرغت من الرسالة حتى التهم وجهي قبضة احد الحراس الذي عرف بفحوى الرسالة ,
بعدها استيقظت على رائحة البيض المقلي الذي تعده لنا أمي , اتضح أني كنت في الليلة الماضية مسرفًا بشرب جرعات المستقبل.