صدر كتاب “وقت آخر للفرح- من أدب الرّسائل” لمحمود شقير وشيراز عنّاب عام 2020 عن مكتبة كل شيء في حيفا ضمن منشوراتها “سلسلة أغصان الزّيتون” للفتيات والفتيان، ويقع الكتاب في 102 صفحة من الحجم المتوسّط.
لسنا بحاجة إلى التّذكير بأنّ محمود شقير أديب كبير ورمز من رموزنا الأدبيّة، وهو يدهش النّقّاد وقرّاءه عندما يفاجئهم بجديد، وها هو بعد إبداعاته في كتابة القصة القصيرة للكبار وللأطفال، والأقصوصة -الذي هو أحد روّادها ومؤسّسيها-، الرّواية للكبار ولليافعين، اليوميّات، أدب الرّحلات، المراثي، المسرحيّة، السّيرة الذّاتيّة وغيرها، يطلّ علينا في العام 2020 برسائل تبادلها مع الكاتبة الفلسطينيّة شيراز عنّاب، وإذا كانت هذه الرّسائل تهدف التّعليم والتّربية في مجالات مختلفة، فلا بدّ هنا من التّذكير برسائله المتبادلة مع الأديبة حزامة حبايب “أكثر من حبّ” الذي صدر عام 2021، والذي يشكّل ثروة أدبيّة كبيرة.
ما علينا سنعود إلى ما نحن بصدده، وهو “وقت آخر للفرح”، الموجّه للفتيات والفتيان، وبالتّأكيد فإنّ الكاتبة شيراز عنّاب محظوظة لمشاركتها في هذه الرّسائل مع أديب كبير بحجم محمود شقير.
وبنظرة سريعة على الغلاف الأوّل سيجد القارئ نفسه أمام كاتبين اتّفقا مسبقا على أن تكون هذه الرّسائل لفائدة الفتيات والفتيان، وبالتّالي فهي رسائل تعليميّة تربويّة طغى عليها أسلوب السّرد الرّوائيّ، والكتابة للأطفال ولليافعين ليست جديدة على أديبنا الكبير، فقد صدرت له كتب عديدة بهذا الخصوص، لذا فقد كان هو البادئ بالرّسائل، وكأنّي به يقود شريكته لتردّ على رسائله في المجال الذي رسمه لنفسه ولها. وبما أنّ الرّسائل ليست شخصيّة فقد اتّخذ لنفسه اسم “يزيد”، بينما اتّخذت شيراز عنّاب اسم نجلاء، ويزيد يتكلّم عن مدينته القدس، بينما نجلاء تتحدّث عن مدينتها نابلس، وبهذا درس في التّاريخ والجغرافيا عن مدينتين فلسطينيّتين عريقتين.
لكن لم يفت الأديب شقير أن يمرّ على مدينة أريحا حيث التقى الكاتبة عنّاب، فهذه المدينة الأقدم في العالم والتي عمرها عشرة آلاف عام.
ولا يغيب عن ذهن الأديب شقير كما هو الحال في كتاباته كافّة التّذكير بفسيفساء الشّعب الفلسطينيّ والتّعدّديّة الثّقافيّة في فلسطين الوطن، ففي فلسطين الدّيانتان الإسلاميّة والمسيحيّة، فمنذ البداية عرّف يزيد صديقته نجلاء على زميله وابن صفّه جريس وشقيقته سوسن، ولتأكيد قدسيّة دور العبادة “نذهب انا وأمّي وأبي إلى المسجد وإلى الكنيسة في كلّ عيد”ص8. وبهذا تأكيد على أنّ المساجد والكنائس جزء من الحضارة الفلسطينيّة، وبالتّالي على الجميع حمايتها والحفاظ عليها.
وإذا كان لقاء شقير وعنّاب عام 2011 في مدينة أريحا، حيث اعتبر وزراء الثّقافة في الدّول العربيّة والإسلاميّة “القدس عاصمة دائمة للثّقافة العربيّة واٍلاسلاميّة”. وبما أنّ هذا كان مجرّد شعار لا أكثر، فقد جاء في رسالة شقير الأولى معزّيا نفسه:” على الأقلّ، يكفيها الجانب المعنويّ النّاتج عن الاعتراف بها.”ص6.
في الرّسائل تحدّث الكاتبان عن مدينتيهما، وعادا إلى تاريخهما القديم، فعلى أبواب نابلس تحطّمت جيوش نابليون، والقدس تعرّضت للهدم سبع عشرة مرّة، لكنّ الغزاة والمحتلين اندحروا مهزومين خائبين، وبقيت القدس مكانها، وهذا إشارة إلى النّهاية الحتميّة للغزاة المحتلّين الحاليّين.
في الرّسائل فضحٌ لممارسات الاحتلال القمعيّة لأبناء شعبنا، سواء كان ذلك بالقتل والأسْر، بمصادرة الأراضي والإستيطان، هدم البيوت، قطع الأشجار وحرق المزروعات، سلب الأمن والأمان من المواطنين الفلسطينيّين، وانتهاك حرماتهم وخصوصيّاتهم.
كما فيها دعوة لمواصلة التّعليم وزيادة الثّقافة من خلال الحثّ على مطالعة الكتب القيّمة، وحبّ الموسيقى، الفنون، المسرح، الغناء، الرّياضة…إلخ. إعطاء النّساء حقوقهنّ، وقد تطرّقت عنّاب إلى الحجاب، وكتبت أنّه ليست ضدّه، ومن حقّ أي فتاة أن تضعه، لكنها ترفض فرضه بالقوّة عليها.
لغة الرّسائل انسيابّة سهلة تناسب الجيل المستهدف.
هذا الكتاب يشكّل إضافة نوعيّة لأدب اليافعين، ولا تغني الكتابة السّريعة عنه من ضرورة مطالعته.