23 ديسمبر، 2024 4:17 ص

رسائل في تكامل الإنسانية

رسائل في تكامل الإنسانية

ميثولوجيا الدين ترتكز في كثير من جوانبها على شخصيات لها الدور الروحي، في التأثير في فكر وعقلية المجتمعات الدينية، وعلاقتها في التصرفات الإنسانية التي من شأنها أن تعمل على أستقامة التوجهات البشرية، نحو التكامل والتفاضل في نواحي عملية وعلمية، تتناسب طردياً مع النظام الديني الصحيح..

لكل نظام ديني جمهور يعتمد على التعليمات الألهية التي تلائم متطلبات أتباعه.. فبعضها يغذي العنف، التطرف و الإرهاب، كما حدث في طائفية العراق بعد سقوط الطاغية، كذلك التنظيمات الإجرامية التي فتكت بربع العراق، بسبب فتاوى مذهبية متطرفة، سفكت دماء الأبرياء، فسبيت النساء وذبح الأطفال، كلها تحت راية “داعش” الإرهابية..

كذلك في نفس الخندق المظلم، هناك ديانات تعتمد على أستباحة أراضي الآخرين وقتلهم في سبيل السيطرة على مواردهم الإقتصادية، حتى لو تطلب الأمر أن يقتلوهم من الجوع والتعذيب والتهجير القسري، كما يحدث الآن في دول القارة الأفريقية، وأيضا في فلسطين المحتلة، كل هذا تحت دعوى راية دينية تبرر للبعض أنهم شعب الباري المختار، أو أنهم فرسان المعبد الساعين نحو توسيعه على حساب جثث الإنسانية..

هناك دائماً جانب مشرق فبعض الأديان يكون فيها فكر معتدل يحترم الآخرين، ويسعى لأن يطبق تعاليم الإله الصحيحة، بفعاليات ومثل وأدوات نقية، لينتج عنها مجتمع قوي متماسك، مثال ذلك ما يحدث سنوياً في زيارة الأربعين، التي تعتبر من أهم طقوس المذهب الشيعي..

أتباع أهل البيت عليهم السلام يأمون سيراً على الأقدام من كل بقاع العالم، لزيارة إمامهم المقتول ظلماً (الحسين بن علي) في رحلة تستغرق مدة ٢٠ يوم، فتجد الطعام والشراب والمنام، وكل ما أحله الرحمن، متوفر مجاناً لكل القاصدين لكربلاء..

عشرون يوماً يحمل خدام الحسين ضيوفهم على أكف الراحة، ويلبون كل طلباتك تقرباً منهم إلى الباري، وإيماناً منهم بقضية قد أكل التاريخ من عمرها الف وأربعمائة عام، يطبقون آية القرآن التي تقول “إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكورا”.

لذلك يعتبر الحسين عليه السلام الذي ثار على الباطل، ورفض أن يخضع لحاكم مخمور ظالم  قطع رأسه، وأحرق خيامه، وسبا عياله.. شخصية سرمدية، مازالت خالده في نفوس أتباعه، لأنه منارة تضيء لهم الدرب، وترشدهم إلى الهداية الربانية والدنيوية، لتقيم حداً فاصلاً بين الخير والشر داخل نفوس الشيعة..

كل هذه الطقوس والتعاليم هي قضايا روحانية، لها الأثر الأبعد في تكامل النفس البشرية، التي من شأنها أن توصل هؤلاء إلى أقصى درجات التواضع والزهد والعطاء، حيث يتساوى الجميع وتسقط الألقاب وتنتفي الشهادات العلمية، داخل خيمة واحدة تسمى “موكب ” الجميع داخلها يحملون عنوان واحد هو “خادم للزائرين”

منذ أن أنتصرت هذه الدماء على سيوف الظالمين.. بدأت مسيرة العاشقين، وأنطلقت في خدمة الفقراء والمساكين.. تغيرت قوانين الفلاسفة، وأصبح من الممكن جداً أن يصل الإنسان إلى أعلى درجات التكامل الروحية والإنسانية، عندما يدخل خيمة الموكب ويحمل على صدره شعار الخادم.