23 ديسمبر، 2024 12:13 ص

رسائل زمن الضياع/8/ بهلول الحكيم لهذا الزمان

رسائل زمن الضياع/8/ بهلول الحكيم لهذا الزمان

صديقي وانا كنا يوما نسير في طريق زراعي والشمس مائلة الى الافق تلوح حينا وتختفي حينا بين ضلال الاشجار كأنها عين مضيئة ترقبنا بحنان تغمض اجفانها بين حين وآخر كأنها صديق حميم .هكذا وصفها صديقي فقلت متسائلا له ماذا تقول في الصداقة…؟
– إنّ الصداقة ليست بطول السنين بل بصدق المواقف ووفاء أصحابها.
–اين قرأت هذه العبارة…؟
في كتاب الصداقة .
انا اريد منك ان تصف الصداقة كشعور شخصي واحساس ذاتي.
اراك معلما يمتحن قدرات تلميذه في التعبير والانشاء…!
استغفر الله … لكني اود التعرف الى حقيقة اعتقادك الصداقة الحقة وما هي مقوماتها.
تأوه صديقي وارتسمت على محياه شبه ابتسامة بينما اشرقت عيناه بنظرة حالمة وهو يقول. الصداقة الحقيقية نور للبصر وهدى للبصيرة ودفء للمشاعر الطيبة ونبل العواطف الجميلة والصديق الحق لروحك مثال ولحياتك جمال.
كم لك من الاصدقاء الذين يمكن ان تعتبرهم اصدقاءك الحقيقيون…؟
ها قد تحولت الى صحفي يجري تحقيقا.
لا ولكني احب ان اعرف اصدقاءك الحقيقين فهم اصدقائي .
وكيف ذاك ولم تربطك علاقة مباشرة معهم …؟
هكذا قال امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام في كتاب نهج البلاغة (اصدقاءك ثلاثة ,صديقك وصديق صديقك, وعدو عدوك . واعدائك ثلاثة ,عدوك ,وعدو صديقك ,وصديق عدوك) .
نظر الي مفكرا وتمتم :السلام عليك يا ابا الحسن واضاف بعد لحظات: كثيرون والحمد لله هكذا اجد نفسي ازاءهم على ان الذين اختبرهم لي الدهر قليلون.
اكدت قوله واضفت عبارة قرأتها في احدى كتابات الكاتبة غادة السمان والتي ذكرت انها قرأتها مكتوبة على زجاج احدى المركبات المارة على احد الطرق لأحدى محافظات وسط العراق (لا تحزن … اصدقاء الشدة قليلون) .
ومن عبارات الصداقة الجميلة
الواثقون من الصداقة لا تربكهم لحظات الخصام، بل يبتسمون عندما يفترقون؛ لأنّهم يعلمون بأنّهم سيعودون قريبًا.
ليست الصداقة البقاء مع الصديق وقتاً أطول، الصداقة هي أن تبقى على الوفاء حتّى وإن طالت المسافات أو قصرت.
هنا اعترض على نقلي عبارات عامة عن الصداقة قائلا :-
انا ايضا اريد تعبيرك الخاص عن الصداقة ومن اصدقاءك الحقيقيون..؟
الصداقة الحقيقة نبض للقلب ونسمة للروح تكتب الاسماء بحروف الوفاء في كل قطرة من الدم ولو غضبت من صديقك ذات يوم ومحوت اسمه من دفتر الذكريات فانك ابدا لا تستطيع ان تمحوه من فؤادك وروحك.
اه….كم هو جميل تعبيرك وكم هو صادق .اجل هذا وصف للصداقة الحقيقة ولكن لم تخبرني عن اصدقاءك الحقيقيون .
افضل ان لا أخبرك .
لماذا …؟وما يمنعك …؟
لان اغلب اصدقائي الحقيقيون مجانين …هكذا يسمونهم .ولا اخفيك انني قد شاركتهم يوما ما مؤتمرهم التأسيسي وتم رفع وثيقة الى من يعنيهم الامر تضمنت مناشدة لأنصافهم .
وماذا كتبوا فيها …؟
اخرجت هاتفي وضغطت بعض الازرار ثم رحت اقرأ..
(انصفونا ايها الحكماء , انصفونا ايها العلماء …انصفونا ايها
العقلاء…انصفونا ايها الابطال.
نحن معشر المجانين في هذه الارض …نحن الذين سلبتنا الحياة عقولنا وزهرة حياتنا فصار كل شيء عندنا وهما وتلوثت اظافرنا المستطيلة بقذارة الطرقات والوحل ولكنا لا ندرك حقيقة مانحن فيه من معاناة ففي كل لحظة نغرق حتى الهوس في ضحكات متعالية تعانق آفاق السماء واطراف الأرض في صرخة وحشية لا تعرفون لها معنى .
يركض خلفنا الصغار لاهثون يرجموننا بالحجارة وقشور الفاكهة ,ينادون علينا بسخرية قاتلة تفتح ابواب الموت على مصاريعها لتضمنا بدفئها وحنانها, ما اسخفهم وما احقر تربيتهم التي ربيتموهم عليها فهم يسيرون بطريق معوج وانتم تشدون على ايديهم .
سيكبر هؤلاء الصغار العاقون على جريمتهم وسوف تتعود نفوسهم التنمر وسيجعلون من الالم اكاليل من الجراح يرمون به كل عابر سبيل . ترونهم رأي العين وتسمعونهم ولا تبالون بما يحدث لنا ولا تقولون كلمة لوقف عذابنا ولا تمدون يدا لمساعدتنا.
ما احقركم حيث تتحدون القدرة الالهية وتسخرون منها هذه السخرية التي تشملوننا بها ولكنكم ضعفاء فارغون ,انكم كقصبة لا تملك لأمرها استطالة او انحناءة , جوفاء ليس لعمرها من معنى ,صامتة كحجارة في جبل ,قاتمون الا من لمعة مظاهركم الجوفاء .
هل فكرتم فيما ا نتم فيه من قسوة . هل فكرتم فيما يقوم به هؤلاء المتضائلون الصغار .هل قومتموهم.
لكم هي رائعة ملائكة السماء حينما سلبتنا ما يمكن ان يجعل من حياتنا عذابا مستمرا لأننا نعيش في عالم غير صالح وانتم فيه العتمة القاتمة.
انكم معاشر العقلاء تستخفون بنا وتعجبون كيف نبيت ليالينا في تلك المقابر ا لقديمة التي تخافون ان تذكروها في احاديثكم وتهربون فزعا بعيدا عن طرقاتها كي لا ترتسم لكم خيالاتها في المساء .ولكنها هي هي تلك النهاية التي ستؤولون اليها فابنوا ما شئتم من القصور وأضيفوا الى ملابسكم ما شئتم من الحلي والحلل واجمعوا من الذهب والاموال ما هو لكم وما هو لغيركم واذا ما فكر احد من هؤلاء الاخرين ان يقف لكم فارشقوه بالحجارة وانصبوا له مشانق الموت في حدائقكم كي تتسلوا وانتم تشاهدونه وهو يجود بنفسه محتضرا بنزع اخير ,احرقوا ما يعج بالحياة لأنكم تحيلون كل شيء الى ذهب ولكنكم لو ادركتم كم انتم خاسرون لأصابكم مثلنا مس من الجنون ولهدمتم كلما بني بأيديكم ولزهدتم في حياة جعلتم من قدسية الرحمة السماوية اغنية ماجنة.
انكم انتم المجانين وان لم تدركوا فغدا ستكون هذه التربة المتصلبة فراشكم وستمتزج الاشلاء الممزقة المتهرئة التي تخشونها اجسادكم الغضة).
فغر صديقي فاها وبحث عن كلماته بصعوبة كأنما ابتلع لسانه وبعد فترة جاءني صوته قائلا:-
هؤلاء ليسوا مجانين وانما مخلصون حرموا حرية التعبير وعجزوا عن الدفاع عن الكلمة الحرة وحوربوا على تحصيل العيش الكريم وواجهوا شدائد عظيمة لانهم لم يغيروا صدقهم بالكذب وصداقتهم بالنفاق ووفائهم بالخيانة ,انهم بهلول الحكيم لهذا الزمان.