نشر السيد محمد علاوي وزير الاتصالات الأسبق على صفحته الشخصية على الفيسبوك يوم 24 أكتوبر 2017 مقالا بعنوان ” كيفية ضمان نسبة تفوق الـــ 95٪ لتحقيق نزاهة الانتخابات القادمة” ، كشف فيه بأنه كان قد أرسل رسالة خاصة بتأريخ 20 آب 2017 إلى كل من رئيس الجمهورية ونوابه الثلاث، ورئيس مجلس النواب ونائبيه، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس القضاء الاعلى، ورئيس اقليم كردستان وعددٍ آخر من القيادات المتقدمة في البلاد، ضمّنها عدة مقترحات بشأن منع تزوير الانتخابات القادمة.
وحيث أنني أتابع أغلب ما ينشره السيد علاوي سواء على صفحته الشخصية أو في وسائل الاعلام المختلفة ولم افكر في مناقشته بجوانب تتعلق بالاتصالات التي تقع ضمن تخصصه بصفته عمل وزيرا للاتصالات لعدم درايتي الكافية بهذا الجانب، أو حتى عندما ينشر حول قضايا سياسية لكونه كان قد إطلّعَ خبايا عددٍ من الامور وتفرعاتها عندما كان وزيرا ، ولكنه عندما يتحدث في تفاصيل فنية وعملياتية تتعلق بالانتخابات ، هنا ينبغي علينا أن نقف على عدة نقاط طرحها بحاجة الى الرد عليها لتوضيح الحقائق للقارىء الكريم . لذا سوف أتناول فقرات من ما نشره ، وكما يلي :
1 – وردت في المقدمة العديد من النقاط غير الواقعية تضمنت خلطا بين عملية العد والفرز في محطات الاقتراع وبين عملية إدخال النتائج الكترونيا في مركز ادخال البيانات بالمكتب الوطني في المفوضية، ومدة الاعلان عن الفائزين (قوائم او مرشحين) في ما بعد. ويبدو من خلال النص المنشور أن السيد علاوي لم يكن لديه دراية كافية بهذه المراحل الثلاث، فالعملية الاولى المتمثلة بالعد والفرز تجري في محطات الاقتراع بعد انتهاء التصويت مباشرة وقد تستغرق عدة ساعات تنقل بعدها استمارات النتائج فقط في صناديق الى مركز البيانات في المفوضية ببغداد لغرض ادخالها الكترونيا(اتبع هذا الاجراء منذ انتخابات الجمعية الوطنية في ك1 2005 ولغاية انتخابات مجالس المحافظات في نيسان 2013) ، في حين جرى تغيير هذا الاجراء منذ انتخابات اقليم كردستان التي جرت في سبتمبر 2013 بالاتجاه نحو إعادة العد والفرز مرة أخرى في مراكز مختارة في مراكز المحافظات قبل ارسال استمارات النتائج الى المكتب الوطني للمفوضية ، وقد طُبقَ نفس الاجراء في انتخابات مجلس النواب 2014 أيضا.
أما في المرحلة الثالثة، ولدى وصول الاستمارت الى مركز ادخال البيانات ، يجري ادخالها تباعا حال استلامها من أجل كسب الوقت وبطاقة قصوى للمركز وبدوام مستمر لنوبتين او ثلاث احيانا وبواقع 500 موظف ادخال ومساعد في جوانب اجرائية وادارية اخرى تجري في المركز. علما هذه الاستمارات للنتائج لا تشمل التصويت الخاص للقوات الامنية او النازحين او غيرهم من المشمولين بهذا النوع من التصويت لأن فرزها وعدها يجري في مراكز عد وفرز مخصصة لكل محافظة (ومركزين في بغداد).
تستغرق عملية الادخال مدة تتراوح بين 4-5 أيام للاعلان عن نتائج تصل نسبتها الى حوالي 90% من مجموع المحطات (وهو ما جرى في انتخابات مجالس المحافظات 2009) ، أما المتبقي اي حوالي 10 % فهي تتعلق بالتصويت الخاص الذي أشرت اليه أعلاه وإلى نتائج بحاجة الى النظر فيها كأن تكون قد قُدمت بشأنها شكاوى أو طعون أو بحاجة الى تدقيقات في مركز الادخال لعدم وضوح أو عدم مطابقة في الاصوات داخل الاستمارات ، أو استمارات أخرى في مراكز العد والفرز الخاصة في كل محافظة نتيجة لشبهات أو شكوك حول حالة عدد من صناديق الاقتراع (كسر الصندوق او أقفاله أو فتحهما) وغيرها من الحالات.
في انتخابات مجلس النواب 2010 استغرقت عملية اكمال الاجراءات للوصول الى اعلان النتائج حوالي 18 يوما، وفي الانتخابات اللاحقة لها استغرقت مدة أطول ، لايتسع الحديث للاسباب التي جعلتها تتأخر في هذا المقال للسرد ، وقد تسنح فرصة اخرى للحديث عنها.
2- اقترح السيد علاوي أن تؤسس لجنة عليا للانتخابات اقترح تشكيلها من عددٍ من الشخصيات ، وهذا الامر بحاجة الى تعديل قانون المفوضية الذي لم تتم الموافقة عليه في الاسبوع الماضي وبخاصة عندما تضمن مادة مقترحة تنص على أن يدير المفوضية عدد من القضاة.
كما اقترح السيد الوزير الاسبق ان يكون من بينهم خبراء دوليون، في حين أن الفريق الدولي للمساعدة الانتخابية ومن عدة وكالات دولية يدعم عمل المفوضية منذ عام 2004 ولغاية اليوم.
3- اشار السيد علاوي في ما أسماه بالخطة الثانية ، الى “انه من المهم مراقبة وتصوير كافة المراكز الانتخابية بالصوت والصورة يوم الانتخاب بشكل آني وتحفظ الأفلام لفترة لا تقل عن سنة”. ولعل هذا المقترح كان قد قُدِمَ من قبل احد السادة المفوضين بمذكرة رسمية عام 2009 ، وأجبت عليه عندما كنت مديرا عاما لدائرة العمليات في المفوضية بعد دراسته مع الموظفين العاملين في الدائرة وبمشورة عددٍ من مشاوري الفريق الدولي وقدمنا أهم السلبيات والتحديات التي تواجه تنفيذ هذا المشروع ( لايتسع المجال لذكرها ولكن في مقدمتها عدم توفر الطاقة الكهربائية لتشغيل كاميرات لحوالي 52000 ألف محطة اقتراع في عموم العراق قد تحتاج كل محطة الى اكثر من كاميرا ، وإذا ما جرى الحديث عن بديل للطاقة ، فمن الصعب ايجاد كاميرات تعمل بوسائل اخرى غير الكهرباء لمدة قد تصل الى 24 ساعة في يوم الاقتراع وبشكلٍ مضمون).
4- وفي الخطوة الثالثة من مقترحات السيد علاوي ، ذكر الى أنه من المهم بعد انتهاء التصويت أن يتم فرز الأصوات في نفس المركز الانتخابي، ولا يجوز بالمرة نقل الصناديق إلى خارج المركز الانتخابي، وكنت قد تطرقت الى هذه الآلية في فقرة سابقة ، وأنا من المؤيدين لغشارته هذه ، ذلك أن نقل الصناديق من مراكز الاقتراع الى مراكز عد وفرز متعددة في كل محافظة هو اجراء غير سليم ويعطي شكوكا لدى النقل ، فضلا عن ان الاختلاف بين نتائج المحطة وتلك التي تظهر في مركز العد والفرز هي بحاجة الى تكييف قانوني لتحديد أيهما يعتمد قانونيا، وفي ذلك حديث طويل ربما أتطرق اليه لاحقا وفي موضع آخر. كما ورد في نفس هذه الخطوة المقترحة جوانب تتعلق بتصوير ونقل النتائج عبر الانترنت ولعل هذا الجانب يحتاج الى شبكة انترنت أو من الأفضل شبكة انترانيت مخصصة لخدمة العملية الانتخابية فقط ، لاتتوقف أو تنقطع قبل اكمال نقل الصور الضوئية للاستمارات التي تحدث عنها السيد علاوي ، فضلا عن الحاجة الى تأمين العملية من الناحية الامنية لكي لا تُخترق او يجري تهكيرها او استبدل الاستمارات لدى النقل أو التلاعب بنتائجها ، إذا ما علمنا أن الدول الكبرى التي ابتكرت التكنولوجيا ومعداتها مثل اميركا وفرنسا قد سرت الشكوك حول اختراق انتخاباتهما في اواخر 2016 بالنسبة للأولى و2017 بالنسبة للثانية وتحديدا من قبل روسيا ، فكيف بنا ونحن نفتقد الى ابجديات التكنولوجيا المتقدمة ؟
وفي نفس السياق ، أود أن أوضح للسيد علاوي وللقارىء الكريم أن المفوضية قد درست هذه الجوانب منذ عام 2011 لغرض اعتماد عملية التسجيل الالكتروني لاكثر من 1000 ألف مركز تسجيل ناخبين (لتكون خطوة أولى على طريق اجراء التصويت الالكتروني لاحقا)، وقد شُكِلتْ لجنة في المفوضية لهذا الغرض برئاستي وضمت أكثر من عشرة موظفين من دائرة العمليات وقسم تكنولوجيا المعلومات وغيرهما ، وقد جاء ذلك التخطيط وإطلاق الفكرة بعد أن قمت بزيارة المفوضية الاسترالية مع عدد من السادة المفوضين والمدراء العامين في مطلع ذلك العام للاطلاع على عملية التسجيل المستمر لـــ 150 مركزا للتسجيل في تلك القارة والتي تُنفذ أعمالها باستخدام جهاز الآيباد من قبل 3 موظفين فقط لكل مركز تسجيل يزداد عددهم قبيل كل انتخابات. الا أن فكرة المشروع وُئدت في مهدها للأسف لعدم التفاعل معها وقبولها من الجهات العليا وتحت تبرير عدم توفر الاموال اللازمة ، مع أن الجميع يعلم أن الاموال كانت في غاية الوفرة في تلك السنوات التي سبقت انخفاض اسعار النفط مع أواخر عام 2014.
مقترحات السيد علاوي في هذ المقال ومقالاته الاخرى، تؤكد على وطنيته ومحاولته تحسين وضع البلد في جوانب شتى، ولكنني أتمنى عليه أن يُرّكز على الجوانب الفنية للاتصالات المتعلقة بالانتخابات التي تحتاج اليها العملية الانتخابية وإبداء النصح والمشورة في هذا الجانب إذا ما رغب بالحديث في مجال الانتخابات ، لكونه معني بهذا الجانب إن لم يكن متخصصا فيه بدلا من التطرق الى جوانب فنية وعملياتية فيها تفاصيل دقيقة لايعرف عنها سوى عدد قليل من المعنيين بالشأن الانتخابي.