23 ديسمبر، 2024 5:49 ص

رحى الفساد الدوارة

رحى الفساد الدوارة

برزت في العصر الحديث على وجه الخصوص، وفي دول ما يسمى بالعالم الثالث على نحو أخص، ظاهرة الثورات على أنظمة الحكم الفاسدة، واستبدال أنظمة أخرى بها، لا تقل فساداً، إن لم تكن أكثر وأوغل في الفساد.

تبدأ الأمور، عادة بشعور الشعب بظلم النظام الحاكم وطغيانه، فيرفع بعض الناشطين شعارات المطالبة بالحقوق المنهوبة، والحريات المستلبة، ويتبعهم الشعب الساخط، كما يتبع النار الشرار، وتتم الاطاحة بالنظام الفاسد، وتتشكل اللجان الثورية، وتُشرع، على عجالة، القرارات الثورية التي تستأصل النظام القديم من جميع مفاصل الحياة، وينمو خزين الآمال لدى الشعب، الذي يجد نفسه بعد سنة، أو سنتين يقتات على الشعارات، والخطب الرنانة، دون أن تعرف اللحمة طريقاً لماعون أطفاله، ولا تخطئ الصفعة طريقها لقفاه، و(جيب ليل واخذ عتابه)، وعلى رأي الشاعر الفرنسي مالارميه:

“انطفأت النار

وتوارى جمرها

هذه نهاية كل أغنية غناها الإنسان”

النهاية التي تتكرر تشير حتماً إلى الحكاية التي تتكرر، والحكاية المتكررة جديرة بأن تدفع أمامنا عجلة السؤال: لماذا تكرر البشرية الخطأ نفسه في كل مرة، دون كلل، ولا ملل؟

لعل الجواب كامن في أن البشرية لا يمكن أن تتوقف عن التطلع إلى السعادة، والحرية، فهي دائماً تبحث عنهما، ولكنها، في كل مرة وللأسف  الشديد، تخطئ الطريق إليهما، وفي كل مرة تقع في شرك الأبطال المزيفين، الذين لا يتورعون عن ركوب ظهور الجماهير من أجل غاياتهم الدنيئة.

 تبدأ الحكاية عادة بموقف الافتقار والحاجة الانساني: “الشعب يريد”.

ولكن هذا الموقف ليس نهاية الحكاية، وإنما هو بدايتها فقط، وقبل أن تبلغ الحكاية نهايتها، وقبل أن تلقي عصاها ويستقر بها النوى، هناك ممرات كثيرة لابد أن تقطعها، وأرصفة تفترشها، وهتافات تطلقها، وخيارات صعبة تحسمها، وهناك الأهم والأخطر؛ الفرسان المزيفون، والذئاب المستعدة دائماً لارتداء جلود الحملان، وهناك خمبابا، وهناك الرعاة الطالحون.

يمكن لحكاية التاريخ أن تتفادى هذا المخطط الحكائي المتكرر، حينما تعيد الجماهير طرح الاسئلة الكبرى، وتجيب عنها بوضوح؛ هل يمكن أن يكون الخالق قد تركنا على قارعة الطريق عراة، حفاة، دون أن يأبه بنا ودون أن يحدد لنا الطريق، والقائد الذي يبلغ بنا الهدف؟؟