22 ديسمبر، 2024 11:50 م

القلم فقد قيمته ودوره في المجتمع , وقضت عليه الكي بورد التي تساعد الضاربين على مفاتيحها , بالإتيان بعواهن الكلام , وسفسطات الأصابع والأذهان , حتى لتجدنا أمام حيرة كبرى , وحوابل ونوابل يصعب تفريقها.
فهل أن المكتوب يُقرأ؟
لا توجد إحصاءات دقيقة موثوق بها , غير أن ما يحصل في الواقع يشير إلى إحتمال كبير أن المكتوب لا يُقرأ , والكلمة فقدت قيمتها , والعبارة غدت في مهب الرياح.
عشرات الصحف والمواقع ومحطات التواصل , ومئات الكتّاب , والواقع بزداد وجيعا وقهرا وفسادا , حتى لتبدو الأقوال وكأنها ذروة الأفعال , وفقدت الأجيال الإحساس بالكلام.
ما أسهل النقر على مفاتيح الكي بورد فتظهر الكلمات على الشاشة البراقة وكأنها اللؤلؤ المنضود , فتتوهم بأنك تكتب , وعليك أن تنشر ما جادت به أصابعك المتراقصة على الأزرار الكيبوردية.
هذه عاهتنا المعاصرة التي أفرغت الكتابة من جوهرها وصادرت رسالتها ومنطلقاتها الفكرية والمعرفية والإنسانية , فأصبح الجميع كتّابا , ما داموا يتفاعلون مع الآلة السحرية التي جعلت الكتابة أسهل من الكلام , كما أن وسائل التواصل بمغرياتها وتقنياتها , جردت الكلام من دوره , ومنحت المكتوب دورا أكبر , فصارت العيون تتحرك والمسامع تسعى إلى الصمم.
وفي المجتمعات السماعية أصيبت الذائقة العقلية بطاعون الكلمات العابرة للوعي والإدراك , فتحقق الشلل المعرفي وتبلدت الحواس وجفت الخواطر.
وبسبب النشاطات الخاوية المتهاوية , تحولت الأيام إلى مسرحيات عبثية , بلا بوصلة ولا معالم طريق , بل دوران في مستنقعات الغابرات , وتوحل بالمآسي والتداعيات , وصارت الأجيال تستلطف الأنين والقهر والتشكي , وتتمترس بأوهام المظلومية والإستلابية , والإنتقامية والإستحواذية , والتنعم بالفساد , وبغنائم المال المُشاع.
وتحقق في الأرض خراب البلاد وسبي العباد , وذلك بإسم دين رحيم , وصراط مستقيم , وهداية للناس أجمعين , حتى أصبح القتل من الإيمان , والفساد والإغتنام , رزق من الرب المنان!!
ولله في خلقه شؤون , والقلم وما يسطرون!!
د-صادق السامرائي