19 ديسمبر، 2024 12:58 ص

رحل بصمت،الشاهد على المعارضة العراقية، الشيخ عبدالرضا الجزائري

رحل بصمت،الشاهد على المعارضة العراقية، الشيخ عبدالرضا الجزائري

رحل صباح السبت الماضي الشيخ عبدالرضا الجزائري أثر نوبة قلبية مفاجئة، و مما ميّز هذا الرحيل هو تنكّر رفاق الأمس له ميّتاً بعدما تنكّروا له حيّاً. فاستكثروا عليه حتّى اصدار ابسط تأبين بهذه الفجيعة المؤلمة. الّا بعض الاستثناءات (ان شاء الله ستنشر مجتمعة) و اكثر هؤلاء كان من الاخوة المضحّين المخلصين الوطنيين الذين لم يتلطّخوا بالتسلّق بأساليب رخيصة لبلوغ المناصب.
لا يوجد احد من المتصدين في المعارضة الإسلامية العراقية في أواخر السبعينيات في العراق و أوائل الثمانينات في ايران لا يعرف الشيخ المرحوم. و ان كان قد يكون الكثير من الناس لا يعرفونه لأنه لم تكن وسائل التواصل متوفرة في حينها.
والسبب واضح لا توجد معارضة إسلامية آنذاك في العراق من دون السيد الشهيد محمد باقر الصدر، و الشيخ كان وكيله البارز في البصرة والذي قاد شباب هذا الخط فيها آنذاك. كما استمر في عمله و نشاطه بعد انتقاله الى ايران في أوائل الثمانينات. حتّى تحوّلت المعارضة الى مشروع ايراني في العراق. فانسحب منها و لم يذهب مذاهبهم و لم يسلك مشاربهم و لم يرتشف من مناهلهم و لم يتنفس من الرئة التي تنفسوا منها. لهذا اعلن ملاحظاته جليّاً على كل المشروع، و بطبيعة الحال رفض كل العروض التي عرضتها عليه الحكومة الإيرانية قبال الانخراط في المعارضة وفضّل الجلوس ببيته والتفرّغ للمطالعة و الكتابة و فتح أبواب داره بوجه كل من أحب ان يستفيد منه. فعرف داره ملتقى الفقراء من شباب العراقيين المتطلعين للفكر الديني و المنتقدين لانحراف و فساد المعارضة.
بمرور الزمن انخراط المتصدين في المشروع الإيراني حقّق لهم وفرة مالية و جوازات و سفر و… بينما حياة الشيخ بقيت على النمط الذي تعلّمه و رآه و نقله لنا عن استاذه الصدر الأول. و هذا ما كان يحرجهم و يكشف زيف ما يدعونه من خدمة جهادية. (يطالبون الشعب العراقي اليوم بتعويضات لا متناهية قبالها). فكان افضل طريق لهم للخلاص من هذا الاحراج هو انكار الشيخ و تجاهله و التخلّي عنه. لا بل أحيانا مضايقته و الاستهزاء من فقره و اعتبار زهده دليل ضعفه و فشل مشروعه. لأن أي مقارنة بينهم و بينه ستجعلهم الخاسرين. (لا يمكن ذكر تفاصيل تلك الحقبة في هذه الورقة و ان شاء الله ستنشر)
استمر هذا التجاهل و الانكار و المقاطعة و أحيانا المحاربة من قبل الكثير من المتصدين على مدى عقدين حتى حان موعد الهجوم الأمريكي على العراق. فخالف الشيخ بشدة هذه المرّة الدخول في المشروع الأمريكي و تشكيل غطاء عراقي له. لهذا أصدر بيانه الأول تحت عنوان “مؤتمر المعارضة أم سلطة المؤامرة” في 13/12/2002 و تلاه ببيان ثان تحت عنوان “الضربة الأمريكية للعراق سقوط حضاري” في 22/12/2002 وثم “سلطة المؤامرة بين النظام والمعارضة” في 5/1/2003. انتشرت هذه البيانات في حينها على نطاق واسع في أوساط المعارضة و كذلك في موقع “كتابات” و مواقع أخرى. لكنه لم يجد أذن صاغية بين المتصدين من المعارضة التي صارت تتاجر بالعراق و أهله مع كل من يقايضها بحطام الدنيا. لهذا وجّه خطابه للشعب و أصدر “بيان من الشيخ عبد الرضا الجزائري الى الشعب العراقي” في 21/4/2003 ثم “حقيقة الحرب الامريكية ضد العراق واهدافها النهائية” و تلاه “حقيقة الانتخابات و تشكيل الجمعية الوطنية العراقية” في 23/12/2004 وبعده “الانتخابات في العراق و المواقف المضادة” في 12/ 1/ 2005 خالف فيها صيغة تشكيل مجلس الحكم و بناء الدولة من قبل المحتل.
هنا كان الغضب على الشيخ مضاعفا ممن رأى ضربة العمر في الالتحاق بالهجوم الأمريكي على العراق. لأن ما يمنحه المحتل يختلف تماما عمّا كانوا يكسبونه أيّام المعارضة. فالمحتل بكل سخاء و كرم فتح أبواب قاصات وادي الرافدين على مصراعيها لهم كي يغترفوا منها ما طاب لهم قبال أداء أحد الأدوار التي يحددها لهم في هذه التراجيديا السوداء. حتّى اجتث المحتل الغاشم الدولة العراقية و صار يقامر في سهراته الماجنة بأوصال الوطن مع كل مقامر.
ليس من واجب أي أحد تأبين أيّ أحدا، و لا يحق فرض قناعتنا على الآخرين و الطلب منهم تأبين من نرغب نحن بتأبينه. لكن التجاهل المطبق من قبل رفاق الأمس موقف سياسي حين مماته مكملاً لموقفهم حينما كان حيّاً بيننا، عسى ولعل مضي الأيّام تخلّصهم منه. أساسا في الغالب عند هؤلاء عملية التأبين جزء من سبيل كسب العيش. لأنهم في الغالب يأبّنون من يمتلك حزباً، او عشيرة، او قاعدة شعبية كبيرة او دولة تسنده. فحينما يؤبنونه يحاولون كسب جزء من تلك القاعدة او ود تلك الدولة، ليضيفوها الى رصيدهم. لهذا نرى أحيانا يدّعون كذباً الصداقة مع من لم يلتقوا به في حياتهم. و الشيخ ما كان يملك كل هذا. فلماذا تأبينه و تنبيه الناس عليه؟! فهذا الأمر قد يسبب أن يسأل الشباب النابه عنه و عن تاريخه و عن ما جرى أيّام المعارضة حينما تحوّلت الى مشروع إيراني و ثمّ حينما أصبحت مشروعاً أمريكياً.