لا اعرفها اصلاً , لم ارَ صورتها سابقاً , ويؤسفني أنْ لم اسمع بأسمها سابقاً رغم شهرتها المهنية ” وهذا تقصيرٌ منّي ” ..
صباح اليوم الجمعة 244 كنتُ ” وبكلِّ تواضعٍ ” اقوم بتحميل الصندوق الخلفي ومقاعد سيارتي بكمياتٍ من المواد الغذائية ومستلزماتٍ حياتية ضرورية لغرض توزيعها على النازحين , وكنت قد علمتُ بوجود مخيّمٍ للعوائل النازحة من الأنبار في حيّ الخضراء ببغداد , لم أعرف موقع المخيم بشكلٍ محدد فأضطررت للسؤالِ هنا وهناك حتى ارشدوني الى الطريق القويم ! , صادفتني يافطةٌ كبيرة مكتوبٌ عليها : < مخيّم دهاء الراوي لإيواء النازحين > , أثار الأسم دهشتي واستغربت عدم تداوله لغويا واجتماعيا وسياسيا ايضاً , وتساءلت مع نفسي لماذا هذه التسمية للمخيم.!
عند بوابة المخيم المحاط بالأسلاك التي تكشف ما بداخله من الخيم والعوائل والتراجيديا المحزنة , استقبلوني اثنان من القائمين على ادارة شؤون المكان , وبعد اللتي واللتيّا نادوا على اثنين من النازحين لإنزال المساعدات الغذائية من السيارة . لم اكشف عن هويتي الصحفية للمسؤولَين في ادارة المخيم لكني امطرتهم بجموعٍ غفيرةٍ من الأسئلة عن اوضاع واحوال العوائل النازحة . وسؤاليَ الأول كان عن السيدة ” دهاء الراوي ” فاذا هي عضو مجلس محافظة بغداد وهي إمرأةٌ متعددة المهام , واكثر ما سرّني انها تبرّعت بوجبة غداء يومية للمخيم على مدى ثلاثة شهور, وقامت بجهودٍ كبيرة في التنسيق مع < منظمة البرنامج التوظيفي لأعادة إعمار العراق RIRP بتنصيب دورات المياه الصحية والحمّامات وتركيب خزانات المياه في مركز ايواء النازحين في حي الخضراء > , وتحظى السيدة الراوي بشعبيةْ عالية في المخيّم وفي المنطقة التي يتواجد فيها , كما عرفتُ ايضا أنها تقوم بالتنسيق مع المنظمة المذكورة لإستقدام مولدة كهربائية تكفي لكل العوائل التي تقطن هناك . لفتَ نظري ايضا وبأعجابٍ بالغ قيام هذه السيدة بكفالة اعداد كبيرة من العوائل النازحة بغية ادخالهم الى بغداد , كما اخرجت اليوم عدداً من النازحين الذين يسكنون في المساجد ونقلتهم الى داخل المخيم . ومن جموع اسئلتي واستفساراتي فوجئت ايما مفاجأة بأنّ ” مخيم دهاء الراوي ” هو الوحيد والفريد من بين بقية المخيمات الأخريات والذي يتوفّر فيه الطعام للعوائل بشكلٍ شبه مقبول , حيث علمتُ أنّ احد الأشخاص الغيارى قد تبرّع بتوفير وجبة طعام مجانية لمدة شهر , وآخر لمدة شهرين , وعند توقّفي أمام البوابة شاهدتُ عجلةً كبيرة معبّأة بالوسائد تبرع بها احد الغيارى , كما كان لمواطني حيّ الخضراء دورٌ فعّال في توفير بعض احتياجات العوائل النازحة ” وهذه من طباع العراقيين اينما كانوا , ولن تستطيع السياسة تغيير اصالتهم ” .
وبجانب كلّ ذلك , ومّما لاحظته فأنّ توفير متطلبات العيش في ذا المخيم تعتمد ولغاية الآن على المبادرات والجهود الأهلية اكثر مما تعتمد في ذلك على الدور الحكومي المطلوب وبأضعافٍ مضاعفة , كما من الطبيعي القول أنّ مهما جرى من تقديم مساعداتٍ حياتية للأخوة النازحين , ومهما تبرّع المتبرّعون فلا يمكن أن يشعر النازحون وكأنهم في حالةٍ مقاربة الى ما كانوا عليه في منازلهم في الأنبار او غيرها إلاّ بدرجةٍ لا تتجاوز 1% .!
المعضلةُ الأعظم ” وبقدرِ تعلّق الأمر بهذا المخيّم المحظوظ والفريد من نوعه ” هي أن لا ضمانَ لديمومة واستمرار هذه المساعدات الغذائية والحياتية مِن قِبل الأهالي وسكّان المنطقة وبما فيهم السيدة ” دهاء الراوي ” او غيرها , وخصوصاً أنَّ فترة بقائهم في هذا المخيّم محسوبةٌ على عالم المجهول و مُسوّرة بأسلاك الإبهام في ظلّ المعارك الطويلة مع داعش , ومّما يزيد ويضاعف الأمر تعقيداً هو قدوم اعدادٍ اخرى من السادة النازحين وعلى نحوٍ يومي .! وهكذا غدا أمر العراقيين ينتظرون عطف المنظمات الأنسانية العالمية لتوفّر لهم < دورة مياه > يصطفّون أمامها بالطابور والى ساعاتٍ متأخّرةٍ من الليل , بعدما كانوا ” في ازمنةٍ مضت وقضت يسافرون الى دولٍ عدّة من دون سمة دخول او عبر تسهيلاتٍ استثنائية ..!
وَ عودٌ على بدء , علمتُ أنّ السيدة ” دهاء الراوي ” سبق لها وأشغلت منصب رئيس حركة المرأة العراقية الحرّة < وهي حركة سياسية تنادي بأعطاء الحقوق السياسية للمرأة > كما أنها من سيدات الأعمال اللواتي يشتغلن بالتجارة وليها هوية استيراد من غرفة تجارة بغداد وتمتلك ” بوتيك ” لأستيراد وبيع الملابس الخاصة بالنساء والأطفال , وهي تحمل شهادة البكالوريوس في الفيزياء وعملت في الطاقة الذرية سابقا .
ثُمَّ , وبالإبتعادِ عن البدء , وبالدنوَّ والأقترابِ من اوضاعِ عمومِ مخيّماتِ النازحين الأخريات , فأنَّ كُلَّ عناصر البؤس والدراما والأشجان والميلودراما والدموع اللائي لا تتوقّف عن الإنهمار , تتجمّعُ وتتكدّسُ وتتراكم هناك بتناسبٍ طرديٍّ بنحوٍ يوميّ مع ازدياد اعداد العوائل النازحةِ افواجاً افواجاً و زرافاتٍ زرافاتْ …