19 ديسمبر، 2024 12:02 م

رحلة صّيد شاقة

رحلة صّيد شاقة

(1)
  كانت أمي تبيع عجين أظافرها من أجل سد رمق جوعنا, من أجل دفع عجلة استمرارنا في الحياة, لإشعار أخر, .. كانت أمي تبيع ملفعها، فوطتّها، صايتها، عباءتها وتكسو جلودنا وسوءاتنا، وتستر عورتنا، كانت أمي مجاهدة مؤمنة، خنساء في محاربة الفقر والعوز والفاقة والأمية!!
(2)
 وكان أبي _ وقتئذ_ يُعرّض حياته للخطر, يرهنها مقابل أن يدفع لنا رسوم الدراسة, والدفع بنا هناك إلى المدرسة, إلى مشاق الحياة، .. إلى لعنة القراءة والكتابة؛ كالذي يدفع مرتزقة إلى حضن المعركة, عُراة لا يحشمنا إلا جلودنا, ورحمة الفضاء!
كان أبي يسلحنا بالعلم؛ ولا ندري إن الأمية هي حظنا الذي نقاتل ضده!!
 (3)
   لم نعد نحمل في هياكلنا الفارغة, إلا جلودنا, وقلوبٍ تراقصها الأحزان من أريكة على أريكة الأمل, لمشاغلة الوقت وتضييعه, حتى لا نشعر بالجوع, .. فماذا نأكل ومواقدنا باردة, لا جمر ولا مداخن؛ ومواقدنا بحاجة لمآكل!!
   يا ويلتاه عالمٌ يطفح بمئات الجماعات الإسلامية, وألاف التيارات التي تدعي الاصولية الدينية, .. بالوقت الذي يقفون عاجزين على كثرتهم من تقديم رجل يلعب دور عمر بن الخطاب حول مواقد جوعنا
 ما اتفهكم يا عرب أيدل!!
 (4)
  كان العالم يراهن على هزيمتنا النكراء, .. لكنهم كانوا أشد بأساً من أن يستسلموا لدستور الحياة الجائر وقانونها الغابي, كانوا يقطعون الأميال هرولة إلى مستقبلهم المجهول, لا حباً به ولكن لضحالة الواقع المرير.
 (5)
كان الذهاب الى المدرسة لا يختلف عمن يتدرع ويرتدي قيافة الحرب وثوب القتال, فأصعب مراحل الحياة أن تقاتل مع عدوك ضد ابن جلدتك, إن العار هنا صار وسام شرفٍ على صدر موامس اللعبة القذرة!
***
(6)
  في الوقت الذي كنا نقاتل, نُجاهد جهاد الصحابة من أجل أن نتعلم لغة القرآن, هجرنا المصاحف وتركنا خيولنا العربية تعيث في محارب المساجد تنفض اقذارها, في زمنٍ صارت الآيات وقود الحرب الأهلية الطاحنة بين العرب والعرب ضد العرب!
(7)
 مصيبة .. لأننا لم نتعلم اللغة العربية في مدارس الحياة المجانية, وتعلمنا عوضاً عنها لغة القتل بالفصحى, .. وجربنا أول وأخر حروف القتل بجمل ذوينا, إعراباً قواعدياً فتحاً بالرأس, أو نصباً في حبل المشانق!
 (8)
يا أمي الحنونة .. لماذا بِعتّي أساورك الذهبية واشتريتي لنا أغلال فولاذية !
ويا أبي الغالي .. لماذا بعت سعادتك لتشتري لنا فرحاً, تمنع التقاليد والأعراف ان نمارسه برتابه!!
متى أمارس فرحي، وأنا على أعتاب الشيخوخة
 أُمشّط بعكازتي أسفلت الشوارع، وأحصي المسافات، فرزاً عكازيا!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات