18 ديسمبر، 2024 7:40 م

ايقونة الجنوب واصلها وعروسها ، تلك هي ميسان ، الدويلة التي نشأت في جنوبي أرض بابل تحتحماية دولة السلوقيين (311 ق. م ـ 247 ق. م) التي استقلت وتدرجت في سلم القوة وأصبحت دويلةمهمة وأدت دورا بارزا في الأحداث السياسية والاقتصادية في العراق خلال الفترة من منتصف القرنالثاني قبل الميلاد إلى الربع الأول من القرن الثالث للميلاد ، وجاء اسمها في الآرامية (مياه المستنقعات)(مي آسن) ، وميسان هي مهد الحضارات والاصالة والتراث وخصوبة الارض تزهو ببساتينها وبنخيلهاوارضها الخصبة التي يفوح من ترابها عطر السومريين الاجداد ، تلك المحافظة التي تتألف من ستةاقضية ” العمارة ، قلعة صالح ، المجر ، الميمونة ، علي الغربي ، الكحلاء ” ، وتتقسم اداريا الى تسعةنواحي ” علي الشرقي ، كميت ، المشرح ، السلام ، الخير ، العدل ، بني هاشم ، العزيز ، سيد احمدالرفاعي” ,

 

تبدأ رحلتي الى ميسان عندما قرر بعض الاصدقاء الصحفيين عمل التقارير الصحفية عن بيئة وتاريخميسان واهم معالمها ، على الرغم من قسوة الطريق وبعده , الا ان رغبة المعرفة سهل طريقنا ، عند دخولحدودها الادارية هبت رياح الطمأنينة لنفسي حتى أصدقني القول صديقي وشاركني في ذلك زملائيالاخرين ، لم تخلو رحلتنا من صوت الجنوب الدافئ وكان لمطربين العمارة نصيب الاسد كانت البداية معمسعود العمارتلي باغنية “ذبي العباية” , ويقاطعه صديقي باغنية لوحيدة خليل ” بسكوت اون بسكوتيمه ما ورج احد” واخرى لناصر حكيم وصوت يعلو لعبادي العماري واخر لعبد الزهرة مناتي ونسيمعودة وفرج وهاب ويونس العبودي “، عند اول حاجز للتفتيش لدخول المدينة ، كانت العزوبية والترحيبطابع اهلها وشيمتهم ،

 

عند صباح اليوم التالي كانت مهيأة لرحلة الاهوار ، وهي أكبر نظام بيئي لامثيل له في الشرق الأوسطوغربي آسيا بمسطحاته المائية العذبة الممتدة على ثلاث محافظات عراقية جنوب العراق هي ميسان، ذيقار، والبصرة، بين نهري دجلة والفرات على مساحة تقدر بنحو 16 ألف كيلو متر مربع تفوق مساحةلبنان ، ويؤمن هذا النظام البيئي الفريد الحياة لما يقارب 81 نوعا من الطيور، منها طائر الثرثار العراقيوطائر المغرد وأبو منجل المقدس ، كما تعتبر محطة توقف مهمة للطيور المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا،بالإضافة إلى أنواع نادرة من أسماك الماء العذب والحيوانات البرية والأبقار والجاموس ,

 

المقصد كان نحو هور ” ام النعاج” الواقع في قضاء الكحلاء وله مدخلان بريان من خلال قضاء الكحلاء- ناحية بني هاشم – ومدخل اخر “المعيل” ، قرية أبو خصاف ، هور ( ام النعاج) يبلغ عرضه بحدود25 كم وعمقه لغاية الحدود الإيرانية بحدود 30 كم ، قادنا صاحب القارب (المشحوف) وسط نباتالقصب ، يحاذي الاهوار مدن سكنها أهلها وولدوا فيها منذ ستة آلاف عام، ومازالت بقاياها الأثريةتحت هذه المياه وبالقرب منها أور وأريدو والوركاء، وفي تلك الممالك المائية تتناثر الجزر التي يسكنها أهلالأهوار في بيوت من القصب تسمى “الصرايف” ويتنقلون بين منازلهم وجزرهم والنواحي المحاذية لهمبالمشاحيف ، كانت رحلة استثنائية ، لم تخلو من الغرابة وكأنها رحلة تاريخية الى عصر السومريين قبلالاف السنين ، المياه كان كعذوبة اهلها ، الطيور والحيوانات لم تغادرنا في رحلتنا حتى عودتنا منالاهوار ، كان بانتظارنا عند بيت القصب عزوبية العمارة وسمكها المسكوف “والسياح والطابك” والطيوروهي اكلات جنوبية ، استمرت جولتنا نحو مدنها وقراها وشوارعها التي عجزها الزمن واصبحت كهلا كباقي مدن العراق ، بين الماضي والحاضر تبقى ميسان عروس ومنبع الطيب واصل عشائر العراق .