23 ديسمبر، 2024 12:13 م

رحلة الى ساحة التحرير

رحلة الى ساحة التحرير

بدأ رحلته بساقين عليلتين، حيث هبط في ساحة الاندلس وخضع للتفتيش الاول وبعدها اكمل رحلته باتجاه ساحة التحرير، كانت تختلط القوات الامنية بقوات مدنية تقوم هي ايضا بالتفتيش، علم بعدها انهم جماعة التيار الصدري يقومون باعمال التفتيش فهي جمعتهم الاولى في التحرير، اخترق منطقة البتاويين بطريقة تنم عن خبرة طويلة في الامكنة، انها اقصر الطرق كان يحدث نفسه، تناهت الى سمعه اصوات الجماهير العالية، فايقن بالخلاص، آخر تظاهرة شاركت فيها كانت باتجاه ساحة الميدان، والمناسبة تأييد نجاح الثورة الاسلامية في ايران، كان شابا والتهم الطرق التهاما، وكان يتذكر الرفاق الذين يحيطون بالتظاهرة ليمنعوا تسرب اي طالب من الجموع، انها تظاهرات قسرية، موجهة، ولذا كانت النتائج حربا ضروسا لمدة ثماني سنوات.

هذه المرة اختار هو بنفسه ان يضع نفسه رقما بين الارقام الاخرى، وكان يردد : ربما كنت انا المليون الذي سيفوض رئيس الوزراء، لكنه مع هذا لم يكن مقتنعا تماما بالغاء الدستور، لان الغاء الدستور يعني الفوضى والقضاء على التجربة الديمقراطية، وماذا فعلت الديمقراطية؟ انها لفظة ارادت لها اميركا ان تكون خنجرا مسموما في خاصرة العراق، انهم يزمون الخطى، شعب يخشى من الفناء والهجرة، الآن شعروا ان الوطن هو الحضن الادفى والاحلى، ولذا يريدون الدفاع عن وجودهم، الصور التي تصور اللاجئين وهم يملأون البحار، جثث تعوم بمفردها، اطفال ونساء، هؤلاء هربوا من تجربة العراق الديمقراطية.

علينا ان نصحح اخطاءنا، لنستغل هذا الهامش البسيط من الحرية، تناهى الى سمعه صوت يهز اعماق شارع السعدون: خبز ، حرية، دولة مدنية، لم يكن صوتا مبحوحا كالمرات السابقة، انه صوت ينبي عن خبرة كبيرة في ادارة التظاهرات، ومجاراتها طويلا منذ عهود سحيقة، اضطرب بداية الامر، ولكنه اكمل مسيرته باتجاه الصوت العالي، اتكأ جالسا على جدران مكتبة الحضارة والجموع تهتف امامه بملابس بيضاء جميلة، استأذنه اربعة من الشباب في الجلوس فأذن لهم، وتناول قنينة الماء وروى غليله.

سمع احد الاربعة يسأل صديقه: من هؤلاء؟ فاجاب الثاني : انهم الشيوعيون، فقال الثالث وبلهجة تافهة جدا: هؤلاء يحللون الجنس فيما بينهم، ورد الآخر: تعرف ، حين يموت لهم ميت يضعون عند رأسه بدل القرآن ، اغاني كريم منصور، تحركت

في مكاني متضايقا من الحديث، ولكنني خشيت ان ابدأ معهم بجدال عقيم لايؤدي الى نتيجة مع حالتهم تلك فغادرت المكان باتجاه مكان قريب، وعدت استمع الى شعارات لاتثقل كاهل الاذن او القلب، الساحة كانت جميلة الا من بعض المنغصات التي سرعان ما انتهت، كان شعارا جميلا يختصر كل معاناة الشعوب في العيش الكريم، اما الشعارات الاخرى فكانت تهاجم اشخاصا بعينهم، وهذه كانت تثيرها التيارات الدينية، من مثل التهجم على المالكي ومدحت المحمود.

غادرت المكان باتجاه ساحة كهرمانة مشيا على الاقدام، فوجدت الفضائيات التي تتصيد المارة، ووجدت نفسي منفردا اردد بصوت مسموع : خبز ، حرية ، دولة مدنية، مع امنيات بسيطة جدا في عودة الحياة المدنية بعد ان امتلأ الشارع بالبنادق والقذائف والجنائز، كنت اعاتب نفسي، كيف لنا ان نصبر على مجموعة من اللصوص، ولانتكلم الا بعد ان وصلت السكين الى رقابنا، فتذكرت الشباب الاربعة الذين جلسوا بجانبي، وايقنت انني كنت مقصرا، عندما تركت انا وغيري شبابا كالورود بمفاهيم خاطئة، لقد تركناهم يحاورون القبور، ولذا جاؤوا بمفاهيم لاتخص سوى الموتى.