تركت الخلق طراً في هواكا وأيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعوني بالحب إرباً ما مال الفؤاد لسواكا
مَن منّا لم يسمع أو يقرأ تلك قصص العاشقين؟ الخيالية أو الحقيقية منها، العشق: مفهوم مشكك، يتفاوت بين الناس، بل هو فيه تفاضل حتى عند عظماء الخلق، إن ما أعتقده أنا، وحسب فهمي، ان الإمام الحسين عليه تفرد وتميّز في عشق الخالق عز وجل عن باقي العظماء!.
لكي تعرف السّر في قولي هذا، إنه ما من نبي أو وصي إلا بكى على الحسين عليه السلام، وما من أحد من الأنيباء، أو الأوصياء، رفعت درجته إلا ببكائه على الحسين عليه السلام، فهذا آدم لم يتب الله عليه، إلا بعد رثائه إلامام الحسين”ع”، ولم ينج نوح إلا ببكائه على الحسين”ع”، ولم يفتدى إسماعيل بكبش، إلا بعد ذكر أبراهيم وحزنه للحسين “ع”، وهلّم جرا، حتى تعرف المغزى من قول النبي( عليه وعلى آله الصلاة والسلام):(أنا من حسين وحسين مني)، يقول المحقق العالم العارف المرجع، الشيخ جعفر التوستري، في( الخصائص):إني تتبعت سند الحديثين، فوجدت( انا من حسين)، أوقوى سنداً من( حسين مني)!.
تكررت الأقوال من أبي عبد الله الحسين عليه السلام، التي تكشف عن عشقه لله، عند خروجه إلى كربلاء، فقد ذاب في الله، وهذا الذوبان جعله يقطّع إرباً ـ كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة ـ لكنّه يلتذ به، ما دام يرضي معشوقه، ويوصله إليه!.
زار قبر جدّه قبل خروجه من المدينة، ولما كان قريباً من الصبح، وضع رأسه على القبر، فغفا فرأى رسول الله( صلواته تعالى عليه وعلى آله) في كتيبة من الملائكة… فضمه إلى صدره، وقبّل ما بين عينيه، وقال حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملاً بدمائك مذبوحاًْ بأرض كربلاء… حبيبي يا حسين، إن أباك وأُمك وأخاك قدموا وهم مشتاقين إليك، فبكى الحسين وسأل جده أن يأخذه، معه ويدخله قبره.
في جواب الإمام الحسين عليه السلام لأُم سلمة: يا أماه وأنا اعلم أني مقتول مذبوح ظلماً وعدواناً، وقد( شاء عز وجل) أن يرى حرمي ورهطي، مشردين وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً.
من خطبته عليه السلام في مكة: خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي أشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي… رضا الله رضانا أهل البيت… ألا من كان فينا باذلاً مهجته موطناً(على لقاء الله) فليرحل معنا، فأني راحل مصبحاً إن شاء الل… تعالى.
في جوابه لمحمد بن الحنفيه، عندما اراد صرفه عن السفر إلى العراق، قال: أتاني رسول الله وقال: يا حسين أخرج فإن الله تعالى شاء أن يراك قتيلا، فاسترجع”محمد” وحينما لم يعرف الوجه في حمل العيال معه، وهو على مثل هذا الحال قال له الحسين عليه السلام، قد شاء الله تعالى أن يراهن سبايا.
من دعائه عليه السلام، لما نظر إلى جمعهم كأنه السيل، رفع يديه بالدعاء وقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة… كم من همّ يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة( مني إليك عمن سواك)، فكشفته وفرجته، فأنت ولي كل نعمة، ومنتهى كل رغبة.
لمّا أخرج السهم عليه السلام من قفاه، وانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده تحت الجرح، فلما أمتلأت رمى به نحو السماء وقال: هوّن علي ما نزل بي “أنه بعين الله”فلن تسقط من ذلك الدم قطرة إلى الارض!.
في آخر نزعات روحه القدسية، قبل أن يذهب إلى جوار المعشوق، قبل أن يرحل إلى الخلود كان من دعائه عليه السلام: صبراً على قضائك يارب لا إله سواك يا غياث المستغيثين، ما لي رب سواك ولا معبود غيرك صبراً على حكمك، يا غياث من لا غياث له يا دائماً لا نفاد له، يا محيي الموتى، يا قائماً على كل نفس بما كسبت احكم بيني وبينهم وانت خير الحاكمين.
أيُّ عشق لله لديك سيدي أبا عبدالله! وأيُّ عظيم انت يا سيدي ومولاي، لقد صار قبرك، قبلة العاشقين، يقول أهل العرفان: ان الحصول على المقامات الرفيعة، ودرجات الكمال العليا، والكشوفات الربانية، لا تحصل إلا بواسطة الحسين عليه السلام.
عمّة زينب انت عالمة غير معلّمة، اعلمي انه سينصب بالطف هاهنا علم( الامام السجاد عليه السلام)، فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا( زينب عايها السلام).