في حواره مع صحيفة الشرق الأوسط في الخامس والعشرين من الشهر الحالي بدا اياد علاوي رجل دولة بإمتياز ، فرئيس اول وزارة بعد التغيير في العام 2003 ، وأحد أبرز الآباء المؤسسين للدولة الفتية يرفض الإستسلام لليأس رغم انزياح الكيان الفتي الذي وضع مرتكزاته المادية والتشريعية من موقع الدولة الى وضع السلطة والتي هي الاخرى تعاني من ضبابية الرؤية وغياب الإرادة .
في هذه المقابلة ظهر علاوي ، رئيس ائتلاف الوطنية ، ونائب رئيس الجمهورية من الناحيتين الدستورية والقانونية ، متزنا ومتفائلا رغم شعوره بالغبن الشخصي والسياسي من جهة وعمق المأساة التي تمر بها بلاده من جهة اخرى ، ففهمه لحركة التاريخ ، وايمانه بقدرة شعبه على تجاوز المحن عبر العصور ، وصلابته النضالية في التصدي لنظام صدام ومقاومة الطائفية السياسية والتدخل الخارجي في الشأن العراقي ، تمنحه مجتمعة قوة التفاؤل المستندة الى الواقعية لا المكابرة او العناد .
مايميز علاوي عن كثيرين من ساسة العراق وقياداته انه ظل متصالحا مع ذاته ومبادئه ، وقد عبرت هذه القيم عن نفسها خلال مسيرته الطويلة ، فالرجل الذي قبض على السلطتين التشريعية والتنفيذية لم يسئ او يتعسف في استخدامهما ، فقد اجرى اول انتخابات نزيهة وسلم السلطة سلميا وبسلاسة ، رافضا دعوات التمديد لنفسه عامين والتي اجمعت عليها كل القوى السياسية الأساسية المجتمعة في دوكان ، والرجل الذي كاد يفقد حياته قبل ذلك على يد ازلام صدام لم يحمل في صدره ضغينة الثأر والانتقام ، فالقصاص ، بنظر علاوي ، يجب ان يمر عبر قناة القضاء تحقيقا للعدالة ومنعا لردات الفعل المنعكسة على جدار الظلم والإستهداف ، وحتى الميليشيات التي لاوجود لها في دولة علاوي ( المدنية ) لم توضع في خانة واحدة ، فرجل الدولة في شخصية علاوي يتفهم الظروف الاستثنائية التي الجأت البعض مكرهين الى حمل السلاح دفاعا عن الوجود والشرف والوطن ، وهم غير اؤلئك المدفوعين بعقد التسلط او الانتقام او التكسب ، مايعبر عن صدقية المصالحة في تكوين علاوي النفسي والثقافي ، تلك المصالحة التي يتسبب تعطيلها في اطالة عمر الصراع ويزيد من فاتورة الموت والدم والخراب والتهجير والعوز .
لقد قدم السيد اياد علاوي خلال هذه المقابلة رؤية متكاملة لبناء الدولة ، تضمنت كل العناصر الموضوعية الكفيلة بوقف الانحدار الحالي ، والخروج من الازمة ، فالشروع بمرحلة البناء والتنمية ، مشددا على ان الحل يبدأ من تصحيح مسارات العملية السياسية التي خرجت عن سكتها بدخولها نفق الطائفية والمحاصصات السياسية والجهوية والفساد وسطوة النفوذ الخارجي ، وعلى الرغم من ان محاربة الطائفية السياسية شكلت لازمة في الخطاب السياسي لعلاوي طيلة السنوات الماضية الا انه طور ادوات وتقنيات المواجهة في هذا المشروع تبعا لحركة الواقع ومتطلباته .
لقد اثبتت الوقائع ، وانعكاساتها في الحراك الشعبي الوطني، وعلى المستويين الاقليمي والدولي ايضا ، صحة متبنيات الدكتور اياد علاوي في السياستين الداخلية والخارجية ، فمطالب المتظاهرين انفتحت على فضاء الدولة المدنية ومغادرة التخندق الطائفي السياسي ومحاربة الفساد ، وقد اصبحت ايضا مادة لخطب المرجعيات الدينية الرشيدة ، كما ان تسليم الدول الكبرى ودول المنطقة بالحلول السياسية وانتهاج الحوار بين مختلف الفصائل المتصارعة عبر طاولة التفاوض والحوار تؤكد حتمية الركون الى منهج المصالحة والتسويات الوطنية الداخلية او بين دول الاقليم ذاتها .
بهذه الروحية المنفتحة ، الخالية من العقد ، والتي تقدم مصلحة البلاد على الاعتبارات الاخرى ، وتواكب حركة التاريخ والمعطيات العلمية والفكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية ، تشبعت معالجات علاوي وقد استغرقت الكثير من التفاصيل والاشارات النافذة الى الامن والاقتصاد وبناء المؤسسات ، والتشريعات ، والعلاقة مع اقليم كردستان والموقف من التحالفات ، الدولي والرباعي والاسلامي ، والعلاقة مع العمق العربي والاسلامي للعراق ، وكذلك العلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا ، وغيرها من الاولويات والتحديات .
ماجاء في الحوار مع الشرق الاوسط يصلح لأن يكون برنامج عمل وخارطة طريق تضمن الحركة الآمنة فوق حقل من الالغام وصولا الى مستقبل يضمن الكثير من الفرص الواعدة .