18 ديسمبر، 2024 11:02 م

رجل الشرطة والفصل العشائري

رجل الشرطة والفصل العشائري

من غير المعقول والمقبول ان تتواجد في البلد أكثر من جهة قضائية، مجلس القضاء الأعلى وشيوخ العشائر. ان فصول شيوخ العشائر ليس لها سند قانوني، وكتب عنها الكثير في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لم تحرك الدولة ساكنا. لقد جرّم القضاء الدكة العشائرية فقط لما لها من تأثير على الامن والسكينة على الرغم من إن الفصل العشائري يبدأ خطوته الأولى بالمطالبة للجلوس “للحق” كما يسمونه، فإن لم يحضر الشخص يتمم خطوته الثانية بإن يتم دكه عشائريا، لإجباره على الحضور وذلك عبر رمي داره بمختلف الأسلحة الخفيفة بنادق ورشاشات. وقد استخدمت الصواريخ والطائرات المسيرة في بعض النزاعات العشائرية. ان تطور سطوة العشائر وتغولها يأتي على حساب ضعف الدولة.

ان تطور سطوة العشائر وخروجها عن سيطرة الدولة أدى الى هجرة الأطباء وفساد التعليم وإضعاف سلطة القانون، وسأتطرق هنا الى اثر الفصول العشائرية في مجال عمل الشرطة.

لقد اباحت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون واجبات الشرطة رقم 176 لسنة 1980 لرجل الشرطة استخدام السلاح الناري ولو أدى ذلك الى القتل عمدا وبلا امر من السلطات المختصة في (7) حالات منها: عند مطاردة او القبض على مجرم او متهم بجريمة معاقب عليها بالإعدام او بالسجن المؤبد إذا قاوم هذا المجرم او المتهم عند القبض عليه، او حاول الهرب، وعند فعل يتخوف ان يحدث عنه الموت او جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة او عند خطف انسان، او الحريق عمدا …. الخ. وبالتأكيد فإن منح الصلاحيات ليس حبا لرجل الشرطة ولكنه تفويضا لحماية حياة الناس في المجتمع، وجعله درعا لصد هجمات القتلة والمجرمين ممن لا يقدر عليه المواطن العادي، لذا يتم تدريب رجال الشرطة وتأهيلهم نفسيا وبدنيا وفنيا لذلك الغرض.

وفي جميع الحالات السابقة يتواجه رجل الشرطة مع متهمين ومجرمين مسلحين، ورغم ذلك تفقد وزارة الداخلية سنويا العشرات من رجالها من الضباط والمنتسبين كشهداء في عمليات لإنفاذ القانون من هذا النوع.

ومن المعلوم ان لقب المجرم يطلق على كل من حكم عليه بحكم قضائي لا يقبل الطعن عن جريمة يعاقب عليها القانون، بينما المتهم هو كل من يمثل امام القضاء في أي مرحلة من مراحل المحاكمة.. والخطرين من هؤلاء طالما انهم محكومين بالإعدام او السجن المؤبد، فأنهم ليسوا على استعداد لان يسلموا أنفسهم لرجال الشرطة ليسوقوهم الى حبل المشنقة، لذلك فإنهم يفضلون المقاومة والهرب علهم يفلتوا من العقاب إطالة لأيام حياتهم.. دون ان يهمهم مَن َيقتلوا او هوية من يُقتَل او كم يَقتلوا طالما مصيرهم القتل، فهم مقتولون في كلتا الحالتين.

لكن المشكلة تبرز عندما يطالب ذوي المجرم او المتهم المقتول اثناء الواجب وبسببه رجل الشرطة بالفصل العشائري، والمجرم الفار عن وجه العدالة يرتكب ما شاء من الجرائم طالما أنه لا يستطيع ان يراجع دوائر الدولة او دور العدالة لحل مشاكله مع الناس، وعندما يطلب رجال الشرطة من ذوي المجرم او المتهم الهارب عن وجه العدالة المساعدة والدلالة للقبض عليه يكون الجواب انهم بريئون منه ولا يعرفون مكانه، ولكن ما أن يُقتَل اثناء مقاومته لرجل الشرطة عند مطاردته او محاصرته للقبض عليه، حتى يبادر ذوه الى طرق باب دار رجل الشرطة مطالبين بالفصل العشائري .حتى وان برأت المحكمة رجل الشرطة عن تقصيره في حادثة القتل . الا إن رجل الشرطة الذي يستشهد اثناء الواجب لا يطالب ذوه عائلة المتهم القاتل بالفصل، ويكتفوا بشرف الاستشهاد.

وعندما يَقتل رجل الشرطة المجرم او المتهم المطلوب القبض عليه، فإنه يطبق تنفيذ الحالات المبينة في قانون واجبات رجل الشرطة والقوانين النافذة، وبالتأكيد تكون عملية القتل ليس تشهيا للإثم، وانما استنادا لأحكام القانون، فعندما يوجه المجرم المطلوب القبض عليه فوهة سلاحه نحو رجل الشرطة، لا يمكن لرجل الشرطة ان ينتظر نتيجة الطلق الناري هل يقتله ام لا. فسرعة الطلق الناري تصل الى 600 م في الثانية، ولا مجال للتفكير في أجزاء الثانية.

ومع ذلك الغيت المادة(113 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لقوى الامن الداخلي التي كانت توفر حماية لرجل الشرطة بحجة عدم دستوريتها من قبل المحكمة الاتحادية العليا ،وذلك الإلغاء ترك رجل الشرطة مكشوفا وبدون غطاء قانوني يحميه اثناء تنفيذ القانون ، وقد صرح بعض ضباط الشرطة ان بعض زملائهم تم الحكم عليهم بالسجن من قبل المحاكم المدنية بسبب قتل المطلوب القبض عليهم المطلوبين للعدالة اثناء مصادمات مع بعض المجرمين والمتهمين المطلوبين للعدالة ،على الرغم من استخدام المجرمين السلاح الناري في مقومة تنفيذ القانون . وإضافة للسجن تبعهم ذوي المجرم المقتول مطالبين بالفصل العشائري او يقتلوا عائلة رجل الشرطة، حتى ان البعض من رجال الشرطة باعوا دار سكنهم ليدفعوا مبلغ الفصل العشائري. وهذه الإجراءات ولدت خيارات لدى الكثير من ضباط الشرطة ،بتجنب قتل المجرمين لكي لا يخسروا وظيفتهم وحريتهم وعوائلهم .

ان قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 24 بتاريخ 24/3/ 1997 الذي يحكم على من يطالب رجل الشرطة بالفصل العشائري بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات، لا يوفر ضمانات اكيدة لحماية رجل الشرطة الذي يجد نفسه وجها لوجه مع عشيرة المجرم او ذويه. خاصة لا يمكن اثبات واقعة التهديد التي قد تبلغ وجه لوجه، اوعن طريق إطلاق النار على الدار، او باي طريقة من طرق التهديد التي لا تترك ادلة لمعرفة هوية مرتكبها. ورجل الشرطة لا يجازف بحياته او حياة أحد افراد عائلته وهو يعلم انه أصبح هدفا لذوي المجرم وعشيرته، وإذا قُتِل ربما تسجل الجريمة ضد مجهول.

ذكر بعض رجال الشرطة سابقا انهم أخبروا دائرتهم عن وقوع تهديد جراء أداء الواجب، ونسبت الدائرة دورية نجدة، لكنها سرعان ما سحبتها بعد مرور أسبوع. عندها همس بإذنه أحد ذوي المجرم قائلا: “لديك عطوة لمدة أسبوع وإلا سنقتل ابنك كما قتلت ابننا “. وهكذا اضطر لبيع داره ودفعه ثمنا لإداء الواجب.

اما في الوقت الحاضر فقد توسعت مساحة التهديدات التي تطال رجل الشرطة، ومن جهات عديدة حتى أصبح الخوف من مصير مجهول يتملك رجل الشرطة ويفضل الوقوف متفرجا. دون التدخل في جرائم لا يعرف ما ستؤل البه نتائجها.

وتحصل الكثير من جرائم الاغتيالات والخطف في الشوارع دون تدخل من مسؤولي الضبط من رجال شرطة وغيرهم، وقضايا الفصل العشائري اخذه في التوسع حتى انها أصبحت لدى بعض الأشخاص وسيلة للكسب والتعيش. ولا بد من:

1- توفير الحماية القانونية للقائمين على انفاذ القانون ولكافة صنوف القوات المسؤولة امنيا. وإذا كانت المادة الملغاة تخالف احكام الدستور فبالإمكان تعديل الدستور فهو ليس كتابا منزلا من السماء، طالما كان التعديل يستهدف المصلحة العامة والحفاظ على حياة الناس وحرياتهم ويعمل على بسط الامن والاستقرار.

2- التنسيق مع شيوخ العشائر بمنع المطالبة بالفصول في حالات قتل المجرمين والمطلوبين للعدالة من قبل رجال تنفيذ القانون.

3- من السنن العشائرية التي توارثناها عن اباؤنا واجدادنا بأن السارق والزاني لا فصل لهما ان قُتِلا من قبل مَن وقعت عليهم جريمة السرقة او الفعل الجنسي اثناء مباغتتهما متلبسين. في حين اختلفت الان هذه السنن وكل مجموعة او عشيرة تضع لها سنينة خاصة ونقترح ان تكون هنالك سنينة موحدة تعمل بها جميع العشائر، تضع العدالة والتراث الأصيل والمصلحة العامة فوق جميع الاعتبارات، وخاصة ما يتعلق بالعلاقة مع المجتمع والعشائر الأخرى.

4- يمكن توجيه دور رؤساء القبائل والعشائر في كل محافظة ودراسة كيفية الاستفادة منهم في حسم النزاعات العشائرية والمساعدة في فرض سلطة القانون، كتعديل” المادة 39 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، واعتبار أعضاء ضبط قضائي بالنسبة “رؤساء وشيوخ العشائر في التبليغ عن الجرائم وضبط المتهم والحفاظ على الأشخاص المطلوب الحفاظ عليهم “.