23 ديسمبر، 2024 10:51 ص

رجلٌ من قبيلةِ كعـب

رجلٌ من قبيلةِ كعـب

لجدي حصيرةٌ من نور
لا يراها أحدٌ سواه
تُضيئـُـهُ عند صلاة الليل
حصيرةٌ من صفصافٍ ورياحين 
تضيئُ له الأفكارَ وجروحَ الأيام

 …………..

وحين يخرج جدي من مضافتِهِ الفسيحة 
وحيداً 
في ذلك البستان الخالي
إلّا من اللهِ والملائكةِ وبيوت الفلاحينِ الفقراء 
متجهاً إلى الفراتِ 
كي يتوضّأَ لصلاةِ الفجر
تفرحُ به الشواطئُ 
تتلألأُ بين يديه الأسماك 
وهي تلبط في المياه 
…….
…….
جدي رجلٌ محظوظٌ لأنهُ خاليَ البال
ولأنه لا يهتمُّ لشيءٍ
           كما نفعلُ نحنُ هذه الأيام
نفكّرُ بكلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ دون جدوى
نفكّرُ ملهوفينَ وكأن الدنيا ستنتهي غداً
…….
…….
كان جدي – وهو رجلٌ من قبيلة كعب – 
يُضيُ بساتين (الشامية) بقامته الوديعة
كان حقاً لا يهتمُّ لشيء 
فلو قلتُ له، على سبيل المثال: 
إنك يا جديَّ رجلٌ محظوظٌ
لأنكَ رحلتَ عن هذه الدنيا البائسة
قبلَ أن ترى ما رأينا نحنُ من أهوال
لكان قد ربتَ على كتفي ضاحكاً واكتفى بذلك ..
ولو قلتُ له: ( إنك محظوظٌ يا جدي، 
لأننا نحبُّكَ كثيراً،
حتى نحنُ
أحفادَكَ الذينَ لم يتسن لنا أن نراك 
ونُقبل لحيتَكَ البيضاءَ ويديكَ البهيتين،
بل إننا نُحبّك كثيراً 
ونحتفي بحضورِكِ الجميل 
وصورِكِ البهيّةِ على الجدران )
لتطلَّعَ إليَّ مبتسماً
وعادَ إلى أطراقتهِ الهادئةِ البعيدة
مُقلّباً مسبحتَهُ
تاركاً إياي وحيداً في بستانه الفسيح
وحيداً مُبتهجاً 
قريباً من الله
تحيطُني الملائكةُ والفلاحونَ وطيورُ الحمام 
_________
*النص من مجموعة شعرية تصدر قريباً.

[email protected]