تتجاذب الكتل و الأطراف السياسية في العراق الرؤى و المشاريع التي تحمل عناوين ( الإصلاح ) و واحدة من المفردات التي يطرحها كل طرف ضد الأخر ، هو غياب رؤية واضحة و شاملة كمشروع للإصلاح ، و هذا التصور و إن كان يطرح على الأغلب من آجل المناكفات السياسية ، إلا أنه يصيب حقيقة واقعة في أغلب الفعاليات الجماهيرية و السياسية الساعية من آجل إصلاح ما ينبغي إصلاحه في العراق ، فالجماهير التي تحتشد ترفع مطلب يشكل عنوان وليس حاجة يمكن التأشير عليها ، هؤلاء الناس يتظاهرون و يعتصمون من أجل ( الإصلاح ) ، و هذا شيء عظيم ؛ إلا أن هذا العنوان أي الإصلاح ليس شيئا محددا يمكن الحديث عنه بهذا الشكل ، و أينما هو عنوان لمجموعة من الإجراءات الازم تحقيقها جميعها يطلق عليها الإصلاح ، فما يهم الناس هو توفر الطاقة الكهربائية و الخدمات و فرص العمل والضمان الصحي و كل ما يمثل حقوق المواطنين من الحكومة ، و أما يرتبط بالإصلاح السياسي فهو مجموعة رؤى سياسية قد تتمثل بتغيير شكل الحكم البرلماني أو الجمهوري و هكذا ، و أما ما يرتبط بحالات الفساد و هي من المشكلات الكبيرة ، فهي فعل جماهيري يتم عبر اختيار ممثلين بإمكانهم أن يقوموا بواجباتهم التشريعية و الرقابية و التنفيذية بما يحقق النزاهة ، بطبيعة الحال لا يمكن الادعاء أن هذه التظاهرات و حتى الاعتصامات لا تمثل حالة إيجابية بالكامل ، و إنما الحديث هنا عن أن صيرورتها تمر عبر مسارات سياسية و أيديولوجية ، لذلك تتسم بالمطالب الجهوية أكثر منها مطالب جماهيرية مباشرة ، فالمواطنين في كل البلدان الديمقراطية تنصب مطالبهم في التظاهرات على حاجاتهم الفردية و الجماعية المباشرة ، و ليس ما يرتبط بالستراتيجية التشريعية للدولة أو شيء مما يرتبط بالشؤون الأقتصادية أو السياسية العليا … لا يخفى أن السبب في هذا هو التوجهات الحزبية للتظاهرات و رؤى هذه الاحزاب في كيفية التقدم أو تحقيق المصالح ، و ليس تشاؤما إن قلنا أن رجال الاحزاب مهما أخلصوا و صدقوا تبقى مساعيهم قاصرة على تحقيق مصالح وطنية ، و لذلك قليلون أولئك الذين خلدهم التأريخ كمصلحين وطنيين أو إنسانيين ، و أبرز سماتهم أنهم تعالوا على الحزبية و الايدولوجية بإشكالها كافة ، و هذا بحق ما يحتاجه الإصلاح العراقي ( رجال وطن ) ، رجال يقومون بواجبهم من غير ضجة و زعيق ، كالذي وجدناه في السلطة القضائية التي تقدمت بإستراتيجيتها التشريعية من أجل التطوير القضائي ، و بمنجزاتها التطويرية منذ العام الفين و ثلاثة .