“المارة يتناقصون كما لو أن الأرض أخذت تمتصهم واحداً بعد الآخر” محمود عبد الوهاب- سيرة بحجم الكفيشكل خطاب القاص (ربيع عودة) ومعطياته النصية في مجموعته ” بيت العصافير- اتحاد أدباء وكتاب البصرة- دمشق- الغلاف: ياسين شامل”، قيم وتوجهات الحنين للماضي ، والمفتقد في الراهن، ويتأكد ذلك من خلال اهتمام ( ربيع) بالنثر (المهموس/المركز) الذي اجترحه ووضع بعض سماته ومحدداته واستثمره (حسين مردان). ومع أن(ربيع عودة) وضع على عنوان مجموعته الرابعة (قصص.. ونصوص) فبعضها لا تقع على وفق المحددات القصصية، ومنها : الراوي بكل أشكاله وتوجهاته ، وكذلك الحبكة والحوار وفي الأهم منها السرد في معانيه المعروفة، إذ له أساليب عدّة, تكون لدى السارد بما يشبه الأدوات بين يديه ، والسارد يعمد في اختياراته الأداة والمنحى الذي يناسب ما يطمح لإظهار توجهاته وما يشعر به ويسعى لتقديمه، مستثمراً ما يراه مناسباً من تقنيات فنية. والأسلوب ، كما متعارف عليه ،هو السرد. فالسرد هو من الأساليب المتّبعة في القصص والروايات وكذلك المسرحيات و اليوميات والمذكرات وهو ينسجم مع طبع الكثير من الكتّاب وأفكارهم لمرونته وكشف مقدرة الكاتب وتوجهاته الفكرية وقدراته الفنية, والسرد،كذلك، هو” أداة للتعبير, ويقوم الكاتب من خلاله وبواسطته بترجمة الأفعال وردودها والسلوكيات الإنسانية والأماكن بأسلوبه الخاص، وعلى وفق إمكانياته ، وبذلك يكون الكاتب قد قام بتحويل المحكي وترتيب الأحداث في نصه مع الانسجام بين توجهاته وأفكاره عبر اللغة التي تطرح تلك المعاني. وفي السرد الفني تنعدم الحاجة لتقديم المواعظ , وذلك لأن السرد يظهر كل ما هو ممكن، وإن حصل ما هو عكس ذلك فهو زيادة وحشو يضعفانه ويؤثران سلباً في بنية المسرود ،و ينشأ من هنا الضعف في تركيبته. وللسرد صيغ متنوعة فيمكن أن يروى شفهياً أو كتابة أو حواراً أو أن يكون عن طريق الصور والإيماءات وقد يقع أيضاً بصيغ فنية مبتكرة أخرى” “. مصادر عدة –
بتصرف . وحسب رولان بارت فالسرود لا حصر أو عدَ لها. مجموعة ربيع عودة ، تتألف من قسمين ، ضم الأول(12) موضوعاً و هذه يمكن أن تقع في منطقة القصة القصيرة جداً، كونها تتجه إلى المتلقي بسهولة. والثاني(6 ) وتقع في ما سماه ربيع بالـ(نصوص)، و هي اقرب لمدونات يومية و مشغولة بما تراه وتتفاعل معه ذات المُدون. وعلى العموم فإن (بيت العصافير) بلغتها المبسطة تقع في منطقة المنثور مع أنها تحمل ثيمات كان يمكن أن تتطور بشيء من الجهد والتعب والفطنة ، وعبر الانتقالات الفنية المنظمة و دون سرعة نفض اليد عنها، حتى أن “ربيع ” أحياناً لم يوضح الإشكال في ما يذكره في البداية ويقر في النهاية عكسه، ففي نصه (موديل)،مثلاً، يرد في الصفحة( 18) :” مثل بجعة يدفعها الأثير، ممسكة ابنتها الصغيرة التي تجاوزت- الحلم- بقليل ” لكنه في الصفحة(20 ) يذكر كونها: “امرأة عصرتها عنوسة السنين، أسقطت من بين أناملها – قلم شفاهها الأحمر”، دون معرفتنا لمن وجه وعنى به خطابه الأخير؟!. كما تضمن القسم الثاني بعض السِير لبشر مزقهم الاستبداد ، والظلم الاجتماعي ،واللاعدالة ، وقسوة واقعهم، فذهبوا حالمين بحياة مليئة بالأحلام ، إذ يتحول كل شيء عندهم إلى الممكن عبر الحب الشخصي. (بيت العصافير)، لحد ما، انعكاس متماثل مع حياة وتوجهات القاص (ربيع عودة) والمعروف في الوسط الثقافي بالبساطة والطيبة والدماثة، والخلق الرفيع، والابتعاد عن (المثاقـفة) التي لا معنى أو جدوى لها أو منها، والنأي عن الوصولية ، وعدم التدافع بـ(الأكتاف) طمعاً بمجد زائف أو مغانم خاصة ، ونصوصه تحاول الإفلات من وضعه الاجتماعي القاسي ، ومعاناته التي يتجاوزها عبر لغة نثرية شفافة وبسيطة، دون تعقيد الأفكار وحمولتها. وضع القاص (قصي الخفاجي) في مقدمته للمجموعة عوالم (ربيع عودة) تحت المجهر وقام بتشريحها، ومنها أن (ربيع): “منغمر في انشغالاته على الصوغ المنهمك بتشكيل الجملة المشتعلة بسطوة الجمال”. لكن، (الخفاجي)، يحسب ربيع على جيل الستينات ، الذي تميز بثورته على الموروث الأدبي والفني والسياسي وحتى الأخلاقي، دون أن يبحث- الخفاجي- في الظروف والأوضاع العامة – الخاصة التي كانت خلف ذلك. ونرى أن الفنان، مهما كانت اشتغالاته، لا يقاس ما يطرحه بزمن ولادته
وإنما بتنوع قدراته وإمكاناته الخاصة في ما يقدمه من نتاج، مهما كان عمره. (الخفاجي) ذهب في مقدمته لتحليل الجملة القصصية لدى ربيع عودة فرأى أنها تعود إلى: ” ما قبل الريادة العربية – العراقية ، وهي في (بيت العصافير) تنتمي إلى بدايات عهد النهضة الفنية التي بزغت على الساحة العربية في مصر ولبنان والعراق”.لكننا نرى إن جملة (ربيع عودة) تنتمي إلى الروح المفعمة بالتوجه الرومانسي المفقود راهناً. في بعض نصوص (بيت العصافير) ثمة ما يطلق عليه (بالبورتريه) في الفن التشكيلي من ناحية التجسيم، وإيلاء السمات الخاصة اهتماماً مخلصاً ،و ما يحسب لـ(ربيع) تأكيد خصوصية “المُهدى” له النص كما في(جلَّ…نار) الذي يهديه إلى (ناصر قوطي) وكذلك(طيور) والمُهدى إلى (ياسين شامل). والمجموعة بكليتها تشعل الحنين إلى حياة تبددت وأجهضت تحت ظروف مفعمة بالتردي والإهمال والأهوال سابقاً و حالياً ، من خلال إهدائها إلى أستاذنا ” محمود عبد الوهاب”. محتويات (بيت العصافير) تقدم نفسها عند لحظة كتابتها، ولم يسع “ربيع ” لإعادة النظر فيها ثانية وتشذيبها أو الإضافة لها، وهي رثاء واستعادة زمن مضى ولن يستعاد قطعاً، و تحاول مراقبة ضياع الإنسان وقيمه الرفيعة بندم وحسرة ولوعة ومرارة، و ما تفتقده (بيت العصافير) هو عدم الاهتمام بحياة القاع الاجتماعي وتطلعاته الإنسانية- النبيلة البسيطة المشروعة، والذي يعيشه ويواجهه وانبثق منه (ربيع عوده)،والذي أشرع أبواب : بيت عصافيره.. في زمن الضواري الراهن.* في اربعينيته