23 ديسمبر، 2024 6:27 م

“ربيع بريطاني”.. ولكن ديمقراطيا!

“ربيع بريطاني”.. ولكن ديمقراطيا!

إطلاق تعبير “الربيع البريطاني” عبر مقاربة مع التسمية التي أطلقت على ماشهدته الدول العربية منذ العام 2011 من احداث أقل ما يمكن ان يقال عنها إنها كانت زالزالية سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وحتى جيو سياسيا ، قد تفاجيءهذه المقاربة كثيرا من القراء والمتابعين للأحداث المتسارعة والمتصاعدة التي تشهدها بريطانيا منذ إعلان نتائج الإستفتاء التي أقرت بتصويت الشعب بخروج بريطانيا العظمى من الإتحاد الأوربي.
 ومنذ الساعات الأولى ليوم الجمعة الرابع والعشرين من حزيران أصابت الصدمة نصف الشعب البريطاني الذي صوت على بقاء بلاده في الإتحاد الاوربي حيث لم يكن يتوقعها، ولم تقف الصدمة عند هذا الحد بل أصابت أيضا النصف الآخر الذي صوت لإنسحاب بريطانيا من الإتحاد الاوربي والذي لم يكن أيضا يتوقع هذه النتيجة. فبدأت أسواق المال بالتراجع وفقدت بورصة لندن خلال ساعتين اكثر من 100 مليار جنيه إسترليني من قيمها وقفز الإسترليني ” كما وصفه البعض” الى الهاوية ليتدهور الى أقل مستوياته منذ 31 عاما وإستمر النزيف المالي والإقتصادي وسادت الفوضى والرعب الأسواق المالية التي صدمت بالقرار الذي إتخذه الشعب البريطاني بصورة ديمقراطية فكان” أبو الإستفتاءات” كما يحلو للبعض أن يسميه وهو الإستفتاء الأكثر أهمية في تاريخ بريطانيا المعاصر.
 هذا القرار إتخذه كما وصفه البعض “المجلس الثالث” في البرلمان البريطاني ويعني به الشعب الى جانب مجلسي العموم و اللوردات وإستمرت تداعيات الزلزال في الميدان الإقتصادي بل إنتقلت بسرعة الى الساحة السياسية البريطانية فقدم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الإستقالة وبدأت ما أطلق عليه “الحرب الأهلية” داخل حزب المحافظين بالتصاعد خلال الأيام القليلة التي تلت إعلان نتيجة الإستفتاء وبدأ التراشق بالإتهامات بين سياسي الحزب من المعارضين لإنسحاب وبريطانيا والمؤيدين له . أما حزب العمال المعارض الذي دعم موقف كاميرون ، و كانت قيادته بزعامة جيريمي كوربين تعارض إنسحاب بريطانيا فشهد الحزب كما وصفه البعض إنقلابا على زعامة كوربين وقدم 12 وزيرا إستقالاتهم من حكومة الظل العمالية وتم التصويت بحجب الثقة عن كوربين حيث صوت 172 من البرلمانيين العماليين على إزاحته من منصبه مقابل 40 عارضوا ذلك وطالبت قيادات مخضرمة من حزب العمال كوربين بالإستقالة حفاظا على شعبية الحزب ومصلحته التي هي أهم من مصالح الأفراد بل وتدى ذلك الى القول إن على كوربين ومن يساندونه أن يستقيل ويشكل حزبا آخر إذا أراد ذلك بعيدا عن العمال. .. ولم يسلم حتى حزب إستقلال المملكة المتحدة ورئيسه غريب الاطوار من الإنتقادات رغم إن نتيجة الإستفتاء حققت أهداف الحزب ولم يعد له أهمية لأن أهدافه تحققت فأعلن فاراج زعيم الحزب ضرورة إصلاح الحزب ..
 هذا يعني زلزال سياسي شامل في أروقة السياسة البريطانية ولحد كتابة هذه السطور لم تتوضح ملامح الصورة أوالمشاهد الجديدة.. حيث إجتمعت لجنة 1922 ضمن حزب المحافظين لتقرر مسار إنتخاب رئيس للحزب سيكون بالتأكيد رئيس وزراء بريطانيا الجديد بحلول التاسع من شهر أيلول القادم.. اما على صعيد المجتمع البريطاني فشهدنا تصاعد إعتداءات الكره العنصري ضد المهاجرين من شرق اوروبا وكذلك ضد المسلمين فظهرت أصوات معتدلة ومتوازنة تدعو لوقف هذه الحملة العنصرية وإنضم ديفيد كاميرون الى دعوات لشجب هذه الإعتداءات التي تصاعدت بعد إعلان نتائج الإستفتاء. هذه حصيلة الزلزال الإقتصادي ، السياسي والإجتماعي الذي أثاره قرار تاريخي إتخذ بإسلوب ديمقراطي قرر من خلاله الشعب البريطاني الإنسحاب من الإتحاد الاوروبي، ولكنه كان أيضا قرارا يوجه كلمة كفى أو كفاية الى النخبة السياسية والإقتصادية البريطانية بأن عليهم الإستيقاظ من غفواتهم والإنتباه الى مصالح الشعب البريطاني أينما كانت ومهما كانت .

وبعد كل ذلك الذي شهدناه خلال الأيام القليلة الماضية ألا يحق لنا ان نطلق على تلك الأحداث والتطورات المتسارعة والمتصاعدة بأسبابها ونتائجها تسمية”الربيع البريطاني” بإسلوب ديمقراطي، حضاري وإنساني لا يمكن الإعتراض عليه ولا يمكن معارضته أيضا.