حكم الجزائر منذ الاطاحة بالرئيس احمد بن بيلا حكومات عسكرية بدعم من
جبهة التحرير الجزائرية . وكبديل عن الاشتراكية تم اعتماد التعاونيات لادارة اقتصاد البلد تحت اسم التسيير الذاتي ابتداء , ثم التسيير الاشتراكي , ولم تشهد الجزائر بعد ذلك اي تطور مهم في البنية الاساسية الاقتصادية والصناعية رغم صرف مليارات الدولارات
العشرية السوداء
في مطلع التسعينات من القرن الماضي جرت انتخابات برلمانية في الجزائر فازت فيها الجبهة الاسلامية للانقاذ . مما حدا بالجيش لالغاء هذه الانتخابات . وقد ادى ذلك الى اندلاع الحرب الاهلية التي سميت بالعشرية السوداء والتي راح ضحيتها عشرات الالوف من الجزائريين , واتسمت بعنف منقطع النظير حيث تم قتل وذبح عوائل وقرى كاملة . . . ولم يستطع الجيش من قمعها , حتى جاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي اصدر قانون الوئام الوطني والعفو عن المتورطين في الحرب في عام 1999 , وقد حقق نجاحا باهرا في ايقاف هذه الحرب بعد فشل كثير من الرؤساء في تحقيق السلم الاهلي خلال فترة تقارب العشر سنوات
الازمات الاقتصادية
الا ان الازمات الاقتصادية المتلاحقة قد ادت الى تململ شعبي خصوصا بعد ان زاد التضخم النقدي في الجزائر الى اكثر من6% كما تواصل تدهور الدينار حتى وصل الى 35% من قيمته . وكذلك السياسة الاقتصادية الفاشلة , والوضع السئ
الناتج من الفساد والمحسوبية . حيث يقدر بعض الاقتصاديين ان 20% من موارد الجزائر تذهب للاستثمارات والباقي يهرب الى الخارج
وقد اعتمد الاقتصاد كليا على النفط والغاز واصبح الاقتصاد ريعيا
ولم يكن هناك اي اهتمام بالقطاع الاقتصادي مما انعكس سلبا على المجتمع وبالاخص الشباب منه . يضاف الى ذلك
البيروقراطية المتفشية في كل مرافق الدولة مع الفساد الكبير ولم يستطع رئيس الوزراء احمد اويحيى من الاحتفاظ بالقدرة الشرائية للمواطن الجزائري الاخذة بالانحدار يوما بعد يوم
وهناك دعوات متاخرة للاصلاحات من قبل الحكومة لم
تخرج الى ارض الواقع ولم يلمس المواطن الجزائري اي تحسن في مستواه
عجز رئيس الجمهورية
جاء عجز رئيس الجمهورية بعداصابته بجلطة دماغية اقعدته على كرسي متحرك عام 2013 ليزيد من تفاقم الاوضاع في البلاد , مما اثار تسائلات حول قدرته لتولي مهام رئباسة الجمهورية . وقد دعت بعض الاحزاب تنظيم انتخابات مبكرة وفق المادة 88 التي تعالج موضوع عجز رئيس الجمهورية عن الاستمرار بمزاولة عمله , الا ان الحزب والحرس القديم المحيط بالرئيس بوتفليقة رفض بشكل قاطع اي محاولة لعزل الرئيس او تنظيم انتخابات مبكرة قبل انتهاء الولاية الرابعة لرئيس
الجمهورية . وقد خرجت جماهير غفيرة من الجزائريين , معظمهم من الجيل الجديد رافضين استمرار الوضع على ماهو عليه . او التجديد لولاية خامسة لعبد العزيز بوتفليقة . مطالبين بعملية نقل السلطة بطريقة سلمية , واجراء انتخابات حرة نزيهة تستبعد كل السياسيين القدامى . ومطالبين باصلاحات اقتصادية للبلاد . ورغم كل هذه الاحتجاجات اصر الرئيس بوتفليقة على التقديم لولاية خامسة . ولكن اصرار الشعب على التغيير والخروج يوميا الى الشارع قد احدث ضغطا كبيرا علي السلطة السياسية مما دفع الرئيس الى عدوله عن التجديد لولاية خامسة مع تاجيل الانتخابات
علق احد المتظاهرين على ذلك بقوله , اننا كنا نريد انتخابات دون بوتفليقة . الا ان السلطة اعطتنا بوتفليقة من دون انتخابات . وهذا يوضح عمق الازمة القائمة بين الشعب والسلطة في الجزائر
تعتبر القرارات الصادرة من طرف رئيس الجمهورية “انتصار جزئي” للشعب الجزائري الا انها غير كافية . حيث يطالب الشعب بمرحلة انتقالية وحكومة توافق وطني ولايريد الالتفاف حول رغبته في الذهاب الى انتخابات حرة ونزيهة خالية من السياسيين القدامى
الموقف الفرنسي والامريكي
لفرنسا مصالح حيوية في الجزائر وهي تحاول الحفاظ عليها وبالتالي فقد التزمت بموقف محايد من الناحية الرسمية المعلنة ودعم العملية الانتقالية التي اعلنها الرئيس بوتفليقة . مع تاييدها للمتظاهرين والاشادة بسلمية التظاهرات . وهي تحاول بذلك عدم اثارة غضب المتظاهرين او النظام . كما تم تاكيدها على احترام سيادة الجزائر
واما بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية فانها ستستغلّ الفترة الانتقالية لتعزيز علاقاتها اكثر من اي وقت مع الادارة الجديدة للجزائر . حيث تحاول الاستفادة من موقع الجزائر الاستراتيجي في القارة الافريقية لبسط نفوذها المتزايد في هذه القارة
تصاعد الاحتجاجات
ورغم ان الرئيس بوتفليقة قد اعلن بانه سيترك الحكم في نيسان القادم بعد انتهاء ولايته الرابعة , الا ان الموجة الجماهيرية لاتزال تتصاعد وتثبت انه طالما استمرت المشكلات السياسية , والاقتصادية , والفساد المستشري من الحرس القديم , فستستمر الجماهير بالتظاهر والانتفاض لانتزاع حقوقها كلما توفرت الظروف المناسبة لها
هذا يثبت أن المظاهرات والانتفاضات لا تزال هي الخيار الوحيد للشعوب امام تعنت السلطة واستبدادها مما يتعذر اصلاحها ، . فبوتفليقة لا يمثل سوى واجهةٍ تعمل من خلفها شبكاتٌ فاسدة من الجنرالات وكبار رجال الأعمال
مواقف الجيش
ان الجيش يحكم مفاصل الحياة في الجزائر ، وهو الضامن لبقاء حزب جبهة التحرير على رأس السلطة، وهو الذي ألغى نتائج الانتخابات التشريعية عام 1991 بعد فوز الإسلاميين فيها. واغلب رؤساء الجزائر تم ترشيحهم بواسطة الجيش ، وحتى بوتفليقة الذي ترشح للرئاسة بوصفه مرشحاً حراً عام 1999، لم يكن ليصل إلى هذه المنصب لولا موافقة الجيش
ان موقف الجيش من التظاهرات الأخيرة قد شهد تطورا كبيرا , فبعد ان كان من اشد المؤيدين للعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة . تخلى عنه الان بعد ازدياد الحراك الشعبي ضده ، كما انتقل من التحذير من انحراف التظاهرات ، إلى الإشادة بها ، ثم إعلانه بالوقوف إلى جانب الشعب وطالب بإعلان عجز الرئيس لضمان انتقال سلس للسلطة على وفق الدستور . . الا ان المتصدين للحراك الشعبي رفضوا هذه المبادرة وطالبوا بتغيير النظام برمته وفق دستور جديد. وجمهورية جديدة
ان الرئيس بوتفليقة قد خدم الجزائر حقا , وقدم لها السلم الاهلي طوال سنوات عديدة . الا ان عجزه الملحوظ . وتفاقم الازمات الاقتصادية والفساد المستشري من حزبه والسياسيين المحيطين به ، يدعوه إلى التنحي وتسليم السلطة الى حكومة انتقالية حتى تتجنب الجزائر السيناريوهات الدامية المصاحبة للربيع العربي التي استغلها الاسلام السياسي المتطرف وغير المتطرف وادت الى انزلاق سوريا وليبيا الى المجهول . كما تتجنب المصير الذي آل اليه العراق نتيجة التدخلات الدولية والاقليمية في شؤونه الداخلية بعد احتلاله
ولذلك يتوجب على الجزائريين العمل على منع اي فراغ دستوري بعد انتهاء ولاية بوتفليقة او تنحيه , والذهاب سلميا الى مرحلة انتقالية بمساندة الجيش
اننا على ثقة من ان الشعب الجزائري الشقيق سيتجاوز هذه المحنة وسيحقق اهدافه في التخلص من السلطة الفاسدة التي وقفت خلف الرئيس بوتفليقة وان ربيع الجزائر يجب ان يكون ربيعا اخضرا، ليس كالربيع العربي