القسم الثامن
لقد علمتنا الممارسة المهنية الفعلية أن نبحث عن السند التشريعي فيما نكتب ، لأن فيه من القوة ما يمنحنا القدرة على المناقشة والحوار ، ورد عموم الكلام الذي لا فائدة منه مهنيا تطبيقيا ، إضافة إلى ملاحظة دقة الصياغات اللفظية التي تحرف الكلم عن مواضعه وتغيير توجهات القصد في المعنى ، ومهما تكن المعلومات العامة ضرورية لتقريب وجهات النظر المختلفة من الفهم المشترك لأي موضوع ، إلا أنها بدون السند والدليل التشريعي مجرد وجهة نظر عارضة لا تصمد أما رأي المختص أو المهتم المهني ، ولا تحقق النتيجة المتوخاة من الإعتراض في سبيل معالجة ما نراه خللا قابلا للإصلاح أو التغيير على المستويين الخاص أو العام . وفي موضوعنا فإن إخضاع قرارات محاكم البداءة للإستئناف ومن ثم للتمييز ، أو للتمييز مباشرة دون الإستئناف ، مما هو معروف في ساحة القضاء من حيث المبدأ ، ولكن من حيث الآليات وسياقات العمل وما يتعلق بموجبات تمام الطعن ، فلا نجد ضالتنا إلا في المادة (205) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969-المعدل ، حيث نص الفقرة (1) منها ، على أن ( يكون الطعن في الحكم بطريق التمييز بعريضة تقدم إلى محكمة التمييز أو إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو إلى محكمة محل إقامة طالب التمييز ) . وذلك ما تم فعلا ، أما بشأن المطلوب حسب نص الفقرة (3) منها في أن ( إذا تعلق الطعن بحكم بدائي صادر بدرجة أولى ، يجب على الطاعن أن يرفق بعريضته التمييزية إستشهادا من محكمة الإستئناف ، يفيد عدم تقديم إستئناف عن حكم البداءة المذكور في مدته القانونية ) . فقد تحقق ذلك بتقديم طلب الطعن إلى محكمة التمييز أولا وبشكل مباشرة وبصفة المميز دون المرور بمحكمة الإستئناف فيما يخصنا كمدعي ، أما المدعى عليه فقد تقدم بطعنه إلى محكمة الإستئناف فقط وبصفته كمستأنف ، وكل منا يمثل جهة التمييز أو الإستئناف حسب موضوع طعنه في قرار محكمة البداءة ، وليس هنالك من خلط أو إلتباس بين الإثنين لإختلاف الأسماء على أقل تقدير ، ولأن تقديم طلبي التمييز والإستئناف قد حصلا في 13 و14/1/2020 ، فإن لمحكمة الإستئناف دور السبق في النظر بالطعن المقدم إليها من قبل المستأنف فقط ، حيث نصت ( المادة -193-1) من القانون المذكور على أن ( إذا إستوفى الإستئناف شرائطه القانونية ، تقرر المحكمة قبوله شكلا ثم تمضي في نظر الموضوع ، فإن كان حكم البداءة موافقا للأصول والقانون تمضي بتأييده ورد الإعتراضات والأسباب الإستئنافية مع بيان أوجه ردها تفصيلا ) . وعليه فإن تأييد حكم البداءة ينحصر فيما تم رده من الإعتراضات والأسباب الإستئنافية ، ولا علاقة لما طعن به تمييزا ولم يبت فيه من قبل محكمة التمييز . صاحبة القرار النهائي في كل ما يصدر عن محاكم البداءة والإستئناف . إذ ( يجب على محكمة التمييز عند تدقيق الطعن المرفوع إليها عن حكم بداءة صادر بدرجة أولى ، وكان قد رفع عنه إستئنافا ، أن تقرر إعتبار الطعن مستأخرا حتى يبت في الإستئناف ) ، وذلك ما نصت عليه المادة ( 206) من قانون المرافعات . ولكن الهيئة المدنية المشكلة في محكمة التمييز الإتحادية في 10/5/2020 ، أصدرت قرارها المرقم (2147/الهيئة المدنية/200) ت 2135 ، جاء فيه وبالنص الخطأ على أن ( طعن المدعى عليه بالحكم إستئنافا وأصدرت محكمة إستئناف …/ الهيئة الإستئنافية الأولى قرارا بالعدد (368/س2/2020) في 20/2/2020 ، يقضي بتأييد الحكم البدائي ورد الطعن الإستئنافي وتحميله الرسوم والمصاريف . طعن المدعى عليه بالحكم البدائي تمييزا بلائحته المؤرخة في 13/1/2020 ) ، وبذلك أصبح المدعى عليه مستئنفا وممييزا في الوقت والحال الواحدة ، وليس المدعي مميزا والمدعى عليه مستئنفا ، ولعل في خطأ توحيد جهة الإستئناف والتمييز والموضوع ؟!، السبب في أن يكون نص القرر على أنه ( لدى التدقيق والمداولة ، وجد أن الحكم البدائي المطعون به تمييزا ، كان قد طعن به إستئنافا من قبل المدعى عليه بالإضبارة الإستئنافية (368/س2/2020) ، والتي صدر الحكم فيها بتأريخ 20/2/2020 ، وبذلك فإن الحكم الإستئنافي المشار إليه قد جب الحكم البدائي المميز ، وبالنتيجة أصبح الطعن التمييزي غير ذي موضوع ، قرر رده شكلا وتحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالإتفاق في 10/5/2020) . ولا أدري كيف يختلط الأمر إلى حد عدم التمييز بين جهتين وموضوعين مختلفين ، ويبدو أن السادة القضاة قد تركوا تدقيق الأحكام الصادرة عنهم لموظفي المحاكم , وما عليهم غير تثبيت تواقيعهم عليها ، ليذهب حق المواطن إدراج الرياح ، ولا يذكرني ذلك إلا بالقول الشائع ( يا ما في السجن من مظاليم ) ؟!. ولمجلس القضاء الأعلى قول الفصل فيما لا يجوز تجاوز حدوده شرعة ومنهاجا من حيث الخطأ الوارد في قرارات المحاكم والحكام .
*- بتأريخ 31/8/2020 تقدمت بعد اليأس من الحصول على قرار صحيح وسليم ، بطلب تصحيح القرار التمييزي إستنادا إلى نص المادة (221) من قانون المرافعات المدنية ، حيث ( مدة طلب تصحيح القرار سبعة أيام تبدأ من اليوم التالي لتبليغ القرار التمييزي ، وتنتهي المدة في جميع الأحوال بإنقضاء ستة أشهر على صدور القرار المراد تصحيحه ) .. وستقرأون كيف تضيع الحقوق ، بسبب عدم تحمل المحاكم مسؤولية أخطاء أحكامها ، باحثة فيما بين أصول المرافعات ما يبرر رد الدعوى ، تحت شعار لا يجوز الدفع جهلا بالقانون ، الذي لا نراه في أليات العمل ، وعند سؤال القاضي عما يجب إتباعه ، يكون الجواب : إسأل المحامي . وكأن جميع المواطنين ذو إمكانيات مالية فائضة عن حاجاتها الأكثر ضرورة للإنفاق في غير ساحات القضاء المستنزف لما في يد المساكين والفقراء ، الذين يتركون حقوقهم بسبب ذلك ، ولربما يكون لمجلس القضاء الأعلى رأي في فتح مكتب إعلامي للإستشارات القانونية البسيطة في كل دار قضاء رحمة بالفقراء . لأن أغلب موظفي سلطات اليوم وعلى الرغم من جهلهم ، يحبذون قهر المراجعين والإنتقاص من قدرهم بالإستعلاء ؟!.