شاهدنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي الفيديو الذي انتشر بسرعة والذي يصور مجموعة من الملثمين الذي يهاجمون قاعة للتدليك والمساج في منطقة العرصات ببغداد وكيف قام المهاجمون المدججون بالسلاح والقنابل الحارقة والهراوات بالاعتداء على عاملات النادي وتحطيم الأثاث والمعدات ومن ثم حرق النادي ومغادرة المكان بكل برود دون أن تعترضهم دورية شرطة او تعتقلهم جهة أمنية مسؤولة عن أمن المواطنين وممتلكاتهم, ولو افترضنا جدلا بأن هذا المكان كان مخصصا لممارسة الرذيلة فليس هناك حق لأي شخص في التصرف بهذه الطريقة ما لم يكن يحمل أمرا قضائيا و صفة رسمية تعطيه الحق القانوني في اقتحام المكان, فالقانون يكفل حق الجميع ويتعامل مع الجميع بنفس الطريقة التي وضعها المشرع وإلا لتحول المشهد إلى غابة يهجم فيها القوي على الضعيف متى ما شاء وكيفما شاء.
المشهد لا يقل رعبا عن المشاهد اليومية التي تقوم بها فئات ضالة حقيرة تأتمر بأوامر ثلة قذرة تدعي الدين وتلبس لباس التدين وهي أبعد ما يكون عن الدين, فتارة ما ترى تسجيل يظهر فيه رجل دين يبيح الاعتداء على الناس علنا بحجة الحفاظ على الدين وتارة ما ترى من يعتدي وبشكل سافر على أرواح وممتلكات الناس بدافع تحريضي مغطى بغطاء ديني كي يكون مقبولا لدى الرأي العام وتارة أخرى ترى من يقتل وبدم بارد شخصيات استطاعت ان تؤسس لها اسما ومكانا في المجتمع بغض النظر عن اختصاصاتها و عملها, وما عملية اغتيال دكتورة التجميل رفيف الياسري وغيرها إلا خير دليل يعكس حجم الظلامية في العراق الجديد.
إن ما يجري اليوم من ممارسات تعسفية و استهتار يقوم به البعض ضد أمن و سلامة وممتلكات المواطنين يعيدنا إلى فترة التسعينات المظلمة بكل تفاصيلها، حصار و جوع وعنف حكومي و خوف من المجهول ومستقبل أظلم أزداد ظلاما بعد الفترة التي أعقبت محاولة اغتيال عدي التي جعلته عاجزا على ممارسة مجونه التي اعتاد عليها فبدلا من ان يتوجه لربه صاغرا نادما على ما فعل مسبقا راح يدفع بجلاوزته لشن حملات البطش والقتل على كل من كان يمارس حياته الطبيعية ممن حوله، فبدأت مليشيته السيئة الصيت (فدائيو صدام) بقطع الألسن و الأعضاء التناسلية وفقأ العيون لأن قائدها لم يعد يحتمل رؤية فحولة غيره وهو عاجز عن التبول بصورة طبيعية؟ ! و صارت تلك الميليشيا تهاجم النوادي الليلة والفنادق الراقية و تضرب الرصاص عشوائيا لتقتل من تقتل و تدمر ما تستطيع تدميره و تقطع أجساد من يتهمن ببيع الهوى لترمى بقايا جثثهن بأكياس الزبالة أمام مساكنهن، حتى بات البغداديون يرون دراكولا و فرانكشتاين و غيرهم من وحوش البشر تتجول في شوارع بغداد لتنقض في أية لحظة على كل من يقف أمامها؟!
هذه المشاهد كانت تحدث في العلن وأمام مرأى الناس، أما في السر وخلف جدران السجون والمعتقلات الرهيبة فكان جلاوزة الأب يصفون كل من يخالف تعليماته الدينية التي صاغها والتي فرضها دستورا جديدا على كل العراقيين بعد أن وصل حكمه إلى حافة الانهيار بسبب حماقاته وتفرده في السلطة وشمولية حكمه ليتحول إلى ناسك يسمي نفسه عبد الله المؤمن لا حبا بالدين أو إيمانا بشريعة الله إنما ليطبق ما يريد تحت غطاء ديني شرعي مثلما يفعل متدينو اليوم…
نفس المشهد يتكرر اليوم و بنفس النفس البعثي بل أسوأ منه , تقوده شراذم المجتمع العراقي و أسوأ خلقه ممن تحميهم عباءة وعمامة السيد كما كانت تحمي أبائهم بزة الزيتوني بالأمس، فبعد أن ضاق العراق ذرعا بما تقوم به المليشيات المسلحة منذ سنوات و التي يمولها قادة العصابات والمافيات التي تقف خلفها تيارات كبيرة تتصدر المشهد السياسي وتتربع على عروش الوزارات والمؤسسات الحكومية و صارت تلك العصابات تدفع بأولئك المارقين المتخلفين من المراهقين و المأبونين تحت مسميات شتى جميعها تعود لنفس المصدر و تحمل نفس القذارة و كأن البعث يعود بحلة جديدة و بطرق دموية أسوأ من تلك التي كان يمارسها النظام الدموي السابق.
لقد صار الحكم اليوم بيد تلك العصابات والمافيات المنظمة التي تعيث فسادا في البلد, تخطف وتقتل وتدمر وتكمم الأفواه بالقوة وتصادر حريات الناس التي كفلها القانون و تستولي على مقدرات البلد وثرواته و تتحكم باقتصاده و تسحق كل من يقف في طريقها وتعين الوزراء والمسؤولين ولم تكتف بذلك القدر من التدمير و التبجح بأفعالها المشينة وعدد مليشياتها وعدتها المتطورة، بل دفعت بمجموعة جديدة لا تقل دناءة و قذارة عنها تحت مسمى ((أصحاب القبعات الزرقاء))، عصابة مارقة يقودها أراذل المجتمع وسفلته تسببت بقتل العشرات واعتقال وخطف المئات والاعتداء على أعراض الناس و تشويه سمعة ماجدات العراق اللائي وقفن ولأول مرة بوجه تجار الدين والسياسة إبان انتفاضة تشرين الخالدة التي هزت كيانات وعروش الأوغاد و أقضت مضاجع التيارات والأحزاب التي تتحكم في مصير العراق منذ عام ٢٠٠٣ و أسقطت تلك العمائم الفارسية المجوسية التي تنسب نفسها لرسول الرحمة وأهل بيته وهي لا تعدو أن تكون عمائم كفار قريش و خيبر, بل تلك لعمري اشرف منها، عمائم عاثت فسادا ودمارا في بلد كان يوما منارا للعلم والمعرفة وكان أهله مثالا للنخوة والطيبة والكرم والشجاعة حتى حولوه إلى ركام و حولوا أهله إلى وحوش ضارية تأكل بعضها البعض.
وبعد ان انكشفت و انفضحت ممارسات تلك العصابات المارقة ومن يقف خلفها ويدعمها و يمولها، تخرج علينا اليوم فئة باغية أخرى تطلق على نفسها (ربع الله)، عصابة جديدة ولدت من رحم التيارات الدينية الفاسدة وغيرها والتي لا تلد إلا اللقطاء والجبناء، تهجم على ممتلكات الناس وتضرب وتحطم و تحرق وكل ذلك تحت مرأى و مسمع الدولة المنخورة بالكامل, توثق أفعالها الشائنة تلك كامرات المراقبة التي سجلت كل شيء دون أن يبدر أي تصرف من الحكومة او أن تتخذ أي إجراء قانوني يحمي أرواح وكرامة وممتلكات المواطنين و حقوقهم، الم يكن ذلك النادي الخاص بالمساج يعمل بأجازة رسمية وبالقانون؟ أليس هناك قانون يحدد ممارسة تلك المهن؟ مع العلم إن تلك العصابات هي التي تحمي دور الدعارة ومحال بيع الخمور التي تنتشر في أرقى أحياء بغداد, فكيف ولماذا تعتدي شراذم مأبونة على تلك النوادي بهذه الطريقة ويسكت عنها الجميع ما لم تكن قد اختلفت فيما بينها على (المالات)؟ في الوقت الذي تعلم فيه الحكومة جيدا بأن الحيتان الكبيرة من كبار المسؤولين في الدولة وخصوصا أتباع التيارات الدينية هي من ترعى و تحمي تلك الأماكن المشبوهة وغيرها من مواطن الفحش والرذيلة التي تدر عليها ملايين الدولارات شهريا لتدعم مليشياتها وتشتري ذمم الناس وأصواتهم خلال الانتخابات و تدفع أجور القتلة المأجورين الذين يقتلون دون رحمة لأنهم تربوا على يد قادة العصابات والمافيات التي أصبحت تضاهي بقوتها و ضراوتها تلك المافيات الكولومبية والمكسيكية والروسية و هذا يعطي انطباعا مؤكدا بأن القضية منظمة وإن الدولة عاجزة عن الوقوف بوجه سادة الشر و أتباعهم.
لقد صار العنف ممنهجا و مشرعنا وصارت تلك التيارات القذرة أقوى من القانون وصارت تتحدى حتى الله!! وإلا كيف يسكت أصحابها و هم يدعون التدين و الاجتهاد على من يطلقون على انفسهم ((ربع الله))؟, هل كان لله يوما رفيقا أو ولدا أو زوجة أو خليلة أو صاحبة أو ربع؟!! حاشا لله , أوليس ذلك الشرك والكفر بعينه؟! لكن المجرمين الذين اعتادوا على إباحة القتل و السرقة والاعتداء على الآخرين منذ اليوم الأول لسقوط بغداد واعتلائهم منابر الشر وخروجهم بفتاوى لا تمت لأي دين في هذا العالم بصلة لن تردعهم كل الشرائع السماوية و سوف يستمرون في غيهم و طغيانهم و جرائمهم خصوصا حين يكونون أغبياء متخلفين سيئي الصيت والسمعة يحتمون بعباءة الدين ويحمون بها أتباعهم الساقطين من كل مساءلة و عقوبة, لا يردعهم رادع ديني أو أخلاقي لأنهم ببساطة لا علاقة لهم بالدين والأخلاق ولا علاقة لهم بالله حتى وإن كانوا يطلقون على أنفسهم (ربع الله) كما وليس لهم من منطق البشر حصة أنما تراهم يتحدثون من أدبارهم و يُخرِجونَ قذاراتهم من أفواههم.
و يبقى السؤال الأزلي القائم, إلى متى يبقى العراق بهذا الحال؟ ولماذا يخرج هذا البلد من جلاد و طاغية ليستلمه من هو أسوأ منه؟ في الوقت الذي كنا نتمنى فيه التخلص من حكم البعث و طاغيته وتسلط أبنائه وحاشيته صرنا اليوم نتحسر على ذلك الحكم المقيت بعد أن وصلنا ليوم عايشنا فيه من هم أسوأ منه, حتى بتنا نعتبر تلك الأيام السوداء بيضاء أذا ما قارناها بسواد و ظلام أيامنا هذه وأصبحنا نترحم على أفعال البعثيين أيام زمان والتي لا تقارن بأفعال بعثيو اليوم ((وإن لم ينتموا)) !!