هنا على ارض مملكة الشعر ارتفعت رايات المجد احتفالا بالابنودي …..
هذا ما قلته عندما قرأت خبر رحيل الجبل الشعري الشاهق عبدالرحمن الابنودي على الشريط الاخباري لاحدى القنوات الفضائية …..
اعترف ان الخبر صعقني فكريا وفلسفيا لكن الشعر لا يسقط حتى وان رحل من كتبه عن هذه الحضارة المقرفة فالشعراء يموتون لكن قصائدهم تبقى وتتحول دواوينهم الى متاحف فكرية يزورها المبدعون من مثقفين وشعراء وكتاب …..
قصتي مع قصائد الشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودي تبدأ منذ مرحلة مراهقتي الثقافية حيث ان ابي العظيم كان يحضر من الدول التي يسافر اليها الصحف والمجلات والكتب ومن بين هذه الصحف كانت صحيفة اخبار اليوم المصرية والشرق الاوسط والحياة اللندنيتان وصحف اخرى لا تسعفني الذاكرة رغم ان ارشيف ابي العظيم محفوظ لدي كما هو فلقد قدم ارشيفه هدية لي رغم ان الكثير من الصحف والمجلات والكتب مفقودة حيث قدمها ابي العظيم للاصدقاء والشخصيات والاقرباء بطلب منهم …..
القصد من هذا الكلام انني عرفت شعراء وكتاب مصر عبر الصحف والمجلات المصرية خاصة اخبار اليوم ومجلة نصف الدنيا وروز اليوسف وصباح الخير فكانت هذه الصحف والمجلات تنشر كتابات شعراء ومثقفي مصر على صفحاتها …..
كان قصائد الشاعر عبدالرحمن الابنودي تتصدر صفحاتها هنا عرفت من يكون وما هو اسلوبه الشعري حيث كان ابي العظيم يعشق قصائده ويعيش احلى لحظاته عندما يقرأ كلمات قصائده خاصة جوابات حراجي القط وقصيدته يامنه …..
هنا ورثت هذا العشق الشعري الشعبي الصعيدي عن ابي العظيم فقصائد الشاعر الكبير الابنودي تختصر المسافات بين الواقع والخيال في صورة كلمات بسيطة سلسة ناعمة تحمل معاني كبيرة حول الولاء للقرية بأعتبارها ارض الاجداد والعشيرة بأعتبارها الوطن الكبير والعائلة بأعتبارها الوطن الصغير …..
هنا لابد من القول ان الشعر ينقسم الى الكثير من الصور والاشكال لكن اللغة التي تكتب الشعر تنقسم الى نوعين فأما الشعر يكتب باللغة الفصحى واما باللغة العامية فالفصحى هي لغة تناولها الكثير من الشعراء مثل ابي الروحي نزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم وكثيرون غيرهم حيث انها اللغة الموحدة التي تناقلها الانسان جيلا بعد جيل لكن اللغة العامية فهي حكر على شعب ما او امة ما او قبيلة ما فلكل الشعوب لغتها العامية الخاصة بها ففي العراق وسوريا ولبنان والمغرب وكافة الدول العربية لغتها العامية الخاصة بها ولكل من هذه البلدان وغيرها شعراء يكتبون الشعر بلغتهم العامية …..
فمثلا في العراق هنالك الشاعرة المتألقة شهد الشمري التي اعتبرها ملكة الشعر الشعبي فهي تكتب باللهجة العامية العراقية وتختزل وتعكس صورة المجتمع والعائلة والفرد العراقي بكلمات ناصعة الوضوح وعذبة الملامح بصور واوجه مختلفة …..
فالشاعر عبدالرحمن الابنودي يعتبر رمزا وطنيا للشعب المصري لأنه كان خير صديق لجموع الفقراء الغفيرة من خلال قصائده التي سطرت ملاحم شعبية ووطنية وغزلية وانسانية وثورية فكان لقبه ( الخال ) لأنه كان الانسان المثقف الحضاري المتطور الذي لم ينسى اصوله وجذوره فمن خلال الكلمة استطاع ان ينقل المفردات البسيطة الى لغة تواصل فكرية وفلسفية عميقة الى قلوب وعقول المصريين من جهة والمثقفين اجمع في كل اصقاع العالم فشعره اشبه بالمزيج السحري ما بين فوضى المجتمع الحديث والاجواء التي يعيشها الريف المصري لهذا كان لشعره الاثر البالغ في نفوس الكثيرين من عشاق شعره ومتابعيه وقارئيه اضافة الى هذا فأن لشخصية الشاعر اثر كبير في انتشار الاسلوب الشعري الذي يتقن فنونه ودروبه ومسالكه فشخصية الابنودي بقدر ما كانت شخصية ثقافية تملك الكثير الحداثة والنهضوية في تركيبتها لكن في نفس الوقت كانت الاصول القبلية والعشائرية والقروية باقية فيها وواضحة جدا هنا يمكن القول ان الابنودي بنى صرحا شعريا كبيرا من اللغة العامية داخل اروقة القصيدة بقديمها وحديثها فشعره يمثل الامل والحنان والشوق والالم والعذاب بل يمكن القول ان الابنودي طرح الكثير من القضايا والامور المعقدة فكريا وفلسفيا والتي لا يمكن صياغتها بسهولة لكنه حولها الى مفردات وكلمات وقصائد تجعل الانسان ينسى همومه ومشاكله وفوضى الحياة …..
لهذا يعشق المصريون شعر الابنودي لأن شعره هو الناطق الرسمي لعقولهم وقلوبهم حيث لا يخفى على احد نحن المثقفين ان الشعب المصري هو اثقف شعوب منطقة الشرق الاوسط ولا اعتقد ان احد من المثقفين سيعترض على هذا الكلام فهذه حقيقة …..
فالمصريون اثقف البشر الناطقين بالعربية لهذا نرى ان للثقافة بكل انواعها وتشكيلاتها تأثير كبير على حياة المجتمع المصري من الغفير الى الوزير لهذا كان لشعر الابنودي الانتشار بفضل الثقافة التي يحملها المصريون فهم شعب يهضم الثقافة بسلاسة ونعومة ومن ثم يخرجون من عقولهم وقلوبهم عصارة ثقافية ثرية بالفكر والفلسفة تكاد شعوب المنطقة بعيدة كل البعد عن الوصول الى مستوياتها البدائية …..
لذا فرحيل الابنودي ما هو الا انتقال من فوضى هذه الحضارة المقرفة الى الخلود في عقول وقلوب عشاق شعره وثقافته القبيلة العشائرية القروية الصرفة التي يجب ان تبقى ولا تزول مهما توالت الاجيال الواحدة تلو الاخرى …..
فدائما اقول ان الانسان مهما تثقف ومهما تعلم فنون وطقوس هذه الحضارة يجب عليه ان لا ينسى ولائه للقرية والعشيرة والعائلة فهذا شيء مهم ومقدس في حياة الانسان ويجب ان تزداد ثراءا وعمقا من الجد للاحفاد ومن الاب للاولاد وهكذا …..
هكذا تعلمت الولاء لقريتي ولعشيرتي ولعائلتي من قصائد الابنودي فالقضية هنا كالفصل بين الدين والدولة فيجب الفصل بين الثقافة وبين القرية والعشيرة والعائلة بداية من الجد والاب والعم والعمة واولاد العم واولاد العمة بنسائهم بزوجاتهم ببناتهم بأطفالهم الذين ما زالوا في المهد …..
فالانسان المثقف هو شخصية واقعية بحكم التعلم واكتساب المهارات والفنون من فوضى الحياة وصولا الى الكتاب لكن لهذه الشخصية اوقات محددة بينما تبقى الجذور والاصول هي الحقيقة التي يجب ان لا ينساها المثقف مهما تسلق هرم الثقافة …..
فتحية للابنودي هذا الجبل الشعري الشاهق في رحلته نحو الخلود فاليوم ارض الشعر تحتفل بحضوره وترفع رايات المجد رايات الشعر خفاقة عالية تحمل عظمة الريح وهي تهب من اقصى الارض الى اقصاه ومضيئة تحمل الابداع نحو الافق البعيد …..
وتحية للقرية والعشيرة والعائلة فهي الدرع الحصين للاجيال الواحدة تلو الاخرى والجبهة الاولى والاخيرة التي تحمي عبق الجذور والاصول …..
احدى اجمل واحلى قصائد الابنودي الخالدة …..
قصيدة ( يا منه )
والله وشبت يا عبد الرُّحمان ..
عجّزت يا واد .؟
مُسْرَعْ؟
ميتى وكيف؟
عاد اللي يعجّز في بلاده
غير اللي يعجز ضيف.!!
هلكوك النسوان؟
شفتك مرة في التلفزيون
ومرة .. وروني صورتك في الجورنان
قلت : كبر عبد الرحمان.!!
أمال انا على كده مت بقى لي ميت حول.!!
والله خايفة يا وليدي القعدة لتطول.
مات الشيخ محمود
وماتت فاطنة ابْ قنديل
واتباع كرم ابْ غبّان
وانا لسة حية..
وباين حاحيا كمان وكمان.
عشت كتير.
عشت لحد ماشفتك عجّزت يا عبد الرحمان.
وقالولي قال خَلَّفت
وانت عجوز خلَّفت يا اخوي؟؟
وبنات..!!؟
أمال كنت بتعمل إيه
طيلة العمر اللي فات؟
دلوقت مافقت؟
وجايبهم دِلْوكْ تعمل بيهم إيه؟
على كلٍّ..
أهي ريحة من ريحتك ع الأرض
يونسُّوا بعض.
ماشي يا عبد الرحمان.
أهو عشنا وطلنا منك بصة وشمة.
دلوك بس ما فكرت ف يامنة وقلت: يا عمة؟؟
حبيبي انت يا عبد الرحمان
والله حبيبي .. وتتحب.
على قد ماسارقاك الغربة
لكن ليك قلب.
مش زي ولاد الكلب
اللي نسيونا زمان
حلوة مرتك وعويْلاتك
والاّ شبهنا..؟
سميتهم إيه؟
قالولي : آية ونور.
ماعارفشي تجيب لك حتة واد؟
والاّ أقولك :
يعني اللي جبناهم..
نفعونا في الدنيا بإيه؟
غيرشي الانسان مغرور.!!
ولسه يامنة حاتعيش وحاتلبس
لمّا جايب لي قطيفة وكستور؟
كنت اديتهمني فلوس
اشتري للركبه دهان.
آ..با..ي ما مجلّع قوي يا عبد الرحمان.
طب ده انا ليّا ستّ سنين
مزروعة في ظهر الباب
لم طلّوا علينا أحبة ولا أغراب.
خليهم..
ينفعوا
أعملهم أكفان.!!
كرمش وشي
فاكر يامنة وفاكر الوش؟
إوعى تصدقها الدنيا..
غش ف غش.!!
إذا جاك الموت يا وليدي
موت على طول.
اللي اتخطفوا فضلوا أحباب
صاحيين في القلب
كإن ماحدش غاب.
واللي ماتوا حتة حتة
ونشفوا وهم حيين..
حتى سلامو عليكم مش بتعدي
من بره الأعتاب
أول مايجيك الموت .. افتح.
أو ماينادي عليك .. إجلح.
إنت الكسبان.
إوعى تحسبها حساب.!!
بلا واد .. بلا بت..
ده زمن يوم مايصدق .. كداب.!!
سيبها لهم بالحال والمال وانفد
إوعى تبص وراك.
الورث تراب
وحيطان الأيام طين
وعيالك بيك مش بيك عايشين..!!
يو…..ه يا رمان..
مشوار طولان
واللي يطوِّله يوم عن يومه يا حبيبي .. حمار
الدوا عاوزاه لوجيعة الركبة
مش لطوالة العمر.
إوعى تصدق ألوانها صفر وحمر.
مش كنت جميلة يا واد؟
مش كنت وكنت
وجَدَعَة تخاف مني الرجال ..؟
لكن فين شفتوني ..؟
كنتوا عيال.!!
بناتي رضية ونجية ماتوا وراحوا
وأنا اللي قعدت.
طيِّب يا زمان..!!
إوعى تعيش يوم واحد بعد عيالك
إوعى يا عبد الرحمان.
في الدنيا أوجاع وهموم أشكال والوان.
الناس مابتعرفهاش.
أوعرهم لو حتعيش
بعد عيالك ماتموت.
ساعتها بس ..
حاتعرف إيه هوّه الموت.!!
أول مايجي لك .. نط
لسه بتحكي لهم بحرى حكاية
فاطنة وحراجي القط..؟
آ.. باي ماكنت شقي وعفريت
من دون كل الولدات.
كنت مخالف..
برّاوي..
وكنت مخبي في عينيك السحراوي
تمللي حاجات.
زي الحداية ..
تخوي ع الحاجة .. وتطير .
من صغرك بضوافر واعرة .. ومناقير.
بس ماكنتش كداب.
وآديني استنيت في الدنيا
لما شعرك شاب..!!
قِدِم البيت.
اتهدت قبله بيوت وبيوت.
وأصيل هوه..
مستنيني لما أموت..!!
حاتيجي العيد الجاي؟
واذا جيت
حاتجيني لجاي؟
وحتشرب مع يامنة الشاي .؟؟
حاجي ياعمة وجيت..
لالقيت يامنة ولا البيت ..!!